حتى لا ننسى.. جرائم العثمانيين المخفية في مصر


إعداد – هيام عبده مزيد

"لم يقاس أهل مصر شدة مثل هذه، ولم يقع لأهلها شدة أعظم من هذه الشدة قط"؛ هكذا وصف المؤرخ المصري محمد ابن إياس في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور"، يوم دخول الأتراك العثمانيين إلى مصر بقيادة سليم خان في شهر محرم لعام 923 هجرية الموافق يناير 1517 شهرًا.

ويسجل المؤرخ شهادته في هذا اليوم بالقول أنه وقع فيها مثل ما وقع من جند هولاكو فى بغداد، وفى موضع آخر من الكتاب أنه "وقع في القاهرة المصيبة العظمى التى لم يسمع بمثلها فيما تقدم"ح كاشفًا عما رآه من أهوال اقتحام وغزو العثمانيين لمصر التي تذهل لها العقول مما قام به الأتراك وفاقت ما قام به من بعده الإنجليز والفرنسيون وصلت لاقتحام الأزهر الشريف ومسجد ابن طولون وجامع الحاكم، وإحراق جامع شيخو.

ويقول ابن إياس متأسفًا على سقوط مصر فى يد العثمانيين، حسبما يورد في كتابه: "أن ابن عثمان انتهك حرمة مصر وما خرج منها حتى غنم أموالهم وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها".

ويقص ابن إياس فى الجزء الخامس من كتابه الذى يشبه اليوميات، أن سليم خان، الإمبراطور التركي، الذي اقتحم القاهرة، كان رجلا سيئ الخلق سفاكًا للدماء شديد الغضب، وروى عنه أنه قال: "إذا دخلت مصر أحرق بيوتها قاطبة وألعب في أهلها بالسيف".

ويذكر واصفًا حال آل عثمان وعسكره: "كان عندهم قلة دين يجاهرون بشرب الخمور فى الأسواق بين الناس، ولما جاء عليهم شهر رمضان فكان غالبهم لا يصوم ولا يصلى فى الجوامع ولا صلاة الجمعة إلا قليل منهم، ولم يكن عندهم أدب ولا حشمة".

ويروى المؤرخ المصرى آيات وقصص الظلم الذى وقع وأصاب المصريين من العثمانيين فى مواضع عدة من كتابه، حيث وصل الأمر إلى سقوط 10 آلاف من عوام المصريين قتلى فى يوم واحد، وحسب وصف ابن إياس لهذا اليوم "فالعثمانية طفشت في العوام والغلمان والزعر ولعبوا فيهم بالسيف وراح الصالح بالطالح، وربما عوقب من لا جنى، فصارت جثثهم مرمية على الطرقات من باب زويلة.. ولولا لطف الله لكان لعب السيف فى أهل مصر قاطبة".

ووصل حد الاضطهاد والاستعباد والاستهزاء بعوام المصريين، من جانب العسكر الأتراك، أنهم كانوا "يخطفون عنهم العمايم ويعرون الناس في الشوارع" حسب رواية ابن إياس، رغم أن سليم خان "كان ينادي كل يوم بالأمان والاطمئنان فى القاهرة والنهب والقتال عمال من جماعته".

ويروي المؤرخ المصري رواية أخرى للاستعباد الذى كان يقوم به الأتراك للمصريين، فحسب ما ورد فى بدائع الزهور: "فى يوم اضطربت أحوال القاهرة، وصارت أرباب الأدراك (الدرك) تقف على أبواب المدينة ويمسكون الناس من رئيس ووضيع ويضعونهم فى الحبال حتى من يلوح لهم من القضاة والشهود، وما يعلم ما يصنع بهم، فلما طلعوا بهم إلى القلعة أسفرت تلك الوقعة على أنهم جمعوا الناس حتى يسحبوا المكاحل النحاس الكبار التى كانت بالقلعة، وينزلوا بها إلى شاطئ البحر.. وقاسى الناس فى سحبها غاية المشقة وحصل لهم بهدلة من الضرب والسك وخطف العمائم.. وصاروا يربطون الرجال بالحبال فى رقابهم ويسوقونهم بالضرب الشديد على ظهورهم".

ولم يكتف العثمانيين بهذا الأمر؛ بل أعلملوا فيهم النهب والسلب والتخريب، وكما يورد ابن إياس "أنهم سرقوا دجاج الفلاحين وأغنامهم وأوزهم، ثم دخلوا إلى الطواحين وأخذوا ما فيها من البغال والأكاديش وأخذوا عدة جمال من جمال السقايين، وصارت العثمانية تنهب ما يلوح لهم من القماش وغير ذلك، واستمر النهب عمالا فى ذلك اليوم إلى بعد المغرب، وتوجهوا الى شون القمح التى فى مصر وبولاق ونهبوها".

ويروي ابن إياس فى موضع آخر أن "جماعة من العثمانية صاروا يمسكون أولاد الناس من الطرقات ويقولون لهن أنتم جراكسة فيشهدون عندهم الناس أنهم ما هم من المماليك فيقولون لهم: اشتروا أنفسكم من القتل فيأخذون منهم حسبما يختارون من المبلغ، وصار أهل مصر تحت أسرهم.. فانفتحت للعثمانية كنوز الأرض بمصر من نهب وقماش وسلاح وخيول وبغال وجوارى وعبيد وغير ذلك من كل شىء فاخر".

ووصل الحال بالعثمانية لفرض غرامات على الزواج والطلاق "فصار الذى يتزوج أو يطلق تقع غرامته نحو أربعة أشرفية، فامتنع الزواج والطلاق فى تلك الأيام، وبطلت سنة النكاح والأمر لله فى ذلك".

ويورد ابن إياس رواية أخرى "أنه أشيع أن ابن عثمان خرج من مصر وبصبحته ألف جمل محملة ما بين ذهب وفضة، هذا خارج عن ما غنمه من التحف والسلاح والصينى والنحاس والخيول والبغال والحمير وغير ذلك حتى نقل منها الرخام الفاخر وأخذ منها من كل شىء أحسن، ما لا فرح به آباؤه ولا أجداده من قبل أبدا، وكذلك ما غنمه وزراؤه من الأموال وكذلك عسكره، فإنه غنم من النهب مالا يحصر".

هكذا كانت حال المصريين، بينما كان سليم الأول السلطان العثمانى فى القلعة محتجبًا عن الناس، يقول ابن إياس: "إن ابن عثمان احتجب عن الناس ولم يظهر لأحد وحكم بين الناس، ينصف الظالم من المظلوم، بل كان يحدث منه ومن وزرائه كل يوم مظلمة من قتل وأخذ أموال الناس بغير حق، ولأنه كان يشاع العدل الزائد عن ولاد ابن عثمان وهم فى بلادهم قبل أن يدخل سليم شاه لمصر، فلم يظهر لهذا الكلام نتيجة"، وفى موضع آخر يروى ابن إياس أن سليم "كان مشغولا بلذته وسكره وإقامته بين الصبيان والمرد.. وما كان له أمان إذا أعطاه لأحد من الناس وليس له قول ولا فعل وكلامه ناقص ومنقوض ولا يثبت على قول واحد كالعادة".

ووصف ابن إياس "العثمانية" بأنهم "قوم همج"، وحسب روايته فـ"لم يكن له (سليم) نظام يعرف لا هو ولا وزراؤه ولا أمراؤه ولا عسكره، بل كانوا همجا لا يعرف الغلام من الأستاذ ولما أقام ابن عثمان فى القلعة ربط الخيول من الحوش إلى باب الجامع، وصار زبل الخيل هناك بالكيمان على الأرض" ـ وعن عسكره يصفهم ابن إياس بأنهم "كانوا جيعانين العين نفسهم قذرة يأكلون الأكل وهم راكبون على خيولهم فى الأسواق وعندم عفاشة فى أنفسهم".

ودمر سليم الأول الصناعة في مصر، حيث نقل أمهر الأعمال وأرباب الحرف فى مصر إلى اسطنبول ما سبب الخراب وتوقف الصناعات التى اشتهر بها مصر، حتى انقرضت 50 حرفة، يقول ابن إياس إن العثمانيين "ما رحلوا عن الديار المصرية إلا والناس في غاية البلية وفي مدة إقامة ابن عثمان في القاهرة حصل لأهلها الضرر الشامل".

كما أجبروا أمهر العمال المصريين على السفر لاسطنبول حتى توقفت 50 حرفة فى مصر وسرقوا رخام القلعة والمدارس.

اقرأ المزيد

"التاريخ يقول".. دور "آل سعود" في التصدي لشركيات الدولة العثمانية

سلطنا الضوء في وقت سابق على فصول مخفية في تاريخ الدولة العثمانية التي أصابها الضعف بسبب التصوف والبدعة

شاهد.. مؤرخ كويتي يرصد مآسي حجاج بيت الله إبّان العهد العثماني

رصد الدكتور سلطان الأصقه، المؤرخ الكويتي، مآسي حجاج بيت الله الحرام إبّان العهد العثماني، مقارنة بحال الحرمين الشريفين في مواسم الحج

تعرف على غزوات الرسول المنسية.. أبرزها "الأبواء"!

بمجرد استقرار المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وقيام المجتمع الإسلامي الجديد، اتجه نشاط المسلمون نحو توطيد مكانة هذه الدولة

وثيقة تكشف دور الشيخ "زايد" الكبير في تعزيز نصر "أكتوبر 73"

أكد الدكتور سلطان الأصقه، المؤرخ الكويتي، أن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو أوّل حاكم عربي يمنع تصدير النفط لأمريكا ودول أوروبا الغربية المؤيدة

حفيدة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب في سطور

كان للمرأة نصيب كبير في دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب، فكان لبناته وأحفاده دور في نشر العلم بين النساء في الدرعية وخارجها

بالفيديو.. مؤرخ يستعرض أحوال الحرمين الشريفين في عهد الملك المؤسس

استعرض الدكتور سلطان الأصقه، المؤرخ الكويتي، حال الحرمين الشريفين في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، مقارنة بالعهد العثماني، مستشهدًا بوقائع ووثائق

تعليقات


آخر الأخبار