دعوى إسقاط الولاية وتداعياتها على المجتمعات المسلمة
إعداد - عبدالله بن محمد الشبانات
من سنن الله التي لا تتغير والتي فطر الناس عليها أنّ أيّ بناء لا بد له من باني يلي أمره ويقوم عليه ومن أهم الأبنية الاجتماعية بل هو أساسها والتي لا بد فيها من والي يقوم عليها هي الأسرة.
ولا يخفى علينا أن أساطين المذهب الفردي والباطني بشكل عام يدركون أنّ أيّ تجمع بشري مقنن سيكون ضد مذهبهم الفردي الذي يقوم على المعنى المجرد للحرية فأول مايضعون بين أعينهم بداهة هذه اللّبنة القوية التي هي أساس المجتمعات وهي التي تخالف مذهبهم ألا وهي التجمع الأسري أو الأسرة.
ولتدليل على أهميّة الأسرة وما تقوم علية من القوامة والولاية ووعي أعداء الفطرة والعقل والملة بهذا الأمر فإنّه كثيرًا ما يستوقفني حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي نصه: (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجئ أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، قال: ثم يجئ أحدهم فيقول: ما تركتُه حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيُدنيه منه، ويقول: نِعْم أنت).
فلو دققنا النظر في قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي مفاده أنّ أقربهم منزلة منه هو أشدهم إحداثا للفتنة والذي تجده في الحديث من نقض أساس الأسرة بالطلاق والطلاق بدوره هو الذي يلغي ولاية الرجل على زوجته مع أنه لا يلغي الأبوّة، ولكن ينفرط بعدها عقد الأسرة فدافع إبليس نعوذ بالله منه، في تقريب هذا الشيطان الذي أغرى الرجل ليطلّق زوجته دون باقي الشياطين لعلمه بمدى أهميّة الرابط الأسري لأنه لا معنى للأُسرة و التي لاتأتي إلاّ عن طريق الزواج إذا انتفى رابطها الأقوى وهي القوامة التي ينبع منها أمر الولاية.
وبما أنّ المذهب الفردي أساسه ومحوره يدور على الفرد فقط ويعادي أو يؤخر في أحسن أحواله جميع أنواع وأشكال المجتمعات وفاعليتها وبما أنّ الأسرة بدورها أول وأهم لبنات المجتمع وهي أول من يقف أمام الفرد ليهذب أخلاقه وسيره في الحياة ويشعره بأهميّة المجتمع والترابط.
فإن المذهب الفردي لا شك سيحاول نقضها أو نقصها ولن يستطيع إلّا بزعزعة أُسسها وأول أساس لها هي ما قامت عليه في أصلها ألا وهي القِوامة التي هي مسوّغ الولاية ومُنْتَجُها الرئيس، قال الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)؛ وكما قلنا أن أساطين المذهب الفردي يدركون أنّ أيّ تجمع بشري مقنن سيكون ضد مذهبهم الفردي فأول ما يضعون بين أعينهم مكون الأُسرة ويحاولون بادئ ذي بدء وخصوصًا في مجتمعاتنا المسلمة وفي الخليج والسعودية خصوصًا ضرب أهمّ عنصر في الأسرة؛ دون أن يعترض عليهم أحد أو يكون الاعتراض أقلّ من غيره وهذا العنصر هو الزوجة فلماذا!
الجواب: لأنهم لو توجهوا إلى الأبناء لهب الزوجين مدافعين ورافضين أيّ فكرة تضر بالأسرة فتوجهوا إلى الزوجة معملين معاولهم فيها على مرحلتين وأظهروها بمظهر الضعيفة التي ضيّع التشريع الإلهي حقوقها تعالى الله عما يقول الظالمون، فأمّا المرحلة الأولى: فهي قبل الزواج كونها امرأة، وأما المرحلة الثانية: فهي بعد الزواج كونها زوجه ذات وضع شرعي ومركز قانوني وتحت قوامة رب الأسرة و بالتالي في ولايته بداهتةً.
وعلى هذا الصعيد وهو موضوعنا وبما أنّهم وجدوا أنّ من الضوابط التي تضبط علاقة المرأة في حياتها الزوجية والأسرة بشكل عام وتحافظ على تماسك وقيام البناء الأسري وهي الولاية- كما أن للرجل أيضًا ضوابط تضبطه ليس هذا محلها-، فتوجهت سهامهم نحو الولاية فوجدوها تشريعًا واضحًا صلبًا عادلاً -كما هي كل شرائع الدين- له محدداته الواضحة العادلة فذهبوا ليصموا الولاية بعيوب ليست منها ولا فيها.
وللمعلومية فإن من أساليب الضعيف صاحب الباطل أنّه عندما يهاجم أمرًا لا يستطيع مهاجمته لوضوح الحق فيه، وذلك في عدوِّه فإنه يعتمد على عدة أُمور من أهمٌها هنا أمرين:
الأوّل: استخدام المعاني المجردة على إطلاقها ليختبئ بضعفه خلف تموّجها وعدم ثباتها كالحرية والإقصائية …الخ، والأمر الثاني أن يلفق ويلصق بهذا الأمر المراد مهاجمته عيوبًا ليست منه ليستطيع مهاجمته ومن أمثلة ذلك موضوع المقال وهو إلغاء أو إسقاط الولاية التى نسمعها هذه الأيام من تيارات عدة؛ والتي تتركز دعواهم في إلغائها أو إضعافها على نوعين:
النوع الأوّل: الدعوة المباشرة لإلغاء الولاية وتتمثل صراحة في التوجه الليبيرالي والسبب في صراحته هنا عدم ارتباطه بالدين وتنحيته له عن الحياة.
النوع الثاني: الدعوة غير المباشرة، وهي التي تأتي من التيارات والفرق والتوجهات الباطنية في حقيقتها وإن أخذت أشكال عدة، كأهل التصوف وما نبع عنهم من الحركات السياسية ككيان الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ.
فإن التيارات الباطنية عمومًا سواء المنتمية للإسلام ظلمًا وزوًا أو المنتمية لغيره تحاول بشتى الوسائل نقض التشريعات التي تعزز الرابط الأُسري أو إضعافه ولو بإحداث العزلة الشعورية كما تفعل التنظيمات الإخوانية مع مريديها، لأن هذه التيارات كلها تتبنى نظام الطاعة العمياء لإمام هذه الطريقة أو مرشد تلك الجماعة ……الخ.
وتحاول جعل نفسها وكيانها مقدم عند المريد على أسرته وذلك بعدة طرق كنفي الولاية عن الوالدين لأنّهما كفّار في نظر هذه الفرقة الباطنية صوفية كانت أو خارجية.
إنّ من المسلمات العقلية أنّك إذا أردت هدم بناء ما فإن إحدى أوضح وأهم طرق هدمه اختراق جداره و نسيجه المُحَدِد لهويته والقوامة و الولاية هنا هي المُحَدِد لهوية أيّ أُسرة عن الأُسرة الأُخرى كالوطن فإن البيعة لإمام المسلمين في نظام الإسلام هي المُحدِد للمواطنة وبالتالي لمدى الوطن الذي يتبع إمام المسلمين دون الوطن الآخر، على ذلك فإنّ إلغاء الولاية أو إضعافها ماهو إلّا محاولة لإختراق لنسيج الأسرة وهدم جدارها.
وذلك عن طريق إدخال قوى ليست من الأسرة وتكون متحكمة إما باسم مصلحة الدين كما تفعل الصوفية والحركات السياسية المتأسلمة أو باسم الحرية بغطاء القانون أو حقوق الإنسان كما يفعل الليبراليون.
فأي دمار وأي جريمة أخلاقية واجتماعية يقوم بها من يطلب إلغاء أو إضعاف المُحَدِدَ الأول للأُسرة السويّة سواء من يقوم بذلك مباشرة كالتيّار الليبرالي أو من يقوم به بطريق غير مباشر كالتيارات الصوفية والخارجية الباطنية ليس في حق أفراد الأسرة بل في حق المجتمع والوطن والأمة من التفكيك وذلك لإذهاب الهوية وأساس وجود المجتمع ألا وهي الأسرة ليكون بعد ذلك فريسة سهلة لكل أعدائه فلا تسأل عن انفلات الأبناء إذا انفلت من يد والي الأسرة الزمام .
إنّ من الأساليب القذرة التي اعتمدها التيار الليبرالي لمحاولة إلغاء أو إضعاف حالة الولاية الشرعية هي محاولة ضربها عن طريق التطبيقات الخاطئة والممارسات الشاذة لأشخاص لا يفقهون معنى الولاية أو إختل مركزهم الشرعي والقانوني حيال ولايته على أسرته ولو طبقنا هذا المبدأ في كل مجال لجعلنا الحاكم للحالة الشرعية هي أفعال الناس وليس التشريع ولأُلغيت كثير من الأوضاع والحالات الشرعية والقانونية أيضًا بسبب سوء وأخطاء التطبيقات الفردية؛ ولو فعلنا هذا الأمر لفسدت أمور كثيرة ولتضرر الناس وهذا لا يقبله عقل سويٌّ أبدا.
ومن الأساليب الخطيرة أيضا في إلغاء الولاية أو إضعافها و الخروج عنها بإسم مصلحة الدين ولو أدّى ذلك إلى تكفير الزوج مثلاً للخروج من ولايته كما فعلت كثير من الإرهابيات مع أزواجهن بدافع الهوى والإنتقال صراحة إلى ولاية هذه الجماعة أو تلك؛ ومن ذلك أيضا الطاعة العمياء التي عند الصوفية فإنّها تُنهِي ولاية الأب على أبنائه والزوج على زوجته أو تُضعفها في أحسن الأحوال.
فقد نقل الشعراني عن الدسوقي قوله (المريد مع شيخه على صورة الميت لا حركة ولا كلام ولا يقدر أن يتحدث بين يديه إلا بإذنه، ولا يعمل شيئاً إلا بإذنه من زواج أو سفر أو خروج أو دخول أو عزلة أو مخالطة أو اشتغال بعلم أو قرآن أو ذكر أو خدمة في الزاوية..... فعليك يا ولدي بطاعة والدك ـ يعني شيخ الطريقة ـ وقدمه على والد الجسم- أي الوالد الحقيقي - فان والد السر انفع من والد الظَهْر).
ويقول داود الكبير: "خدمة أستاذك مقدمة على خدمة أبيك لأن أباك كدّرك وأستاذك صفاك، وأباك سفلك وأستاذك علاك، وأباك مزجك بالماء والطين وأستاذك رقاك إلى أعلى عليين."، وهذه الصورة في عمومها تنطبق على كثير من مشايخ الصَحوة.
إنّ الولاية حالة ووضع شرعي قائم بذاته من أجل الأسرة لا من أجل رب الأسرة فلم يعطي الشرع للأب أو الزوج بادئ ذي بدء هذا الوضع الشرعي (الولاية) لأنّه يستحقه أو لأنّه حق من حقوقه بل لأنّه المكلف الأوّل به فطرة وشرعًا فهو تكليف ومسؤلية والدليل على أن الولاية ليست حق بالدرجة الأولى بل هي تكليف ومسؤلية أنّها لا تسقط بذاتها أبدًا في شريعة الله بل تنتقل من مُكلّف غير صالح للولاية لأي سبب إلى مُكلّف صالح لها فضلاً عن حصول الجنون العارض، وبسبب غياب هذا الأمر عن كثير من الناس خصوصًا المخدوعين بدعوى إلغاء الولاية أتى سوء الفهم والتلبيس عليهم فهم يعتبرون أنّ الشريعة جعلت الولاية حق أصيل و إنما هو تكليف و مسؤلية فإذا لم يكن على قدر المسؤلية انتقلت إلى مُكلّف آخر، قال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
فنظرية وحالة القيادة من أوسع النظريات والحالات في التشريع الإسلامي لذلك اتجه أصحاب التيارات الأخرى لهدمها مبتدئين برب الأسرة بإسقاط أو إضعاف ولايته على زوجته وأبنائه و انتهاءً بإسقاط أو إضعاف ولاية ولي أمر المسلمين عن رعيته ليتحول المجتمع إلى عِدة ولاءات وهذا هو فعل ومراد العقلية الحزبية في المجتمع سواء كانوا ليبراليين أو إخوان وكما هو فعل الصوفية أيضا في المجتمع بتقسيمه إلى ولاءات طرقية ذات طاعة عمياء فكلهم ينهلون من ماء الباطنية القذر، فهدفهم واحد وإن اختلفت جهات قدومهم.
لقد قدم التيار الليبرالي أشدّ وأوضح الأمثلة في هذا الزمان في تفتيت الأسرة وبالتالي المجتمعات والأوطان وتهيئتها بإمتياز للتخلف الإجتماعي لتكون عالة على غيرها وتعجز عن التنمية وعن النهضة من باب أولى وهذا يدل على أنّ التيار اللّيبرالي يحمل في أساسيات تكوينه الفشل في إدارة المجتمعات صَغُرت أم كبُرت على أساس من قِيَمِهِ العليا ولو حاول قيادتها فإنّه يكون في موضع الغبي العاجز.
وهذا من أكبر أسباب التخلّف والتي يحاول التيار الليبرالي إخفائها بإتهامه لغيره بها وهو أولى بها من غيره لأنّ من يحاول هدم المجتمعات أو على الأقل إضعافها، فهو أضعف وأقل من أن يقودها إلى النجاح والتنمية، بل إنّه أيدلوجيًا غير قادر على ذلك لعدم حضور أهمية المجتمع في عقيدته بل الحاضر في عقيدته وأيدلوجيته هو محاربتها وإضعاف روابطها.
وكذلك الحال نفسها في التيّارات الأُخرى، فإن أيّ تيّار أو كيان ليبرالي كان أو صوفي أو سياسي كتنظيم الإخوان يحاول إضعاف طبيعة المجتمعات الفطرية كالأسرة والوطن فإنه سيكون فاشل في إدارة المجتمعات والأوطان ولن يستطيع إنجاحها لإنها غير حاضرة في عقيدته وأيدلوجيته السياسية وهذا الأمر له شواهد كثيرة في التاريخ والحاضر.
نخلص فيما سبق إلى عدة نقاط من أهمها:
أولاً: أنّ البناء الاجتماعي كالبناء المادي لابد له من والي يلي أمره و قَيّمٌ يقوم عليه.
ثانياً: أن أصحاب المذهب الفردي الباطني أيّ الليبراليون دعاة الحرية يحاربون أو يضعفون أيّ مجتمع بشري كان.
ثالثاً: أنّ بقية المذاهب الباطنية سواء صوفية أو منظمات سياسية تحاول إضعاف علاقة الفرد بمجتمعه خصوصًا أسرته.
رابعاً: أنّ الولاية حالة شرعية قائمة بذاتها وهي تكليف وليست حق مكتسب لذلك تجدها تنتقل من رب الاسرة الى شخص آخر في حالة اختلال مركز رب الأسرة الشرعي.
خامساً: أنّ التطبيقات الشاذة للولاية ليست من الشرع في شيئ وليست مسوغ لإلغاء الولاية.
سادسًا: أنّ أيّ تيّار أو كيان يحاول إضعاف أو تغيير طبيعة المجتمعات الفطرية كالأسرة والوطن فإنه فاشل في إدارة المجتمعات والأوطان ولن يستطيع إدارتها وإنجاحها.
اقرأ المزيد
إن ما يشهد به ويشاهده شعب المملكة العربية السعودية والعالم أجمع من جهود صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد ﷺ وعلى آله وصحبه الأخيار الطيبين رضي الله عنهم أجمعين
الأمة الإسلامية شرفها الله بأعظم رسالة، ورسالتها قائمة على العبادة، وأشرف أماكن العبادة المساجد
رأينا في الأيام الماضية مروقًا خراجيًّا لعماد المبيض ودعواه "كذبًا" وهو جالس على "كنبة" سعيد الغامدي في لندن أن الدولة السعودية
يشد بنا الحديث عن أهم يوم من ايام التعليم عند جميع الطلاب والطالبات ..