الرد بالعدل على شطحات "الهلالي" في مسائل الربا!
بقلم – حسين مطاوع
كعادته كما عرفناه باحثًا عن شواذ المسائل لم يرد الدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن يترك لنا بابًا لإحسان الظن به، حيث خرج علينا الدكتور بشطحة جديدة تضاف إلى سلسلة شطحاته التي لا يريد أن ينهيها، حيث قال في لقاء تليفزيوني بقناة المحور وكان في ضيافة الإعلامي محمد الباز في برنامجه الذي يقدمه عبر هذه القناة، أن الربا المحرم في الإسلام فقط هو ربا الجاهلية (النسيئة) مستدلاً بحديثين أحدهما في البخاري والآخر في مسلم وكأنه أتى بما لم يأت به الأولين وطار بالحديثين قائلاً: (أنهما في البخاري الذي يقولون عنه أنه أصح كتاب بعد كتاب الله!).
فلا ندرى من يقصد الرجل بقوله (الذي يقولون عنه)، فمن هؤلاء غير أنهم أهل العلم وأئمته على مر العصور، كما لا ندرى هل يتبرأ الرجل منهم أم ماذا؟
ثم يقول بأنه قد طلب منه ألا يذكر الحديثين وأيضا لا ندرى من الذين طلبوا منه ذلك وهل فاتهم مثلا أن هناك حديثا فى البخارى وحديثا فى مسلم بهذا النص وأرادوا حذفهما أم ماذا؟!
الدكتور كعادته في التدليس لم يجمع بين الأدلة بل ذكر الحديث على ظاهره دون ذكر أقوال العلماء فيه، ودون ذكر الأحاديث الأخرى التي تفسره؛ بل لم يذكر الإجماع على تحريم الربا بأنواعه سواء كان ربا فضل أو نسيئة .
وللتوضيح أكثر فلابد أن يقف القاريء الكريم على معنى الربا وأنواعه وحكمه كما جاء في القرآن والسنة .
الربا في الشرع: وهذا ما يعنينا: (زيادة مشروطة على رأس المال) فكل زيادة مشروطة على رأس المال فهى ربا سواء كانت قرضًا أم وديعة أم غير ذلك وهذا باختصار شديد .
أما بالنسبة لأنواع الربا فإن الربا نوعان :
1. ربا الديون: ومعناه الزيادة في الدين مقابل الزيادة في الأجل (أي وقت السداد)، وهذا الذي كان شائعًا في الجاهلية، وهو ما عليه العمل اليوم في البنوك الربوية فيما يسمى بالفائدة.
2. ربا البيوع: وهو بيع الأموال الربوية بعضها ببعض، وهو نوعان أيضًا:
أ- ربا الفضل: ومثاله كمن باع عملة نقدية بنفس العملة بزيادة.
ب- ربا النسيئة: ومثاله كمن باع عملة نقدية بنفس العملة بدون زيادة؛ لكن تأخر القبض عن مجلس العقد.
وهذا النوع من الربا جاءت السنة الصحيحة بتحريمه ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما في البخارى :"لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء"، وفي لفظ: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز .
حكم الربا:
الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع بأنواعه وأشكاله نذكر منها مثلا من القرآن قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، واللفظ هنا عام فيشمل كل أنواع الربا ليس خاصا بنوع واحد كما ذكر الدكتور.
وقوله تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا
إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا
تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وقوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ
الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ
مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا
ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).
ومن السنة:
-
ما أخرجه أهل
السنن وغيرهم عن عمرو الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: (ألا وإن كل ربا في الجاهلة موضوع، لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون،
وأول ربًا موضوعٍ ربا العباس).
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)؛ رواه البخاري ومسلم .
- حديث عبدالله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (درهم من ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية)؛ رواه أحمد.
فتأمل كيف وصف النبى صلى الله عليه وسلم أن آكل درهم ربا واحد أشد عن الله من ست وثلاثين زنية فما بالك بمن يعيش على الربا ؟!! نسأل الله العافية .
ثم نختم بالرد على ما استدل به الدكتور من حديث بن عباس رضى الله عنه كما في البخاري والذي طار به الدكتور وقال أليس هذا هو البخاري أصح الكتب عندهم بعد القرآن الكريم؟
هذا الحديث والذى يقول فيه النبى صلى الله عليه وسلم: (لا ربا إلا في النسيئة) وفي لفظ آخر: (إنما الربا في النسيئة) استدل به الفخر الرازي لعدم تحريم ربا الفضل، وهو ما قال به الدكتور سعد الدين الهلالى وهذا القول قد رده جمهور العلماء وفصلوا في أدلة ردهم إلا أننا نذكر هنا فقط دليل واحد يكفي وهو تراجع بن عباس رضى الله عنه عن هذا القول، وهو ما نقل عنه وذكره جابر بن زيد رضي الله تعالى عنه حيث قال: "ما خرج ابن عباس رضي الله تعالى عنه من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف، والمتعة".
وأيضًا ما قاله محمد بن سيرين: "كنا في بيت ومعنا عكرمة فقال رجل: يا عكرمة تذكر ونحن في بيت فلان، ومعنا ابن عباس، فقال: إنما كنت استحللت الصرف برأيي، ثم بلغني أنه - صلى الله عليه وسلم - حرمه فاشهدوا أني حرمته وبرئتُ منه إلى الله.
والحاصل: فمما سبق فإن الصحيح أن ابن عباس رضي الله عنه تراجع عن قوله بأن الربا خاص بربا النسيئة فقط، وعلى هذا فإن الذين أخذوا برأي ابن عباس رضي الله عنه نقول لهم: إن ابن عباس تراجع عن قوله فلا دليل لكم فيما قال قبل أن يتراجع رضي الله عنه .
والخلاصة من هذا كله:
أن كل محاولة يراد بها إباحة ما حرم الله أو تبرير ارتكابه بأي نوع من أنواع التبرير بدافع المجاراة للأوضاع الحديثة أو تقليدًا للغرب ومن ثم الانخلاع عن الشخصية الإسلامية إنما هي جرأة على الله وقول عليه بلا علم، وضعف في الدين وتزلزل في اليقين، وبمثل هذا يتحلل المسلمون من أحكام دينهم حكمًا بعد حكم حتى لا يبقى لديهم ما يحفظ شخصيتهم الإسلامية، نعوذ بالله من الخذلان ونسأله العصمة من الفتن .
اقرأ المزيد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فهذه أجوبة على أسئلة تتعلق بما أفتينا به من جواز الصلح مع اليهود وغيرهم من الكفرة صلحا مؤقتا أو مطلقا
عندما ننظر إلى جهود الفِرق الباطنية غربية كانت أم شرقية نجد أنّها تتجه إلى ضرب المُكَوِّنات المجتمعية
رصد الشيخ الدكتور علي بن يحيى الحدادي، مخاطر العلمانية على الإسلام والمسلمين، مستعرضًا أهم السبل التي يمكن اتخاذها لمواجهتها ومنع انتشارها
من فطرة الله أنّ المجتمع البشري يتكون من عدة أجزاء وأعضاء وذلك لتحقيق سنة التكامل
نجد لكل دعوة منحرفة على وجه الأرض عناصر وعوامل نشطة متغيرة تؤثر على سير هذه الدعوة أو تلك وتحرف وتُحرّف مقصدها وعنوانها الكبير والذي في الغالب يكون ظاهره الحق.
رد مركز تفسير الإسلام على التصريحات المغلوطة التي أدلى بها "علي الهويريني" خلال برنامج الليوان حول تفسير حقيقة العبادة.