عجائب أهل الحديث الأخيار في تثبيت الأخبار


بقلم – حسين مطاوع

 

قبل عدة أيام كنت أقرأ في موضوع حول منهج أهل الحديث في تثبيت الأخبار ونقل الروايات لأرى كيف لأهل الزيغ من العلمانيين والإلحاديين ومن شابههم الطعن في عدالة هؤلاء وفي ما نقلوه لنا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما وقد تكاثرت هجماتهم هذه الفترة، فهالني حقيقة ما قابلته من جهد عظيم لهؤلاء الأئمة العظام وكيف أنهم نذروا حياتهم وراحتهم لنقل سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلينا كما هي دون تحريف .

 

فحينما تعلم أن هؤلاء الأئمة كانوا حريصين كل الحرص على نقل كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما هو ووضعوا لذلك القواعد والضوابط لضمان عدم التحريف فلا بد وأن تسجد لله شكرا أن رزقنا بمثل هؤلاء ليكونوا سببا في عدم تحريف دينه وتبديله كما حرف السابقون وبدلوا .

 

قصة لطيفة عجيبة قابلتني كإثبات على ما أقول وهي للنسائي الإمام صاحب السنن وكان له شيخ اسمه الحارث بن مسكين، وقد كان الحارث بن مسكين على خلاف مع سلطان مصر وقتها فذهب النسائي كعادته لحضور درس شيخه ولكن بلباس رثة مهلهلة ، فشك فيه الشيخ أن يكون عينا للسلطان عليه فمنعه من حضور مجلسه، فوقف النسائي خارج الباب ليستمع للدرس ثم إذا ما انتهى الدرس وأراد النسائي أن يحدث وقد كان في السابق يقول عند التحديث : أخبرنا الحارث بن مسكين ( لأنه من جملة من يخبرهم)، لكنه في المرة التي منع فيها من الدرس حينما أراد التحديث فإذا به يقول : قال الحارث بن مسكين ولم يقل أخبرنا على الرغم من أن الأمر فيه جواز عند أكثر المحدثين لكنه اعتبر أن هذا من الكذب وحدث كما سمع بالضبط.

 

فيا لله كم كان هؤلاء أمناء على دين الله!!

كم ضحوا بكل غال ونفيس للحفاظ على هذا الدين !

 

حينما تعلم أن هناك من المستشرقين من غير المسلمين من أنصفوا هذا المنهج الذي صار عليه المحدثين في تثبيت الأخبار فإنه لا ينقضي عجبك لذلك حتى أن المستشرق البريطاني؛ ديفيد صامويل ميرجيليوس (وهو يهودي)، يقول: (ليفخر المسلمون بعلم حديثهم).

 

ويقول نيكر: (وهو مستشرق ألماني): (إن الدنيا لم ترى ولن ترى أمة مثل المسلمين، درسوا بسبب علم الرجال الذي أوجدوه حياة نصف مليون رجل !).

 

بل هناك باحث لبناني ( مسيحي) اسمه / أسد جبرائيل رستم وضع كتابًا في أصول ضبط الرواية التاريخية اعتمد فيه على منهج أهل الحديث في نقل الأخبار وكان مما قاله في كتابه : (ومما يذكر مع فريد الإعجاب المنهج الذي اهتدى إليه علماء الحديث قبل مئات السنين في تثبيت الأخبارثم تابع كلامه بأن نقل بعضًا مما قالوه بحذافيره !!.

هؤلاء هم أئمتنا وسلفنا الذين نفخر بالانتماء إليهم والانتساب لهم ، بل انظر للعجب العجاب والقصة التي حدثت للإمام البخاري (نعمة الله ومنته على هذه الأمة) حينما ذهب إلى بغداد فأراد علماء بغداد اختبار قوة حفظه فأتوا بعشرة أشخاص أعطوا كل منهم عشرة أحاديث مقلوبة السند ليصبح العدد مائة حديث ثم مع امتلاء المسجد بالمصلين عرض كل منهم ما معه على البخاري رحمه الله ومع كل حديث يقرأ عليه كان يقول : لا أعرفه، حتى انتهاء المائة حديث وقال فيها كلها: لا أعرفه ثم قال للشخص الأول :

أما الحديث الأول فقد قلت سنده كذا وهذا خطأ والصواب كذا، والحديث الثاني قلت كذا وصوابه كذا حتى انتهى من العشرة أحاديث، وهكذا فعل مع العشرة أشخاص حتى قام بتصحيح سند المائة حديث فأدهش الناس.

 

الحافظ بن حجر رحمه الله ( شارح البخاري) قال تعليقًا على هذه الواقعة: هنا يخضع للبخاري !!

 

ثم ذكر ذلك الحافظ العراقي رحمه الله في ألفيته قائلاً :

ومنه قلب سند بمتن    نحو امتحانهم إمام الفن

بمائة لما أتى بغداد       فردها وجود الإسناد

 

هؤلاء العظماء هم من حفظ الله بهم دينه، ثم نجد اليوم من كل متردية ونطيحة ومن تسول له نفسه الأمارة بالسوء أن يهرف بما لا يعرف ويتطاول عليهم ويقول: أشك فيهم وفي صحة ما نقلوه، ونحن بدورنا نقول له :اخسأ خبت وخسرت فلن تعدو قدرك يا سفيه فوالله لو ظللنا ما بقى من أعمارنا ندعوا لهم ما وفيناهم حقهم .

فاللهم ارحم من كان سببا في الحفاظ على دينك واجمعنا بهم مع نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى .

اقرأ المزيد

الإرهاب وطرق المواجهة

تسعى كل دول العالم إلى الحفاظ على أمنها الوطني والإقليمي والدولي، وقد أصبح العالم، لا سيما في وقتنا الحاضر

التعامل مع الطلاب في أول يوم دراسي .. كيف يكون؟

يشد بنا الحديث عن أهم يوم من ايام التعليم عند جميع الطلاب والطالبات ..

كورونا بين الابتلاء والعقوبة مع الصبر واتخاذ أسباب العافية

الحمد للهِ العظيمِ القادر، الفعَّالِ لِمَا يُريد، الذي خلَق فقدَّر، ودبَّرَ فيسَّر، فكُلُّ عبدٍ إلى ما قَدَّرَه عليه وقضَاه صائر، لا يُسألُ عمَّا يَفعل وهُم يُسئَلون، وأشهد أنْ لا إله إلا الل

كلمة الملك "سلمان" بين "الرحمة" و"الشفافية"

الكلمة التي ألقاها سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك الصالح والإمام العادل سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله

الاعتصام بالله وبذل الأسباب.. أسس شرعية وأصول مرعية لمواجهة "كورونا"

يتردَّد كثيرًا في مجالس النّاس هذه الأيام حديثٌ عن مرض يتخوَّفون منه ويخشون من انتشاره والإصابة به ، بين حديث رجلٍ مُتَنَدِّرٍ مازح، أو رجلٍ مبيِّنٍ ناصح،

حفيد المجدد

الحمدلله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...

تعليقات


آخر الأخبار