مجالات استخدام الجماعات المُتطرفة للقوة الناعمة.. "الإخوان" أنموذجًا



إعداد - راشد بن عبدالله بن رشود

الباحث في الدراسات الإسلامية المعاصرة

 

تكلمت في مقالٍ سابق عن أساليب هذه الجماعات المُتطرفة في استخدام القوة الناعمة، وأنهم لديهم القدرة في استخدام كثير من الأساليب، كالتركيب الاجتماعي، والقدرة السياسية، والقدرة المعنوية، والقدرة المعنوية والتقنية، والقدرة الاقتصادية وغيرها.

- وأتكلم اليوم عن مجالات هذه الجماعات المُتطرفة في استخدام القوة الناعمة، وأقول: بأن هذه الجماعات (وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين) تستخدم قوتها الناعمة في عدة مجالات؛ بهدف ترسيخ وجودها وإكسابه الشرعية اللازمة لاستمرارها وانتشارها بين طبقات واسعة من أفراد المجتمعات والشعوب.

- ومن أهم مجالات استخدام الجماعات المُتطرفة للقوة الناعمة:

1. المجالات السياسية: لم تعد استراتيجية ونظرة الجماعات المتطرفة المعاصرة (وبالأخص جماعة الإخوان) مجرد عمليات للإثارة الإعلامية ونشر الخوف وإشاعة الرعب بين الناس، بل أصبح الهدف هو إحداث التدمير وإيقاع الخسائر الكبيرة، وارتكاب المجازر البشعة، والدعوة لما يُسمى بالربيع العربي، بل وتسهيله للشعوب، وعمل جميع الأمور التي تؤدي لقيام ذلك الخريف؛ مما يؤدي لإسقاط الحكومات الشرعية، وتكون النتيجة من ذلك هو صعودهم للرئاسة، والوصول لأهدافهم السيئة والخبيثة، أو إيجاد المسوغ للتدخل في شؤون هذه الحكومات كلما لزم الأمر.

2. المجالات الاقتصادية: يُعد العامل الاقتصادي هو القاسم المشترك بين جميع أنواع الجرائم ، والجماعات المتطرفة المعاصرة تقوم بتوظيف قوتها الناعمة في المجالات الاقتصادية من خلال الآتي:

• استغلال الأحوال المعيشية في تجنيد الأتباع لارتكاب اعمال إرهابية، وذلك تحت ستار الدين، وتأويلات دينية غير صحيحة ومشروعة.

• استغلال وقت الفراغ الذي تُتيحه البطالة في استقطاب الأفراد من قِبل الجماعات الإرهابية، وتلقينهم الفكر الإرهابي المُتطرف، أو من خلال تهيئتهم للمشاركة في الاضطرابات والمظاهرات والقلاقل السياسية؛ للتنفيس عن مشاعر الغضب المكبوتة لديهم.

• الإغراءات المالية لاستمالة الأفراد من قِبل الجماعات الإرهابية، وتضليلهم باسم الدين، وإقناعهم بالتعاون مع الإرهابين لتغيير الواقع بالقوة.

• مباشرة النشاطات الاقتصادية اللازمة لتمويل أنشطة التنظيم حتى مع الأطراف المُخالفة ؛ لتمشيهم مع القاعدة المعمولة عندهم وهي أن (الغاية تُبرر الوسيلة).

3. المجالات الاجتماعية: توظف الجماعات الإرهابية المتطرفة قوتها الناعمة في المجالات الاجتماعية من خلال مخاطبة شرائح المجتمع المختلفة ؛ لمحاولة إقناعهم بالفكر المُتطرف لقبوله، وعدم المبالاة بارتكاب العمليات الإرهابية الإجرامية التي ترتكبها تلك الجماعات؛ وذلك لترسيخ قناعات بأنها عمليات انتقامية تسعى لنشر الإسلام وإعادة إحياء الخلافة الإسلامية المزعومة، ويتم توظيف هذه الجماعات قوتها الناعمة في المجالات الاجتماعية من خلال الآتي:

• مخاطبة شرائح المجتمع كافة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لسرعة نقل هذا الفكر ووصوله للجماهير المُستهدفة في أسرع وقت وبأقل تكلفة وجهد، لاستقطاب المُهمشين والبسطاء للانضمام لهذه الجماعات المتطرفة.

• اتباع العادات والتقاليد الإسلامية في المأكل والمشرب واللباس؛ وذلك للتأثير في المؤيدين والأتباع ، وإقناعهم بأنهم يسعون لنشر الإسلام وإحياء الخلافة الإسلامية، والتشبه بالمسلمين الأوائل بالفكر والمظهر على حد قولهم.

 4. المجالات الثقافية: يرتكز التطرف الفكري المعاصر على ثقافة التناقض والصراح مع الدول المسلمة وغير المسلمة، إمّا لنشر الإسلام على حد قولهم، أو لأنها مارقة من الدين، لذلك كان من شعارات داعش ولافتاتهم هي: (لن نهزم اليهود إلا بتطهير الأرض من حكام العرب)، والجماعات المتطرفة تقوم بتوظيف قوتها الناعمة في المجالات الثقافية من خلال الآتي:

• إساءة الظن وبث الشائعات، وضمان بقاء السيطرة على الأتباع وتقيدهم بالطاعة العمياء، وتنفيذ الأوامر والتعليمات دون مناقشة، لذلك تجد جماعة الإخوان الإرهابية منذ تأسيسها وهي تعتمد على بث الفوضى والشائعات كسلاح ذو حدين لنشر أفكارها المغلوطة لخِداع الرأي العام، وبهدف إضعاف ثقة المواطنين بقيادة البلاد، والتقليل من شعبية النظام الحاكم لضرب كافة المشاريع التنموية ووقف عملية التطور، وإدخال البلاد في نفق الفوضى والدمار.

• الخطاب الدعوي المُتشدد؛ لأنه هو الوسيلة الثقافية المُفضلة لنشر مظاهر الغلو والتطرف التي تقود إلى ارتكاب الجرائم الإرهابية من خلال ترسيخ قناعات بصحة ما يرتكبه الإرهابي ومن ثمّ صعوبة إقناعه أو توعيته أمنيًا.

• تقديس الثقافة الإسلامية، ونبذ كل جديد واعتباره بدعة، والدعوة للعزلة.

5. المجالات الدينية: تستخدم الجماعات المتطرفة الدين (وبالأخص جماعة الإخوان) كوسيلة لتحقيق أهدافها والحكم بالكفر على من يخالفها، وبصلاح واستقامة من والاها ، كما قال يوسف القرضاوي في كتابه - أولويات الحركة - قوله: (في هذه المرحلة ظهرت كتب سيد قطب، والتي تُمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره، والتي تنضج بتكفير المجتمع)، وتوظف الجماعات المتطرفة قوتها الناعمة في المجالات الدينية من خلال الآتي:

• استغلال التأويل الخاطئ لبعض آيات القرآن، والوظيفة الأساسية لهذا التأويل هي: إضفاء الشرعية الإسلامية على أساليب العنف التي تتبعها الجماعات المتطرفة التي تتبنى اتجاهاً عدائياً اتجاه غير المسلمين، بل واتجاه المسلمين أنفسهم لو كانوا حكاماً، باعتبارهم من - الطواغيت - الذين يحق شرعاً الخروج عليهم وقتالهم، أو من عوام المسلمين الذين لا يؤمنون بأفكارهم المتطرفة، وقد استندت جماعة - الإخوان المسلمين - إلى تقليد التأويل الإرهابي للنصوص الإسلامية، والتي من ضمنها ما ذكره القيادي الإخوان - وجدي غنيم - عندما اختلق سندًا ومرجعًا من القرآن لعلامة - رابعة العدوية - التي رفعها الرئيس التركي أردوغان، وردّ - غنيم - علامة الأصابع الأربع، التي اتخذها الإخوان شعارًا لهم، إلى الآية، (الَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ )؛ وقال - غنيم - في مقطع منشور له: «الذين هاجروا، إحنا هاجرنا ، كُتبت لنا هجرة، وأخرجوا من ديارهم، إحنا سايبين بيوتنا وعربياتنا، وأوذوا في سبيلي، أذينا الحمد لله، واتسجنا وجينا هنا»، واستطرد حتى قال: (كدة 3 وشعار الرابعة هي - قاتلوا وقتلوا -، معناها إنت داخل تقاتل ... إلخ )، وغيرها من التأويلات الخاطئة والباطلة.

• التمسك بالاختلاف الفقهي الذي يُعطي مسوغاً لبعض الآراء الواهية.

• الخلط بين مفهوم الإرهاب والجهاد في سبيل الله، وتشويه صورة الإسلام.

• غرس قناعات بالهدف الديني البحت للتنظيم، باعتباره وسيلة لدخول الجنة، وتشويه صورة الإسلام القائمة على العدل والسماحة والوسطية والاعتدال.

 

- بذلك يتضح استخدام هذه الجماعات المتطرفة للقوة الناعمة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية؛ بهدف جذب مزيد من الأتباع والمؤيدين؛ لتبرير أعمالها الإرهابية – .

 

وسنتكلم بإذن الله في مقالٍ قادم عن - المخاطر المترتبة على استخدام هذه الجماعات المتطرفة للقوة الناعمة -، ودُمتم بود، وعلى المحبة نلتقي.

اقرأ المزيد

الشيخ "الشهري" يوضح استراتيجيات الجماعات الضالة في التغرير بالشباب

استعرض الشيخ محمد بن حسن الشهري، مدير إدارة الدعوة بفرع الوزارة بمنطقة عسير، استراتيجيات الجماعات الضالة في التغرير بالشباب

الدكتور عبدالسلام السحيمي يوضح أسباب الانحراف في الفكر وسبل الوقاية

استعرض الدكتور عبدالسلام بن سالم السحيمي، رئيس الهيئة الاستشارية بالجامعة الإسلامية، أسباب الانحراف في الفكر وسبل الوقاية من ذلك

جماعة المستتركين الجدد

منذ ستة قرون تقريبًا كان يوجد جماعة المستتركين، والتي مهدت الطريق للأتراك لكي يجتاحوا العالم الإسلامي بحجة تطبيق الشريعة

قطر والهاربون من حضارتهم

إنّ احتضان قطر لمجموعة الإتجاه الإخواني وخصوصًا الاتجاه القطبي السروري الثوري يدل على أنّها تعيش في حالة ضياع وطني ودولي ناتج عن ضياع الهوية

باحث في شؤون الجماعات: الاختراق من أهم استيراتيجيات الإخونج

كشف الشيخ نايف العساكر، الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، عن أخطر أساليب تنظيم الإخوان الإرهابي في تمرير مخططاتهم

فضل قتال الخوارج

من شر المذاهب وأخبثها مذهب الخوارج، وهم الذين يكفرون المسلمين بالكبائر، ويستحلون دماءهم، والذين ينكرون على ولاة الأمر بالسلاح

تعليقات


آخر الأخبار