العنصر النشط.. دراسة مختصرة في السلوك البدعي


كتبه - عبدالله بن محمد بن عبدالله الشبانات

 

نجد لكل دعوة منحرفة على وجه الأرض عناصر وعوامل نشطة متغيرة تؤثر على سير هذه الدعوة أو تلك وتحرف وتُحرّف مقصدها وعنوانها الكبير والذي في الغالب يكون ظاهره الحق.

 

وبما أنّ كل مذهب لا ينتشر ولا يقوم إلا بالأمر به والنهي عن خلافه وهذه سنة وطريقة وبما أنّها كذلك فلابد فيها من هدى وضلال.

 

ومن هنا نعرف أن الأمر بالمعروف معروف والنهي عن المنكر يقع على أوجه أربعة واحد منها على السنة وثلاثة منها بدعية منحرفة وهذا ما قرره علماء أهل السنة وهي المرادة هنا وهي:

أولاً: إيقاع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو ما يظن أنّهما كذلك عند أهل البدع والانحراف الفكري على وجه الذوق وأكثر من يقع فيه المتصوفة و الجهلة من عامة الناس:

 والوجه الثاني هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرأي ويسمونه عقلا وليس بعقل إنّما هو الرأي وليس كل رأي يوافق العقل.

 

والوجه الثالث الإنكار بالسياسية بمعنى سياسة الأمور أي تقديم ما يرى أنّه ينفع وجعله محورًا وأصلا من الأصول وأنّ لم يكن كذلك قبل هذه المرحلة التي هم بصددها، وذلك لمصلحة التحزب والتكتل و تأخير ما يضر التكتل حتى لو كان من الأصول، وهو مانسميه في عصرنا بالمنهج الحركي وعُرف الخوارج بهذه الطريقة وهو أشد الاوجه البدعية الثلاث تقلبا وتغيرا وبشكل نشط وإن كان الوجهين البدعيين السابقين لا يخلوان من تقلب وتغير وهذا راجع إلى ما قرره علماء أهل السنة بأنّ كل أهل البدع خوارج فالذوق يتقلب ويتغير والرأي كذلك ولكن الأشد تقلبا هو ما يتعلق بسياسة الأمور أي بالظروف الخارجية وتقلّب الأحوال أو كما يعبّر عنها بالمرحلية، وهو الانكار  أو تناول الدين بسياسة الأمور أو ما يسمى حاليًا بالمنهج الحركي وذلك بتعبيرنا العصري، وهو أكثر الطرق التي تتواجد فيها مسألة العنصر أو العامل النشط المتغير.

 

ولفهم العنصر النشط أو المتغيّر في الدعوات المنحرفة يجب أن نعلم أنّ كل مرحلة وزمن هناك إمكانية لتبدُّل وتغير العنصر النشط من موضوع إلى آخر وذلك بتغير معطيات المُواجهة لديهم أو مايُسمى بالمرحلية أو فقه المرحلة أو فقه الأولويات زعموا.

 

والسبب في كثرة تغير العامل النشط لدى الخوارج أو أصحاب المذهب الفردي اليساري الليبرالي عموما هو أنّ العامل أو العنصر النشط يستخدم دائما في الصراع الثقافي وخصوصا في الهجوم وإخفاء حقيقة بعض المحاور لديهم لعدم مناسبة استخدامها في هذه المرحلة أو تلك  وليس لأنّها عنصر أساسي في دعوتهم ولو أدى الأمر إلى تغييرها وتحريفها كما قال علي في حق الخوارج عندما قالوا لاحكم الا لله فقال كلمة حق اريد بها باطل بينما كانت دعواهم زمن عثمان في المال، لأن من عيوب المنهج الحركي أو الإنكار وتناول الدين بسياسة الأمور أنّه لامحور أساسي عنده إلا مصلحة التكتل والتحزب فقط ولو سألنا سائل وماهي مصلحة هذا التكتل فنقول مصلحته هو سيره على وتيرة معينة في الصراع و مواجهة الحق وأهله ليس إلّا.

 

لذلك تجد الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه مطالبهم تتغير كل فترة في سيرهم في الصراع مع علي رضي الله عنه وذلك حفاظا على مستوى الصراع عند نقطة توتر معينة هي في نظرهم لمصلحة التكتل أو الحزب ويجعلون هذه المطالب عناصر أساسية بعد أن كانت غير مذكورة أو كانت في أحسن أحوالها عناصر مساعدة أو ثانوية، وهذا أيضا ما يحدث بالضبط في الثورات مما يدل على انها نتاج خوارج يساريون ضال بحت و ما الثورات العربية عنّا ببعيد.

 

وعندما نأتي إلى تنظيم الإخوان والذي يمثل قرن الخوارج في هذا الزمن تجده يتبنى مسألة تناول الدين بسياسة الأمور أو المنهج الحركي وهم يعلنون اعتماد هذه الطريقة صراحة فتجد التنظيم مرة ينادي بالإسلام وتطبيق الشريعة و أنّها أوّل مطالبه  ومحوره الأساس و مرة ينادي بالحرية وذلك بعد وصولهم للسلطة فيقول كبيرهم القرضاوي أنا أقدم الحرية على الشريعة فصارت الحرية هنا هي محوره الأساس.

 

ومرة ينادي بقتال الطغاة وتارة ينادي بالدولة المدنية وهكذا على أساس أن كل عنصر مما سبق يُطرح في وقت المرحلة التي يرون أنّها مناسبة على أنّه العنصر الأساس لدعوته ومنطلقها لكننا نجده يغيره في مرحلة وظروف أُخرى بل يدعو إلى خلاف ونقيض ما كان يدعو إليه سابقاً كما هو الحال عند الإخوانيين وخصوصا السروريين الصحويين.

 

كذلك نجد مرشد الإخوان الآن محمد منير يَمثُل أمام لجنة البرلمان البريطاني ويناقض ما دعى إليه كثير من قيادات الاخوان بل ما كان يدعوا إليه من قبل فدعى في البرلمان البريطاني إلى المثلية الجنسية و إلى جواز الردة عن الإسلام ….إلخ.

 

إن هذا التغيّر المباشر في المحور والمناقض لماسبقه من محاور لهو دليل حي على وجود مسأله العامل أو العنصر النشط المتغير في الدعوات المنحرفة وتحكم هذا العامل النشط بالعوامل أو العناوين الأساسية وتحريفه لها هذا إن وجد عامل أساس في دعوتهم وإلا فالتكتل والتحزب عند أهل البدع هو الذي يحل محل العامل الاساس، فمحمد منير هنا يتجه الى مصلحة التكتل الإخواني لا إلى أُسس الإسلام ولا حتى الإطار العام الذي يدعيه الإخوانيين من إقامة دولة مسلمة كلا بل المراد إقامة دولة إخوانية هي في حقيقتها دولة باطنية. 

وقد اشار النبي ﷺ إلى العامل النشط وخصوصا عند الخوارج وكثرة وسرعة تغيره في حديث رواه عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما مما يدل على كثرة خروج قرونهم وتتابعها قال ﷺ في حق الخوارج (كلما ظهر قرن قطع كلما خرج قرن قطع يقول ابن عمر فاحصيت نيفا وعشرين مرة يقول النبي ﷺ كلما خرج قرن قطع حتى يلحق آخرهم بالدجال وفي رواية حتى يخرج في عراضهم الدجال ) فما مامعنى ذلك! معنى ذلك كثرة ورود العوامل النشطة على دعوتهم وتحكّمها بحالهم

 

وأنّ محورهم والمغذي لهم ليس الدين أو المبدأ بل المغذي لهم هو التحزب والتكتل أي الوجود أو التكتل البشري لذلك أخبرنا النبي ﷺ أنً الحل معهم هو القضاء على التحزب وعلى وجودهم وتكتلهم البشري لا الفكري فقط بمعنى قتلهم قال ﷺ (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ).

 

إنّ خروج الدجال في عراضهم وهو مجمع الفتن والشر لدليل على أنّ الخوارج باعتمادهم مبدأ العنصر النشط يشكلون بيئة خصبة مُستقبلة لكل كيان موازي ولكل غريب عن الأمة و عقيدتها ولكل منحرف.

 

ففي كل زمن لهم دعوى وعنصر نشط غير الزمن الذي سبقه، مع احتمالية تكرر العنصر في بعض الأحوال لكن لايمكن أن يثبتوا على عنصر أو عامل أساس البته وكما أسلفت لكم ففي زمن عثمان دعواهم المال وجعلوا ذلك عنصرهم النشط وكفّروا عثمان رضي الله عنه وقتلوه من أجله، أمّا في زمن علي فدعواهم وعنصرهم النشط تغيّر إلى المطالبة بالحكم بما أنزل الله، وهي كلمة حق اريد بها باطل كما قال علي رضي الله عنه وكفروه و قتلوه رضي الله عنه من أجل ذلك.

 

وعودًا على الحديث آنف الذكر قول النبي ﷺ حتى يلحق آخرهم بالدجال أو حتى يخرج في عراضهم الدجال اي أنّ الخوارج وهنا وفي هذا الموضع بالذات تتجلى مدى فاعلية العنصر النشط المتغير عندهم حيث شكل وجوده وحضوره لدى الخوارج عامل جذب لدعوة الدجال إليهم بل إنّ دعوة الدجال تخرج من بينهم وذلك لغياب العامل الثابت أو العنصر الأساس وحضور العنصر والعامل النشط وتحكمه وهذا يذكرنا بقول احد السلف يبيّن فيه أنّ أهل الأهواء هم أهل العنصر المتغير فقد قال (و إيّاك والتلون في الدين فإنّ دين الله واحد) فلم يتلون المبتدع الا لفاعلية وجود العنصر النشط والتي تجعل خاصية عدم الثبات هي المسيطرة على هذه الفرقة أو تلك لأن كل أهل البدع خوارج.

 

 

 

كذلك لا ننسى جماعة التبليغ و اشتمال دعوتهم على مبدأ العنصر النشط ويتمثل في التكتل والحشد الدعوي زعموا وهو انما هو حشد بشري فقط دون النظر إلى صحة العقائد و سلامة التوحيد والذي يُشكل عند أهل السنة العامل الرئيس وجعلوا من الدعوة الى الله عنواناً برّاقاً تلعب به العناصر النشطة و التي توالت على هذه الجماعة البدعية ولا أدلّ من ذلك عندما ننظر في مراجعهم وكتبهم وكيف تتغير حسب الزمان وحسب البيئة من تبليغي نصاب الى كتاب فضائل الأعمال الى كتاب حياة الصحابة وغيرها من الكتب إلى تبنيهم العقيدة الجبرية في القدر وخصوصا الخليجيين منهم زعمًا منهم أن تقرير هذه العقيدة يحث الناس على المُضيّ إلى الله بالإضافة الى تزهيد الناس في خطب الجمعة وانه لا فائدة من ورائها وهذا مظهر جلي من مظاهر الخوارج بالإضافة الى حمايتهم لتكتلهم بممارسة الدعوة والعمل الجماعي تحت مضلة ليست هي مِضلّة ولي الأمر مما يؤكد على أن أهل البدع كلهم خوارج.

 

إذًا وبشكل عام فإن كل مذهب بدعيّ يحوي عنصر نشط لكن المهم هنا أن نُفرّق بين العنصر النشط والعنصر الأساس إن وجد عندهم لإنه إن وُجد فهو مُجرّد عنوان شكلي، لأنّ العنصر الأساسي يحتم ثبات الدعوة على محور معين وكل العناصر التي تخالف الحق لا تتصف بالثبات المطلق الذي يتصف به العنصر الأساسي والذي هو عند أهل الحق وهم أهل السنة والجماعة وهو التوحيد وما يتبعه من أصول.

 

ولنعلم أن العنصر النشط إذا كثر حضوره أضعف العنصر الأساس وحرّفه وجعله مُجرّد عنوان شكلي.

 

 

 

إنّ العنصر الأساسي من صفاته أنّه ثابت ثباتا مطلقا  ولايصدق هذا إلّا في التوحيد وما يتبعه من باقي أصول السنة ولا يتأتى هذا إلّا عند أهل السنة والجماعة أي السلفيون  إذاً حضور العنصر الاساس عند أهل البدع غير موجود وليس له حضور إلّا حضور شكلي لأنه إذا حضر بحقيقته فإنه ينسف أي عنصر نشط ويبطله وينقضه لأنّ العنصر النشط يدعو الى تطبيق الأصول اي العوامل الاساسية على غير وجهها الشرعي والعقلي بل حسب مصلحة التكتل فلايبقي منه إلّا العنوان الرنّان.

 

إنّ حالة اعتماد العامل الأساس الثابت وهو التوحيد لا تتحقق عند أهل البدع لأنّهم لا يجعلون التوحيد وباقي أصول الدين محورهم حتى و إن وجدت شكلياً في دعوتهم لتغليبهم للعنصر النشط وجعله هو الحاكم وهو المعيار لتحديد وجهتهم و ما يرون أنّه حق وفاعل في المسألة.

 

وأكثر المذاهب البدعية التي تحوي مبدأ العنصر النشط هي من تشربت مذهب الخوارج أكثر من غيرها، وبما أنّ أهل البدع كلهم خوارج لكن بدرجات متفاوتة؛ فكل مذهب منحرف له نصيب من وجود مبدأ العنصر النشط لديه بقدر ما عنده من النزعة الخارجية وهذه من أهم نقاط ضعف أي مذهب فكري منحرف.

 

عليه فكل من يجاهد هؤلاء المنحرفين فيجب أن يعيى هذا الأمر جيدا.

 

فإذا أردت أن تضرب مذهبًا منحرفًا فاضرب عنصره النشط ليتحقق الدمغ ولتشل حركته دون إغفال ضربه في تحريف العنصر الاساسي والذي اتخذه مجرد عنوان بسبب وجود العنصر النشط، فإذا تحقق ذلك  تحقق بعد ذلك الإزهاق قال تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون) لأنّه لن يُشَلّ ويُدمغ المذهب المنحرف الا بضرب العنصر النشط لديه لانه هو العنصر الحركي الذي يُحرّك و ينهض بالحركة الفكرية المنحرفة لديه ويحرف العناوين العريضة لديهم والتي هي مجرد شكل لا أقلّ ولا أكثر.

 

وللمعلومية فإنّ من أسباب كثرة تعدد وتنقل العنصر النشط عند أهل البدع والأفكار المنحرفة في دعوتهم ومذهبهم هو أنّ أهل السنة تصدوا لعناصر أهل البدع النشطة والمتغيرة بالرد والتفتيد فاذا هدم أهل السنة عنصراً  نشطاً لهم ورموه في مقتل قام هؤلاء المبتدعة والمنحرفين باتخاذ و إنشاء عنصر نشط آخر غير الأول وهذا ديدن أهل الباطل (أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيئ يراد).

 

ولعلنا نذكر هنا ونستأنس بقصة أصحاب البقرة مع نبي الله موسى عليه السلام (إنّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا اتتخذنا هزوا) ثم اشترطوا التبيين ثم ادعوا التشابه.

 

فانظر إلى تنقلهم من محور أو عنصر إلى آخر ومن طلب إلى آخر فكلما ضرب وفُنّد عنصر اتوا بآخر وهكذا، هذه حال أصحاب الهوى.

 

أمّا بالنسبة لأهل السنة فالعنصر النشط لدى دعوتهم هو العنصر الثابت الأساس بمفهومه الصحيح وهو التوحيد وما يتبعه من أصول السنة لذلك لا تتغير دعواهم على مر السنين لانهم يستدلون ثم يعتقدون بخلاف اهل البدع الذين يعتقدون ثم يستدلون وبذلك يلوون أعناق النصوص ويتركون فهم عموم سلف الأمة وما في حكمه بل في كثير من الأحيان يلوون عنق ما ورد عن السلف ويحاولون تخصيصه بحالة معينة أو بفترة زمنية معينة وذلك ابتغاء تهميشه.

 

لذلك تجد أهل السنة تجد الثبات عندهم مع قدرة عالية في التعامل مع المستجدات الحياتية دون أن توجههم بل هم من يوجهها وذلك لتخلصهم من كون العنصر النشط المتغير هو من يحكمهم بل الحاكم لهم هو العنصر او العامل الأساس الثابت وما يتبعه من أصول وهو توحيد الله.

 

ولا ننسى أفعال وتقريرات الصحوة وقد ظهر فيها العنصر النشط المتغير بقوة والتي قدمت النهي عن أمورا من المنكرات الشهوانية على حساب أصول العقيدة والتوحيد وتعليمهما والتأكيد عليهما ومن ذلك أصل السمع والطاعة ومحاولة تهميشه و أصل الرد على المخالف ومحاولة إلغائه وأصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاولة اختطافه وذلك بتحريف معناه وكل ذلك كان تكريسا من مشايخ الصحوة للمعارضة السياسية لولي الأمر وحشداً للجماهير واستمالة قلوبهم إلى جهتهم ضد ولا أمرهم باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما هي وصية ابن سباء فكانت الصحوة في حقيقتها مشروعا سياسياً استغل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما فعل ابن سباء  فقد كان يتم تصوير وقوع الناس في المنكرات الشهوانية أنّه خروج من الدين أو يكاد كما قال سلمان العودة في احد اشرطته قبل الربيع العربي بعشرين سنة  عن احد الذين وقعوا في إحدى المنكرات الشهوانية (هذا لا يغفر الله له)، ثم لما أتى ما يُسمى الربيع العربي وقبله بسُنيّات تغيرت قواعد اللعبة وسكت مشايخ الصحوة عمّا كانوا يدعون اليه من قبل، وانصرف التقعيد والتأصيل من حشد الناس باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمفهومهم الحزبي البدعي وانه هو الحل إلى التركيز على عنصر نشط جديد ومضاد للعنصر السابق وهو الدعوة لقيام المجتمع المدني أو دولة المؤسسات المدنية والتي أساسها الحرية والإنحلال ومحاولة شرعنة ذلك و أنّ الإسلام مُكوّن من مُكوّناتها وليس بأساس لها والى تبني الديمقراطية والتي كانوا يعلنون صراحة أنّها كفر قبل ذلك.

 

وتصوير حكام الدول الاسلامية وخصوصا العربية؛ بل الخليجية بالذات بالطغاة والكفرة الفجرة، والحشد الفكري والبشري ضدهم من منطلقات عاطفية مع تأييد من جماهير مشايخ الصحوة إلا ما ندر منهم وما ندر منهم قام بالرد أو الرفض على استحياء وبشكل مجمل ليس لأنه تخلى عن حزبيته وبدعته أو بدأ يرجع الى منهج السلف كلا، إنما هو اختلاف بدعي ولّد انشطارات وتشظيات جديدة.

 

ولكنهم لا يعلنون ذلك صراحة وذلك وفاء للقاسم المشترك بينهم وهو الإخلال بأصل السمع والطاعة وللتحزب والتكتل الذي يجمعهم في أُصولهم وهذا الأمر هو الذي يريده كلا الطرفين سواء ليبراليين تحررين أو ليبراليين أخلاقيين كالإخوانيين، لأنّ كلاهما يتبنى الأيقونات الليبرالية وبينهما تنافس لا تناقض ولا تضاد، و من أوائل من دعى من الصحويين الى إقامة الدولة المدنية أو المجتمع المدني هو سلمان العودة وأنّ النبي ﷺ أقام دولة مدنية ( ديمقراطية ) ولم يقم دولة دينية !؟ وليت شعري لو أنّ النبي ﷺ أقام دولة مدنية فماهو الداعي لوجود المنافقين في دولته ﷺ مادام أنّها دولة مدنية والحريات فيها قائمة لأنّ أساس الدولة المدنية هو الحرية والأسلام مجرد مُكوّن من مكوناتها لا مهيمن ولا مسيطر!؟

 

ثم نجد بعد ذلك ناصر العمر في كتابه أسلمة الديمقراطية يشرعن لها كما شرعن العوده لها وكذلك الطريفي في تغريدة له بأن الإسلام اذا اتت الديمقراطية فوقه افسدته و إذا أتت تحته أصلحها في دعوة الى إمكانية أسلمة الديمقراطية وشرعنتها وهذا عين الجهل إذ كيف يصلح الإسلام مبادئ الضلال بل الإسلام يلغي مبادئ الضلال ولا يصلحها لإنها غير قابلة للإصلاح و إلّا لادّعى مدعي بأن نظام الشرك اذا اتى تحت  الإسلام أصلحه الإسلام وهنا تتجلى أصول الدعوة الباطنية.

 

إنّ الإسلام يصلح من اتبع تعاليمه من الثقلين الجن والإنس وما تغريدة الطريفي إلا محاولة لشرعنة الديمقراطية.

 

وهنا يتضح لنا طبيعة من طبائع و آثار العنصر النشط في هذه الدعوات والاتجاهات مثل الصحوة وغيرها.

 

فمن طبيعة وآثار وجود العنصر النشط في الاتجاهات البدعية هو أنّه يكون عامل زيادة تفريق وتشرذم فتنقسم الفرقة وتتشظى الى أجزاء وفرق أُخرى وهذا واضح في الحالة الصحوية عندما أتى الربيع العربي و تغير العنصر النشط الى عنصر آخر انقسمت السرورية الى قسمين قسم لحق بالتنويرية وقسم بقي على منهج سرور الأوّل مع وجود القواسم المشتركة بينهم والتي تقصي بأن يدافع بعضهم عن بعض ضد أهل السنة أو ضد أي منافس آخر و إن توافقوا معه في الاصول وكان ضالاً مثلهم.

 

إنّ من أهم طرق في التعرف على العنصر النشط عمليا في أي دعوة يكون بملاحظة تركيزهم على قضية أو أمر لم يكونوا يُركّزون عليه من قبل وجعله فجأة وكأنه هو الأساس لدعوتهم مع أنّه ليس كذلك في زمن سابق وقد اشترك في ذلك الخوارج أو مايسمى في لغة السياسة باليساريين أو الحزبيين

 

ونجد القاسم المشترك بينهم الولاء لحزبهم وتكتلهم والعداء للوطن ولكل ماهو ثابت ثباتا مطلقا ولا ينطبق ذلك الا على الحق الذي اتى من الله (أصلها ثابت وفرعها في السماء) وأما ما كان ضد الثابت المطلق فهو الباطل (اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار).

 

فالليبرالي ومن شابهه مثله مثل الإخواني، العامل الأساس عنده هو التحزب في حال مارس السياسة أو واجه غيره وليس الاساس عنده جماعة المسلمين وإمامهم كما هي عند أهل السنة السلفيين.

 

فمدار العنصر النشط على الفردية و أبرز مظاهر الفردية التحزب وهو الانفراد عن الجماعة والإمام وما قاموا عليه على سبيل المناقضة او المضادة او الاخلال او المخالفة ولو كان الشخص بمفرده أو مع حزب.

 

لذلك نجد مطالب اليساريين عموما و التي تمثّل العنصر النشط في دعوتهم ليست مطالب محورية في مقابل مايعترضون عليه و يريدون نقضه  مما يُشكل عند الطرف الآخر أموراً محورية في الحياة، فإنهم دائما يعترضون ويريدون نقض الفهم الصحيح للدين ونقض حقيقة الإلتزامات والموجودات الفطرية داخل المجتمع والتي أتى الإسلام ونظمها و إلّا فهذه  الموجودات ناشئة قبل نزول الإسلام وأبرزها الأسرة والدولة وأتى الإسلام وبيّن أهميتها وحماها و نظّمها بأصول و شرائع.


إن مما يؤكد على وجود العنصر النشط عند كل أهل البدع والدعوات المنحرفة قول النبي ﷺ في حال كثير ممن اتبع هواه ودخل في فتن البدع  (يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا)، وذلك لوجود الشُبهة، وهذا هو تقرير السلف في أنّ الخوارج لم يخرجوا إلّا من أجل الدنيا شُبهة في المقام الأول كما قرر ذلك الحسن البصري رحمه الله وغيره فانظر رحمك الله الى سرعة التنقل من المساء الى الصباح بين الإسلام والكفر ونلاحظ هنا أنّ النبي ﷺ لم يثني على هذه الحالة من التنقل أي على من انتقل من الكفر الى الإسلام بهذه العقلية وهذه المبادئ لأنّه سرعان ما ينتقل مرة أخرى وذلك لفقده وتركه العامل الأساس الثابت وتمسكه بالعامل النشط المتغير وبحثه عنه لأنّه هو الذي يناسب البدعة أيّاً كانت.

 

والخلاصة مما سبق:

 

أولا: لكل دعوة منحرفة على وجه الأرض  عوامل وعناصر نشطة تسيطر على الاتجاه  و يتغير محلها وموضوعها مع تغير الظروف وتؤثر على العنصر الأساسي الذي تتخذه الدعوة المنحرفة عنوانا شكليا مُحَرّف المعنى.

 

ثانيًا: كل أهل البدع لديهم العنصر النشط حاضر ولكنه عند الخوارج حاضر وبقوة لذلك صار ذمهم أشد من غيرهم وصار ظهورهم أسرع من غيرهم بصفتهم اول فرقة زائغة تنبت بين المسلمين.

 

ثالثًا: كل الاتجاهات اليسارية الليبرالية ذات عنصر نشط متغير مما يدل على أنّها تنطلق من منطلقات الخوارج فهاهو المذهب الليبرالي ينقسم إلى مدرستين التحرري والأخلاقي وكل مدرسة فيها عدة اتجاهات تتغير مع الزمن.

 

رابعًا: وجود العنصر النشط يؤدي إلى حالة التذبذب في الفكر وبالتالي التذبذب في المواقف قال الله تعالى (مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) وكما ورد في الأثر (وإياك والتلون في الدين فأنّ دين الله واحد).

 

 

خامسًا: من آثار وجود العنصر النشط في الاتجاهات والدعوات البدعية هو زيادة تفرق وتشرذم وتشظى الأمة إلى أجزاء وفرق أُخرى وهذا واضح في الحالة الصحوية عندما اتى مايسمى بالربيع العربي و تغيّر العنصر النشط إلى عنصر نشط آخر انقسمت السرورية إلى قسمين قسم لحق بالتنويرية وقسم بقي على منهج سرور الأول مع وجود القواسم المشتركة بينهم والتي تقصي بأن يدافع بعضهم عن بعض ضد اهل السنة او ضد اي منافس

 

سادسًا: أهل السنة والجماعة العنصر النشط عندهم هو العنصر الاساس الثابت ولا فرق فهو المُوجّه لهم في دعوتهم والعنصر الأساس الثابت عندهم هو توحيد الله أوّلاً و بعده توحيد المتابعة لنبيه ﷺ و من ثَمّ صحابته رضوان الله عليهم وما يتبع ذلك من أصول العقيدة لذلك تجد الثبات عندهم مع قدرة عالية في التعامل مع المستجدات الحياتية دون أن توجههم بل هم من يوجهها وذلك لتخلصهم من كون العنصر النشط المتغير هو من يحكمهم بل الحاكم عندهم هو العنصر او العامل الأساس الثابت وما يتبعه من أصول وهو توحيد الله .ا.هـ.

 

اقرأ المزيد

فيروس كورونا وترتيب القيم.. اهتراء المنظومة الغربية وقوة القيم الإسلامية

لا شك أن الأحداث الجسام على وجه الأرض، وتفاعل التكوين البشري معها يكشف عن الترتيب الحقيقي للقِيم أمام أعينهم

السنة والأمن الفكري.. صحيحُ البخاريِّ أنموذجًا

فإنَّهُ لَا يخفَى علَى كلِّ مُسلمٍ ومسلمةٍ مكانةَ السنَّةِ النبويةِ وحجّيتَهَا وشرفَهَا، فإنَّ شرفَهَا منْ شرفِ صاحبِهَا -صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليْهِ-، ومَنْ تأمَّلَ طريقةَ القرآنِ

بيان حكم الخلافة العامة

فإن بعض الجهلة ردّا على الإخوان المسلمين قد ينكر مشروعية الخلافة العامة، وهذا من مقابلة البدعة بالبدعة، والخطأ بالخطأ

ابن سبأ والمُعارِض السياسي.. الديمقراطية وتقنين الخروج على ولي الأمر

للديمقراطية طرح ثقافي في السياسة ينطلق من المذهب الفردي المعادي لرابطة الجماعة، وهذا الطرح يؤسس للخروج على ولي الأمر ويسوغه

التنويري كهنوتي

لا شكَّ أنّ لكلِ مصطلح مدلوله وتجد هذا واضحاً وحقيقياً في الاتجاهات المتناقضة والمتعاكسة كالفرق بين التوحيد والشرك.

طرح الثعالب

يُعرف المرء بطرحه نتيجة ما يمليه عليه اتجاهه، سواء كان التأثير قادمًا من لب اتجاهه أو من جهة ما يخدم اتجاهه من الخوادم الفكرية والسلوكية

تعليقات


آخر الأخبار