احذروا.. الاختلاط الإلكتروني!


بقلم – هشام شعراوي

 

بين طيات السنين الماضية نجد عادات وتقاليد وشرائع كانت تحكم مجتمعنا العربي والإسلامي هي كالرواسي لأفراد المجتمع، وبها اقتدينا، في ظلها عاشت الناس كالصبيان بين أحضان أمهاتها الحنونة البسيطة التي لا تتسم بالتعقيدات، ينعمون ويرغدن بالأمان والترابط الأسري والتواثق المجتمعي، كانت حياتهم غضة ونقية ليس بها عقد التطور والحداثة، وليس فيها تواصل عبر المواقع الحديثة.

 

ورغم ذلك كان الوصال أفضل وأسهل وأقيم للعلاقات بين الأفراد في المعادلة الاجتماعية، واستهلالًا لسيادتكم من كلامي أنه في الأزمنة السابقة كان التلاقي مباشر عن طريق حضور الجسد وتلاقي الأعين وكان التواصل فيه من الرقي ما فيه ومن التفاهم بين الناس ما فيه، وبعد مرور أحقاب من الزمن، تعثرت أقدامنا في عتبات "القرن 21"، واختلفت ألوان الحياة وروائحها، وصارت كل القواعد والثوابت تختلف وتتغير، وتقلبت مبادئ العامة وأصبح لا يبالي أحد بمبادئه وكأنها كلمة كان يتمتمها بدون اعتقاد ولا تصديق، وكأن نفوسنا تحكمت بها عناصر مختلفة لا ندركها، عناصر خفية وغير معلومة تتلاعب بعاداتنا وتقاليدنا وشرائعنا وقيمنا، حينئذ جميعنا يقف ويسأل نفسه ما الذي يحدث وما هذه التغيرات العجيبة -أين ديننا وأين ثوابتنا ومعتقداتنا- ومعظمهم لا يجد إجابة على ذلك..

 

ظاهرة الاختلاط الإلكتروني

 

شبت ظاهرة الاختلاط الإلكتروني برأسها لتتصدر أعلى قمة المشكلات الاجتماعية، حيث أصبحت هذه الظاهرة تتفشى في جسد المجتمعات العربية والمجتمع المصري خاصة وبقوة، ومن المعلوم لدينا أن المشكلات المجتمعية والمرتبطة بالأسرة عندما تطرح نفسها على ساحة الحل، يكون من الصعب إيجاد الحلول السريعة والجذرية لها، ومن أكثر هذه المشكلات تعقيدًا بل هي الأعقد، مشكلة الاختلاط على مواقع التواصل الاجتماعية، حيث قوة آثارها السلبية وتأثيرها على المجتمع والأسرة، الاختلاط الإلكتروني المتمثل في مواقع التواصل الحديثة باب شر عظيم ويعطي الإمكانية للتواصل عبر الخاص ومن ثم الخيانات الزوجية، ومشاكل الطلاق بين الزوجين.

 

الاختلاط في ميزان الشرع

 

 إجمالًا الاختلاط في حد ذاته وبكل أنواعه كارثة وباب أكبر من أبواب الشيطان وبه يلبس على العباد، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) "مَا تركْتُ بعْدِي فِتْنَةً هِي أَضَرُّ عَلَى الرِّجالِ مِنَ النِّسَاءِ" وأن فتنة النساء عظيمة ومهلكة ومضيعة للدين، والإسلام في هذا الصدد قد وضع المحاذير والضوابط بين الرجال والنساء وفي أمور الاختلاط، وعند تأملها نجدها صارمة وأن دل ذلك فأنه يدل على جلل هذا الأمر، وقال سبحانه وتعالى " (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)" ففي الآية الكريمة نجد أن الله سبحانه وتعالى يأمر النساء بأن يخضعن في قولهن أمام الرجال، وأن يقرن في بيوتهن، وألا يتبرجن مثلما كانت تتبرج نساء الجاهلية، فإذا تأملنا هذه الأوامر الإلهية نجدها تصف وتخص أضعف وأبسط صور الاختلاط من صوت، وخروج خارج البيت، والتبرج، وإن دل هذا فيدل على أن أبسط أمور الاختلاط وأدناها حرام، وقد أمر الله النساء بالابتعاد عنها وتركها.

 

وأنه من باب ذكر الحق يجوز للنساء أن تتكلم مع الرجال ولكن الكلام له ضوابط وحدود، وأن المرأة إذا تكلمت مع رجل أجنبي كان ذلك في إطار الحاجة الملحة والضرورية وعندها لا تخضع بالقول كما أمرها الله سبحانه وتعالى حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض، والواجب على الرجال أيضًا أخذ الحيطة في الحديث مع النساء، وفي هذا السياق نجد أن سيدنا موسى (عليه السلام) عندما وجد الأختين يحتاجان إلى مساعدة قال لهما "ما خطبكما" كلمتين لا أكثر من ذلك، وهذا ما قدمناه في الفقرة السابقة ملخص وجيز عن حكم الشرع في الاختلاط بجملته.

 

الفتن ما ظهر منها وما بطن

 

كما أنه من الأمور الهامة أيضًا فتنة الصور على الصفحات الشخصية للنساء وفتنة الحجاب وكشف الوجه وما دون ذلك، لذلك يجب أن تكون هناك حدود لضبط هذا الأمر، وأعرف رجلًا تدخل في أكثر من مشكلة أسرية بين الزوجين في أكثر من مرة لمحاولة الحل بينهما، وكانت من ضمن هذه المشاكل أن زوج قد دخل على زوجته ووجدها تغلق اللاب توب سريعًا، فشك في الأمر واكتشف بعد ذلك أن الزوجة تتحدث مع رجل أجنبي.

 

الإشكال الكبير في هذا الأمر يأتي من داخل الأسرة ومن الجو العائلي المتوفر داخلها، فهناك آباء لا ينظرون إلى إمداد بناتهن وأبناءهم من الناحية العاطفية، فيضطروهم إلى البحث عن هذا الحوج العاطفي خارج البيت، ومن الأسباب التي تجعل الأبوين يعزفون عن هذا الأمر وهو الإمداد العاطفي هي الظروف والضغوط الاقتصادية الصعبة، وأصبحت مواقع التواصل الحديثة هي الطريق الأسهل والأقرب لعامة الناس.

 

والنساء دائمًا ما يبحثون عن الاهتمام من الرجال، فالزوجة تبحث عن الاهتمام مع زوجها، والفتاة تبحث عنه مع والدها، وأنه لو وجددت الزوجة أو الفتاة هذا الاهتمام في الخارج من المحتمل أن تأتلف هذا الأمر وتُعجب به، حيث أن النساء إذا سمعن من الكلمات ما هو معسول من الرجال الأجانب من الممكن أن ترى فيه فارس الأحلام وغالبًا ما يكون هذا الكلام من متصنع ينصب لها الفخ ليوقعها في شباكه.

 

وأيضًا من المشكلات في استخدام وسائل التواصل الحديثة أن هناك من النساء ما هم دائمًا يعقدون المقارنات بين أزواجهن وبين رجال أخرون، ويتسللون إلى الصفحات الخاصة بهؤلاء لينظروا إلى منشوراتهم وصورهم وما دون ذلك من الأمور المتعلقة بهم، وأيضًا من الرجال ما يفعلون ذلك مما يزيد الأمر تعقيدًا ويقربهم للزنا والعياذ بالله.

 

حلول أراها

 

الحلول التي أراها من وجهة نظري للحد من المخاطر الناجمة عن الاختلاط الإلكتروني تتمثل في الآتي: إذا كانت هناك درجة اتفاق بين الزوجين أو بين الأب وأولاده في عدم التعامل أو التعامل المحدود جدًا على المواقع الإلكترونية فكان بها، ولو أن المنع بالكلية سيترتب عليه مفاسد أعظم فتكون المراقبة هي الحل، حيث لا يسمح الزوج لزوجته أن تختلي بكيان خاص لها أو لا يكون له اطلاع عليه، فتتكون العلاقات المحرمة بعد الاستخدام لأوقات طويلة مع الأمان من عدم المراقبة.

 

وأننا وللأسف في مجتمعنا المصري معظمنا يقبل على هذه المواقع ليسيء استخدامها، وأن المجتمعات الغربية تسخر هذه المواقع لخدمتهم وخدمة مجتمعاتهم، ونحن نقضي الكثير من الأوقات في كلام ليس له أهمية وغير هادف مثل الترويج لانتشار الأكاذيب والشائعات التي تضر بأمن المجتمع المصري، وغير ذلك من المشكلات الأسرية العديدة والمتسبب فيها أيضًا كثرة الخلطة بين الجنسين واقترابهم من بعض على ساحات السوشيال ميديا.

 

من الحلول الهامة أيضًا بخصوص وسائل التواصل الاجتماعية ومنها تكثيف دور العلماء والمختصين في نشر التوعية بين الناس، وأيضًا دور مؤسسات الدولة في محاربة تلك المخاطر، ووضع قوانين وضوابط لاستخدام تلك الوسائل الحديثة، ووضع قوانين صارمة لمحاسبة الجريمة الإليكترونية.

 

أرقام مفزعة

 

منذ أيام أصدر مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري تقريرًا مفزعًا حول نسب الانفصال الزوجي "الطلاق" في مصر، يؤكد أنها الأعلى عالميًا، ووفقًا للإحصاءات والبيانات الرسمية، والتي تم حصرها في مستهل العام الجاري، فإن حالة طلاق واحدة، تحدث كل 4 دقائق، وإن مجمل حالات الطلاق على مستوى اليوم الواحد تتجاوز 250 حالة، لا تتجاوز فيها بعض حالات الزواج أكثر من عدة ساعات بعد عقد القران، وتستمر أخرى إلى نحو ثلاث سنوات لا أكثر.

 

ووصلت حالات "الخلع" عبر المحاكم أو الطلاق خلال العام الماضي إلى أكثر من ربع مليون حالة انفصال؛ مسجلةً زيادة تقدر بـ 89 ألف حالة عن العام الذي سبقه، وهذه التقارير رصدت أن السبب المباشر في ارتفاع هذه النسب وسائل التواصل والمواقع المجتمعية الحديثة.

اقرأ المزيد

المملكة العربية السعودية.. عَمِيْلَةٌ لمن؟

بكل صراحة... أنا رجل كثير الشك، دائم التفكير، شديد الفضول، مستمر التحليل والتركيب والربط والمقارنة

تطوير"التشريعات".. ترسيخ لمبادئ العدالة وحماية للحقوق ورفع للكفاءة

إن ما يشهد به ويشاهده شعب المملكة العربية السعودية والعالم أجمع من جهود صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز

"آل الشيخ" جهوده إلى الشيشان.. والإعلام الساقط إلى الخسران

الأمة الإسلامية شرفها الله بأعظم رسالة، ورسالتها قائمة على العبادة، وأشرف أماكن العبادة المساجد

حفيد المجدد

الحمدلله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...

احذر يا معتز مطر!

أنصحك نصيحة لله أن تتقي الله في نفسك وتخاف عليها، فقد تجاوزت حدك

عنصرية أم تمييز؟!

العنصرية داء خبيث عانت منه الكثير من المجتمعات ففتك ببعضها و أدخل بعضها في دوامات من الصراع والنزاعات، والعنصرية أمر بغيض أساسه الكبر والتعالي والنظر

تعليقات


آخر الأخبار