ما الموقف السليم تجاه انتشار المنكرات..؟
بقلم – يوسف بن عيد العنزي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد ﷺ وعلى آله وصحبه الاخيار الطيبين رضي الله عنهم أجمعين ومن اتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ، اما بعد
فالمنهج السليم الذي يجب على المسلم اقتفاءه واتباعه تجاه انتشار المنكرات وخاصة مع هذا الانفتاح في استخدام وسائل التواصل واتساع فضاء الأنترنت عدة أمور اجملها فيما يلي :
اولاً :
وهو أن يسأل الله العافية فمن عوفي فليحمد الله فأن العافية في الدين لا يعدلها شيء وفي الحديث ( اسلوا الله العافية) متفق عليه وفي لفظ عند احمد في مسنده وغيره ( فأنه لم يعط عبد شيئا افضل من العافية ) فاحمد الله على ثباتك ومعافاتك مما ابتلا به غيرك.
ثانيًا:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : قال النبي ﷺ: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب بحسب حال الآمر والمنِكر قد جاء بالحديث ترتيبها من الأعلى إلى الأدنى، ولكل مرتبة أحوال واحكام تختلف بحسب قدرة الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وحدود استطاعته :
- المرتبة الأولى : الإنكار باليد : ويكون لصاحب الولاية على مرتكب المنكر فالحاكم له ولاية وقدرة وله تفويض من يراه ولا يجوز التعدي على هذه الولاية ، وكذا للرجل ولاية على أهل بيته ، ففي الحديث ( والرَّجُلُ في أهْلِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ ..)
- المرتبة الثانية : الإنكار باللسان : ويكون للقادر على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ...
- المرتبة الثالثة : الإنكار بالقلب : وهذا الامر يكون للجميع ولا عذر فيه لأحد وذلك بكره المعصية والبعد عنها.. [بتصريف للمراتب من بحث محكم بعنوان : إنكار المنكر وأحكامه في الفقه الإسلامي ، الدكتور احمد البراك ، مجلة العدل ] .
فكما ان هناك مراتب للإنكار ومصالح يجب أن تراعى فهناك أيضا آداب للأمر بالمعروف حتى يُجنى ثماره ، وإن اعظم ما يعني على ذلك هو بالتعلُّم والتفقُّه في الدين هو علامات سعادة العبد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر، وإذا كان هو من أعظم الواجبات والمستحبات فالواجبات والمستحبات لا بد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة ...) [كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 10]
وقال أيضاً :( وذلك يكون تارة بالقلب، وتارة باللسان، وتارة باليد. فأما القلب فيجب بكل حال؛ إذ لا ضرر في فعله، ومن لم يفعله فليس هو بمؤمن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وذلك أدنى - أو - أضعف الإيمان» وقال: «ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» وقيل لابن مسعود: من ميت الأحياء؟ فقال: الذي لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا. وهذا هو المفتون الموصوف في حديث حذيفة بن اليمان ...) [كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 10- 11]
ولا شك أن وسائل الدعوة في هذا الجانب تعددت وتنوعت، فمع التوسع في فضاء برامج التواصل والتي يستطيع الداعي ان يجعلها منبراً لدلاله الناس على الخير والتمسك بالسنة وبيان المنكرات والنصح للخلق ، والتي أصبح نفعها متعدي وتأثيرها واسع ...
ثالثًا:
ان الناس في أوقات الفتن واختلاط الأمور وانشغالهم في فضاء الانترنت يغفلون وينشغلون عن العبادات وفعل الطاعات وذكر الله تعالى، فالمسلم حريصاً على مرضاة ربه وخاصة مع انتشار ذلك ، ففي الحديث قال رسول الله ﷺ: ( العبادة في الهرج كهجرة إليّ ) أخرجه مسلم ، قال الأمام ابن باز -رحمه الله - عند شرحة للحديث: ( يدل على فضل العبادة لله والاجتهاد في الخير عند وجود الهرج، عند وجود الفتن والاختلاف وشغل الناس بأموالهم وأهوائهم، فينبغي للمؤمن أن يكون عند اختلاف الناس وعند تهاونهم بأمر الله أو وجود الفتن بين الناس بأمر الله أو وجود الفتن بين الناس بالقتال أن يكون مشغولًا بطاعة الله... )
رابعًا:
إماتة الباطل بعدم ذكره ونشره وتداول المقاطع والصور والتي فيها مخالفات شرعية من موسيقى وصور للنساء المتبرجات ،فالمسلم شديد الحرص على نفع نفسه وإخوانه ، وحريصاً على أن لا يتحمل اوزار غيره معه ، قال الله { إنا نحن نحيي الموتى وتكتب ما قدموا وآثارهم } ففي الآية ان الأعمال لها أثر بعد موت صاحبها ، قال رسول الله ﷺ: « مَنْ دَعَا إلى هُدًى كان لهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أجورِ مَنْ تَبِعهُ لا يَنقُصُ ذلك مِنْ أجُورِهم شيئًا، ومَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كان عليه مِنَ الإثمِ مثلُ آثامِ مَنْ تَبِعهُ لا يَنْقُصُ ذلك مِنْ آثامِهم شَيئًا». رواه مسلم ، فأنظر لنفسك من أي الفريقين انت؟
فأجعل جوالك يا رعاك الله وحساباتك بمواقع التواصل، منبر لكل خير وفضيلة ، ومقبرة لكل شر وفتن ومنكر ، فكن ذلك الداعي للخير قال عمر رضي الله عنه : "إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا يُمِيتُونَ الْبَاطِلَ بِهَجْرِهِ، وَيُحْيُونَ الْحَقَّ بِذِكْرِهِ" رواه أبو نعيم في الحلية ، وقال الشاطبي رحمه الله في كتابه الموافقات (١/٢٢٩) :( طوبى لمن مات وماتت معه ذنوبه والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة سنة ومائتي سنة يعذّب بها في قبره ويسأل عنها إلى انقراضها )
خامسًا:
دعاء المسلم لولاة امره بالهداية والصلاح وان يرزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الحق والخير ... وهذا من حقوق السلطان على رعيته الدعاء له ، وهذا منهج سلفنا الصالح رحمهم الله وما كانوا عليه، وفرق ما بينا وبين اهل البدع والاهواء ، قال الفضيل بن عياض رحمه الله : (لو كان لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا للسلطان، قيل له: يا أبا علي فَسِّر لنا هذا؟ قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعْدُني، وإذا جعلتها في السلطان صلح، فصلح بصلاحه العباد والبلاد، فأُمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن جاروا وظلموا؛ لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين)
وقال إمام أهل السنة والجماعة الامام أحمد بن حنبل رحمه الله : (لو لي دعوة مستجابة لصرفتها للإمام لأن بصلاحه تصلح الرعية ) .
لذا قال الخليفة الراشد رضي الله عنه عثمان بن عفان: (إنَّ اللهَ يزعُ بالسلطانِ ما لا يزعُ بالقرآنِ) .
ولهذا قال الإمام البربهاري رحمه الله : (إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله تعالى) ..
- فائدة:
ولشيخ الإسلام أبن تيمية كلام نفيس يزيل البس في هذا الجانب ، قال رحمه الله :
(وأهل السنة لا يأمرون بموافقة ولاة الأمور إلا في طاعة الله لا في معصيته ، ولا ضرر على من وافق رجلا في طاعة الله إذا انفرد ذلك عنه بمعصية لم يشركه فيها، كما أن الرجل إذا حج مع الناس، فوقف معهم وطاف، لم يضره كون بعض الحجاج له مظالم وذنوب ينفرد بها، وكذلك إذا شهد مع الناس الجمعة والجماعة ومجالس العلم وغزا معهم، لم يضره أن يكون بعض المشاركين له في ذلك له ذنوب يختص بها، فولاة الأمور بمنزلة غيرهم، يشاركون فيما يفعلونه من طاعة الله، ولا يشاركون فيما يفعلونه من معصية الله )[ منهاج السنة : 4 / 113- 114]
فهذا ما أحببت ان أجمله وانقله نصيحة لمن يقرأها من اخواني حفظهم الله ورعاهم ونفع بهم ، وهي تذكير لي ولهم مما أوجبه الله علينا من التعاون على البر والتقوى والنصح لله ولعباده ومحبة الخير لهم والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- وختامًا :
نسأل الله ان يقينا ويصرف عن بلادنا وبلاد المسلمين كل شر وفتنة وبلاء وان يختم لنا بالسنة والتوحيد ، وان يحفظ لنا ولاة امرنا انه سميع مجيب الدعاء.
تم المقصود، والله اعلم فله الحمد والمنة.
اقرأ المزيد
الباشا الثوري محمد علي مفجر ثورة التصحيح وحامل هم الغلابة على عاتقه، الذي لا يؤمن بوجود إله لهذا الكون أصلا
المملكة العربية السعودية دولة كبيرة لها خصوصيتها ومكانتها الفريدة بين دول العالم، لأنها بلاد الحرمين الشريفين
لم تعد الحرب في الوقت الراهن حرب تقليدية واضحة المعالم والأدوات كما كانت من قبل
قال الله تعالى : {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ
يشد بنا الحديث عن أهم يوم من ايام التعليم عند جميع الطلاب والطالبات ..
إن ما يشهد به ويشاهده شعب المملكة العربية السعودية والعالم أجمع من جهود صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز