"القصة كاملة".. السلطان عبد الحميد الثاني وشيوخ الصوفية (2)


بقلم – المؤرخة هيام عبده مزيد

 

في الجزء أول استعرضنا استغلال السلطان عبد الحميد الثاني النزعة الإسلامية وشعار الجامعة الإسلامية لتأمين عرشه وتثبيت أركان حكمه، وفي هذا الجزء نستعرض استغلال "عبد الحميد" لشيوخ الصوفية وما يعرف بـ"رجال التنوير" في دعم سياساته، كما نلقي الضوء على الصراع الذي دار بين شيوخ الصوفية ورجال التنوير.

 

السلطان عبد الحميد والجامعة الاسلامية ودور شيوخ الصوفية

 

يعتقد أن السلطان عبد الحميد الثاني تبنى فكرة الجامعة الإسلامية، بعد أن تبنى أفكار من برزت أسمائهم حينها ممن حمل هذا المشروع، وهم: نامق كمال في المجتمع التركي؛ وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في العالمين العربي والإسلامي.

 

وأخذ السلطان عبد الحميد الثاني على عاتقه تنفيذ هذه الفكرة عمليًا.. من أجل أهدافه الأخرى التي تسعى إلى تثبيت حكمه وحكم بني عثمان- والتي تعتبر هدفه الأساس-.

 

بدأت الدعوة إلى الجامعة الإسلامية  في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، من خلال عدد من المفكرين الذين دعوا إلى وحدة المسلمين في كفاحهم ضد الغزاة، وقيام نهضة حقيقية في كل الميادين، تعتمد مبادئ الإسلام والعلم الحديث والتربية المعاصرة والتجديد في مختلف جوانب الحياة، وكان أبرز هؤلاء: جمال الدين الافغاني، والشيخ محمد عبده، ومحمد رشيد رضا، وعبد الرحمن الكواكبي، والطهطاوي وغيرهم.

 

في الوقت نفسه الذي دعت الطرق الصوفية الى إعطاء مسحة مقدسة للسلطان فهو في نظرهم شخصية دينية جليلة لا يجوز أن تطالها يد النقد والتجريح، وهو رمز لوحدة المسلمين، وعزتهم وفخرهم، وحامي الشريعة الإسلامية، والقيم على تنفيذها. (16)

 

امتلك "عبدالحميد" سياسة محنكة جمعت المتناقضات داخل العالم الإسلامي

 

لقد حاول السلطان عبد الحميد أن يستفيد من هذه الفئات من المتنورين من جهة؛ والصوفية من جهة ثانية (مع عدم قبول المتنورين للصوفية) لصالح تمتين حكمه، لقد كانت سياسة محنكة حاولت جمع المتناقضات داخل العالم الإسلامي ووضعها في خدمة السلطان.

 

وهنا سنحاول أن نطلع على الدور الذي قامت به الطرق الصوفية تجاه دعم سياسات "عبدالحميد" في هذه الظروف الصعبة التي مرت بها السلطنة .

 

من أبرز الأسباب التي دفعت بالسلطان عبد الحميد الثاني إلى اعتماده على الطرق الصوفية :

 

1.أن الدولة العثمانية كانت تعتمد على بعض الشيوخ الصوفية في تمتين علاقتها مع المسلمين وخصوصًا في الأماكن التي كان يراد فتحها، حيث كانوا يؤدون دورًا إعلاميًا دعائيًا للسلطنة.

 

2.كانت السلطنة تتعرف على الرأي العام الإسلامي من خلال شيوخ هذه الطرق في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من بلاد تركستان حتى شمال إفريقيا. (17)

 

3.اتخذ السلطان عبد الحميد الثاني من هؤلاء المتصوفة متطوعين لخدمة سياسته وشكل رابطة بين مقره – اسطانبول- وبين تكايا وزوايا الطرق في كافة أنحاء العالم الإسلامي.

 

وكان السلطان عبد الحميد الثاني كما أوردنا قد تأثر شخصيًا بالتصوف وبالتحديد بالطريقة الشاذلية، حيث كان لشيخها محمود أبو الشامات مكانة خاصة لديه استمرت حتى وفاته. (18)

 

ولا شك أن نزعته التصوفية وميله للمشايخ وفضوليته للتنبؤ بالمستقبل وتعلقه بالعرافين ساعده في استقطاب عدد منهم.

 

الصراع السلطوي بين شيوخ الصوفية ورجال التنوير في بلاط "عبد الحميد"

 

لقد قرب السلطان عبد الحميد إليه مجموعة من شيوخ الطرق الصوفية من أمثال: الشيخ أبي الهدى الصيادي من حلب والشيخ محمد ظافر المدني من طرابلس الغرب، والشيخ سعيد من حمص، والشيخ أحمد القيصرلي من المدينة المنورة وفضل العلوي من حضرموت. (19)

 

وقد عملت هذه المجموعة من المتصوفة على تدعيم حق السلطان عبد الحميد في (الخلافة)؛ ودعت كافة المسلمين إلى الالتفاف حول عرشه، إذ زعم أبو الهدى الصيادي، أن الخلافة ضرورة شرعية، وأنها انتقلت من أبي بكر الصديق عبر العصور الإسلامية حتى ورثها العثمانيون وروج إلى أن الخليفة هو ظل الله على الأرض، ومنفذ مشيئته وشريعته على المسلمين كافة إطاعته.

 

برغم أنهم عجم؛ كما ذكرنا سابقًا أن الخلافة في قريش وهذا من تدليس الصوفية. (20)

 

وتوسع نفوذ  أبو الهدى الصيادي إلى الشؤون السياسية والإدارية والعسكرية، وكانت له أعين تأتيه بكل الأخبار، ومما زاد في نفوذه اعتقاد السلطان عبد الحميد الثاني أن أبا الهدى كان أحد الشيوخ الكبار للطريقة الرفاعية. (21)

 

وبالفعل فإن أبا الهدى بصفته شيخًا للرفاعية ومرشدًا للسلطان عبد الحميد، وضع تحت تصرفه عددًا كبيرًا من الوعاظ الذين كانوا يجوبون المشرق ويزرعون بين سكانه الدعوة للطريقة الرفاعية ولتأييد السلطة العثمانية. (22)

 

كما اعتمد على أحد كبار أشراف مكة (الشريف عون) الذي كان عضوًا في الطريقة الرفاعية؛ وقد نجح هذا الأخير في التوصل إلى منصب "شيخ شيوخ الطرق"؛ وبالتالي استطاع أن يستقطب أتباع الزوايا المعارضة له حول فكرة الخطر الأوروبي على الإسلام وضرورة التكتل ضد هذا الخطر.

 

ليصبح شريف مكة عبر هذا التنظيم المساعد المخلص للشيخ أبي الهدى الصيادي، والخادم الأمين للسلطان. (23)

 

ومن جهة أخرى كان لشريف مكة تأثيره الكبير على الحجاج حيث أرسل إليهم المرشدين يدعون للجامعة الإسلامية ولقائدها السلطان العثماني؛ وهكذا أصبحت مكة المكرمة بفضل شريفها و(مرشدي الحجاج) وبفضل منصبه كشيخ للطرق؛ محورًا إلى السياسة العثمانية المعاصرة.

 

فمن هناك انتشرت هذه الدعوات، وانتقلت إلى العالم الاسلامي كله، عبر الحجاج الذين نقلوا إلى بلادهم بذرة الحلم الكبير الذي كان يدغدغ مخيلة السلطان عبد الحميد في جمع شمل كلمة العالم الإسلامي من جديد حوله – بحسب ما هو معلن، وبغير ما يبطن لتوطيد حكمه- وإعادتهم إلى كنف الدولة العثمانية تحت شعار "الجامعة الإسلامية". (24)

 

وقد بلغت مكانة الشيخ أبي الهدى الصيادي عند السلطان عبد الحميد، أن السلطان كان لا يرفض له أمرًا حتى رسخ في ذهن معاصريه أنه صاحب الكلمة الأولى عنده . (25)

 

وكان للصيادي أن استدعي جمال الدين الأفغاني إلى اسطانبول بعد أن أقنع السلطان بذلك ليظهر للعالم الإسلامي اهتمام السلطان بالعلماء وفي محاولة لاستمالة الأفغاني إلى جانب مشروع السلطان؛ إلا أن معظم المصادر تذكر أن الصيادي كان لا يطيق أن يزاحمه في مكانته وقربه إلى السلطان أحدًا، لذلك نقم على الأفغاني وعبدالله بن النديم، وأخذ يدس عليهما لدى السلطان. (26)

 

منها أن الأفغاني والنديم كانا يتنزهان في "الكاغد خانة" أحد منتزهات اسطانبول المشهورة، فصادفا عباس حلمي خديوي مصر الذي كان في إحدى زياراته إلى العاصمة العثمانية، وسلم بعضهم على بعض وتحادثوا نحو ربع ساعة تحت شجرة هناك؛ فعلم الصيادي بأمر هذه المقابلة وقدم تقريرًا إلى السلطان، قال فيه: أن الأفغاني والنديم قد تواعدا مع الخديوي على الاجتماع هناك، وقد بايعاه تحت الشجرة على أن تكون له (الخلافة)؛ فتغير قلب السلطان نحو الأفغاني وخشي منه وشدد عليه الرقابة. (27)

 

في الواقع فإن السلطان عبد الحميد كان يحاول أن يقرب الأفغاني منه، فاستقبله وكرمه وادعى قبول مشاريعه الإصلاحية داخل السلطنة، كما عرض عليه منصب شيخ الإسلام، إلا أن الأفغاني رفض هذا المنصب طالبًا من السلطان أن يعهد إليه بعمل الإصلاحات داخل البلاد مع رفض السلطان لهذه الفكرة؛ برغم أن السلطان عبدالحميد كان يعرف أن جمال الدين الأفغاني خطير. (28)

 

إلا أن هذا الود من قبل السلطان تغير، حيث ينقل أحد السياح الألمان عن الأفغاني عام 1896 قوله: "أنه يعيش بين مظاهر عطف من السلطان، ودسائس لا تحصى يبيتها له رجال القصر، وكم تضرع إليهم ليسمحوا له بالسفر فأمسكوه حيث يقضي بقية عمره في نوع من الأسر مموه بالذهب". ( 29)

 

لقد كان لموقف أبو الهدى الصيادي الذي كان يحسد الأفغاني ويخشاه، أن أخذ يعمل على الإيقاع بينه وبين السلطان وإيذاء كل من يمت إليه بصلة، حيث كتب الصيادي إلى محمد رشيد رضا صاحب المنار؛ قائلاً له: "إني أرى جريدتك طافحة بشقاشق المتأفغن جمال الدين الملفقة، وقد تدرجت به إلى الحسينية التي كان يتزعمها زورًا، وقد ثبت في دوائر الدولة رسميًا أنه مازندراني من أجلاف الشيعة... وهو مارق من الدين كما مرق السهم من الرمية". (30)

 

وكانت نهاية جمال الدين الأفغاني عبر مرض أصابه في حنكه، إلى أن مات في الخامس من آذار من العام 1896. (31)

 

وأمر السلطان بأن يدفن جمال الدين من دون احتفال، ومصادرة أوراقه وكتبه، وبعدم كتابة أي خبر حول وفاته، كما صودرت الصحف المصرية التي رثته في سوريا، ودفن في مقبرة مجهولة. (32)

 

كما عمل الصيادي على إزاحة أسرة الكواكبي من نقابة الأشراف في حلب بعد أن كانت حكرًا على هذه الأسرة من أمد بعيد؛ وذلك نظرًا للكراهية الشخصية التي كان يكنها الصيادي لهذه العائلة؛ ويعتقد أن الصيادي كان يقف وراء مؤامرة مقتل عبد الرحمن الكواكبي بالسم في القاهرة عام 1902، بعدها عمد أحد أتباع عبد الحميد إلى قصد محل إقامة الكواكبي ووضع يده على جميع أوراقه وأرسلها إلى الآستانة. (33)

 

ومن العجيب أن كل من يكتب في تنحية شرع الله أمثال جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي ومدحت باشا في اصطلاح المفكرين الغربيين والمستشرقين وأذنابهم يسمونهم: المصلحين أو زعماء الإصلاح؛ يجب فضح هؤلاء ممن اغتر به عوام المسلمين.

 

حتى أن الشيخ رشيد رضا عانى من أذى الصيادي أيضًا، فها هو الشيخ رضا يتسآل عن الطريقة الرفاعية التي ينشرها الصيادي التي تغرر بمن ينتسبون إليها، فيهاجم السيد أحمد الرفاعي الكبير؛ قائلاً: "إن السيد أحمد الرفاعي قال: إن الولي يصل إلى درجة يقول فيها كن فيكون"؛ ويضيف رضا متسائلاً: "من يلمس يد الرفاعي أو أحد خلفائه وذريته تحرقه النار، رغم أن هذا الشيخ كان يشتم ويهان"؛ وما كان يحل على من يشتمه أي بلاء !!!

 

لقد كان رد فعل الصيادي أن منع تداول مجلة المنار في الأراضي العثمانية لينحسر قرائها في مصر وشمال إفريقيا، ولم يكتف أبو الهدى بذلك؛ وإنما أوعز إلى متصرف طرابلس العثماني، بأن يلاحق أسرة الشيخ رشيد رضا والتضييق عليهم، كما حاول أن يبعث بشخص من قبله إلى مصر بهدف اغتيال رشيد رضا، وقد تعجب الشيخ رشيد رضا من هذه الإجراءات التعسفية من قبل السلطة العثمانية، لمجرد أنه نصح المسلمين بأن "لا يتخذوا أربابًا من دون الله"، وحمل رشيد رضا على شيوخ الطرق الصوفية ولقبهم "أفسق الفساق وأفجر الفجار"؛ واتهمهم بأنهم يدعون التصرف في الكون والانتقام مما لا يخضع له فضلا عمن ينال منه بقول أو عمل". (34)

 

**معروف أن الشيخ محمد رشيد رضا عليه ملاحظات كبيرة، ومجلته المنار؛ إلا أنه كان له فضل في نشر السنة ومحاربة البدعة؛ وفي هذا الصدد قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله في (الذريعة إلى بيان مقاصد كتاب الشريعة) (3/391-392): "وأنا قلت إن محمد رشيد رضا على انحرافه وتأثره بمحمد عبده كان له مجلة تخدم السنة، وقام عليها جماعات في الشرق والغرب، يعني فكر محمد عبده الذي كان قد ينشره في مجلته كان لا يتأثر به الناس، وكانوا يتأثرون بكتاباته في توضيح السنة والعقيدة السلفية ومحاربته الخرافات والتقليد الباطل التقليد الأعمى يحاربه حربًا لا هوادة فيها؛ ولهذا نشأ جماعات في مصر وفي السودان وفي شرق آسيا في الهند على كتاباته".. وقد نقل أنه في آخر حياته قد تاب.

 

وأورد الكاتب محمد سعيد العريان في ذكره لهذا الواقع قائلاً: "أما في بلاط السلطان عبد الحميد فكان الخليفة الذي يزعم أنه باسم الله يحكم ويستبد ويسيطر، وباسمه يخنق ويغرق ويحرق؛ وباسمه يظلم ويفتك ويهتك ومن حوله ذوو لحى وعمائم بينهم أبو الهدى الصيادي يزعمون للخليفة ولأنفسهم وللناس أن هذا اللون الفاسد من الحكم هو شرع الله، وهو الدين، وباسم الله، وباسم الدين يجب أن يذل الناس وأن تطأطئ الرؤوس، وأن يعيش البشر كالرقيق أو كقطعان الماشية ليس لها حرية، ولا رأي ولا إرادة، لأن الحرية والرأي والإرادة هي حق الخليفة الجالس على عرش الله وحده؛ وليس لها عزة وكرامة ولا نعمة، لأن العزة والكرامة والنعمة حق أبي الهدى الصيادي دون سائر المحكومين من رعية الخليفة". (35)

 

كما أن الصيادي حاول أن يستميل محمود الألوسي العراقي إلى الطريقة الرفاعية، فرفض الألوسي وأخذ بمهاجمة الطرق الصوفية في عصره، فدبر له أبو الهدى الصيادي النفي إلى بلاد الأناضول. (36)

 

 

دور المتصوفة في دعم السلطان عبد الحميد الثاني

 

كان الشيخ ظافر، المعلم الروحي للسلطان عبد الحميد وشيخ الطريقة الشاذلية المدنية، قد احتل مكانة مرموقة في البلاط السلطان في العاصمة اسطانبول حيث كان الشيخ ظافر يوجه من مركزه هناك حركة الدعوة إلى الجامعة الإسلامية التي تخدم السلطان، فالطريقة التي كان شيخًا لها كانت تنتشر في تونس والجزائر وقد أرسل الشيخ ظافر أحد أقاربه إلى المناطق التي احتلتها فرنسا في الجزائر وتونس فقام بزيارة المشايخ وقدم لها الهدايا باسم السلطان عبد الحميد.

 

واستطاع هذا المبعوث من أن يرسل إلى اسطانبول أكثر من ثمانية آلاف فرنك (أموال زكاة) للمساهمة في دعم سياسة الجامعة. (37)

 

في الواقع فإن عبد الحميد استخدم هؤلاء الشيوخ في تدعيم سلطانه كل في المكان الذي تواجد فيه، فالشيخ محمد ظافر المدني كان مسؤولاً عن الدعاية شمال إفريقيا، وعبره كان التواصل مع شيخ الطريقة السنوسية في ليبيا "محمد المهدي السنوسي"، والتنسيق لحركة المقاومة في شمال إفريقيا ضد التوسع الأوروبي فيها، كما أن العلاقة التي ربطته مع الشيخ فضل العلوي من ظفار، كان أن جعله مساعدًا لشريف مكة "عبد المطلب" عام 1880، بهدف كسر التحالفات القبلية العربية الموالية لبريطانيا. (38)

 

وقد تحدث أحمد الشوابكة عن نشاط الطرق الصوفية في تنفيذ سياسة السلطان "عبد الحميد"، كاشفًا عن وجود هيئات فرعية تعمل في أقاليم مختلفة من الدولة العثمانية أبرزها تلك الموجودة في مكة المكرمة والتي كانت تعمل تحت إشراف شريف مكة وتنشط في موسم الحج لنشر فكرة الجامعة الإسلامية  بين الحجاج. وأخرى في بغداد، وكانت تنشط بين القادمين من شمال أفريقيا لزيارة ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني، وقد قدر عددهم في إحدى السنوات بخمس وعشرين ألفًا. (39)

 

وقد خضعت هذه الهيئات لتنظيم إداري فوضعت كل زاوية تحت إشراف مقدم وترأس المقدمين شيخ الطريقة وحددت اجتماعات دورية لمشايخ الطرق تحت إشراف الهيئة الفرعية لشمال أفريقيا برئاسة الشيخ محمد ظافر المدني. وذكر أن الطبيعة المدنية في طرابلس الغرب والتي يتزعمها الشيخ ظافر المدني قامت بجمع الأموال عام 1897 لصالح الدول العثمانية لمساعدتها في حربها ضد اليونان.(40)

 

كما كان هناك دورًا قامت به الطريقة السنوسية في تعاطفها مع الدولة العثمانية، وتأييد السياسة التي انتهجها السلطان عبد الحميد، ذلك أن السنوسيين كانوا ينظرون إلى الدولة العثمانية على أنها ضرورة دينية وسياسية  .

 

وذكرت المصادر أن السلطان عبد الحميد أرسل قافلة من المتصوفة إلى الهند حيث عملت هناك على تدعيم الدولة العثمانية، وقد زارت هذه القافلة بعض حكام شبه الجزيرة العربية ولا سيما الحجاز طالبة تأييد هؤلاء الحكام للسلطان عبد الحميد في سياسته الداعية الى الجامعة الاسلامية. (41)

 

كما ان هناك اتصالات جرت بين السلطان عبد الحميد بوصفه رئيساً للجامعة الإسلامية، وتجمعات الطرق الصوفية وشيوخها في تركستان وجنوب إفريقيا والصين.(42)

 

* استنتاج:

 

لقيت فكرة الجامعة الإسلامية  في عهد االسلطان عبد الحميد نجاحًا لافتًا وأحيانًا واجهت مصاعب أمام الدعوات الرافضة لها كفكرة دينية، وعلى الرغم من ذلك فإن الطرق الصوفية لعبت دورًا بارزًا في نجاح فكرة الجامعة ونشرها، وقد شعرت الدول الأوروبية بأن السلطان عبد الحميد قد استطاع استغلال مشاعر المسلمين الدينية وأن باستطاعته أن يهدد النفوذ الأوروبي في المناطق العثمانية والمناطق الإسلامية الخاضعة للسيطرة الأوروبية.

 

فهو قد هدد عبر حركة الجامعة الإسلامية النمسا بمسلمي ألبانيا، وروسيا بمسلمي التتار، وبريطانيا بمسلمي الهند، وفرنسا بواسطة مسلمي شمال إفريقيا.

 

وقد بلغ من نفوذ هذه الحركة في شمال إفريقيا أن وصفتها إدارة المخابرات الفرنسية، بالقول: "... ويمكن للسلطان عبد الحميد – بصفته رئيسًا للجامعة الإسلامية  – أن يجمع – من خلال ارتباطاته الوثيقة بالجماعات الدينية  في شمال إفريقيا – جيشًا محليًا منظمًا يتمكن – إذا لزم الأمر – أن يقاوم به أي قوة أجنبية". (43)

 

إلا أن الجامعة الإسلامية تبقى تجربة مهمة للسلطان عبد الحميد في سياسته الإسلامية لعبت فيه الطرق الصوفية دور وسائل الإعلام إلا أنها فشلت بسبب تعنت شيوخ الصوفية من جهة ولأنهم ليسوا على دعوة التوحيد؛ والتوحيد حق الله على العباد فكانت عبادتهم وطاعتهم لشيوخ الصوفية والولاء في أولياءهم المخالفين لما في الكتاب والسنة والواحدنية جعلتهم فرق متناحرة لأنهم على عقيدة فاسد؛ة فالمخلص هو الذي يقصد بعمله وجه الله يقصد التقرب إلى الله لا لغيره، ولا لقصد الدنيا وإنما يفعل ما يفعل يرجو ثواب الله هذا هو الإخلاص.

 

وكذلك  طغيان "عبد الحميد" الذي تعامل بقوة مع معارضيه داخل السلطنة، فدفعت بأعداءه إلى الإسراع في العمل على عزله وإنهاء الدولة العثمانية قبل أن يحقق مشروعه الوحدوي حول سلطانه وبني عثمان .

 

لقراءة الجزء الأول:

http://marsadtoday.com/News/721

 

الهوامش :

 (16) علي المحافظة، الجامعة الاسلامية، مقال مقدم الى المؤتمر الدولي الثاني لتاريخ بلاد الشام، صـ 298-299.

(17) محمد حرب سلطان، عبد الحميد الثاني آخر سلاطين العثمانيين الكبار، دمشق: دار القلم، ط1، 1990، صـ 195.

(18) بطرس أبو منه، السلطان عبد الحميد الثاني والشيخ أبو الهدى الصيادي، مجلة الاجتهاد، السن الثانية، خريف 1989، صـ 72.

(19) مجلة الهلال، مج 17، ج10، السنة 1908، صـ 593-594.

(20) commins,phd.pp.294-295

 (21) ولي الدين يكن، المعلوم والمجهول، القاهرة: 1909-1911، ج1، صـ 98.

_ عبد العزيز الشناوي، المرجع السابق، الجزء الثالث، صـ 1214.

(22)  بطرس أبو منة، المرجع السابق، صـ 76-77.

 (23) depont et coppolani op .p .262

(24) أحمد الشوابكة، حركة الجامعة الإسلامية، صـ 266.

(25) ولي الدين يكن، المرجع السابق، ج1، صـ 97.

(26) بطرس أبو منه، المرجع السابق، صــ81.

(27) لوثروبستودارد،حاضر العالم الإسلامي – دار الفكر. 1971، الجزء الثاني، صـ 202.

(28) قدري قلعجي،ثلاثة من اعلام الحرية، بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، ط3، 2013، صـ 99،103

(29) قلعجي، صـ 101.

(30) المرجع نفسه صـ 104.

(31) محمدعمارة، تاريخ الاستاذ الإمام محمد عبده، القاهرة دارالشروق ج1، صـ 89-94.

(32) المرجع نفسه، تاريخ الاستاذ ج 1، صـ 94.

(33) من مقدمة كتاب ام القرى لعبد الرحمن الكواكبي، تحقيق محمد جمال الطحان، دمشق: دار صفحات، ط5، 2012، ص . 23 -24.

(34) عدنان عويض، إشكالية النهضة في الوطن العربي، دمشق: دار التكوين، 2007، صـ 82.

(35) حسين سليمان، الشيخ مجلة أوراق جامعية، العدد 33-34-35، السنة 18، 1/2010، صـ 186-187.

(36) محمد سعيد العريان، مهرجان عبد الرحمن الكواكبي، دمشق: المجلس الاعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، 1960، صـ 73وما بعدها.

(37) محمد بهجت الأثري، محمود شكري الآلوسي وآراؤه اللغوية، القاهرة: معهد الدراسات العربية العليا، 1958، صـ 76-89.

(38) بطرس أبو منه، المرجع السابق، صـ 74-75.

(39) عبد الرؤوف سنو، المرجع السابق، صـ 6.

(40) أحمد الشوابكة، المرجع السابق، صـ 263-264.

og9 no 1 vol 2 , Oppenheim and Hohenlohe .cairo 2-6 1897 no . 38 a7587(41)

 (42) محمد حرب، مذكرات السلطان عبدالحميد الثاني، دارالقلم دمشق، صـ 198.

(43) محمد حرب، المرجع السابق نفسه، صـ 198.

اقرأ المزيد

وثيقة تكشف دور الشيخ "زايد" الكبير في تعزيز نصر "أكتوبر 73"

أكد الدكتور سلطان الأصقه، المؤرخ الكويتي، أن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو أوّل حاكم عربي يمنع تصدير النفط لأمريكا ودول أوروبا الغربية المؤيدة

بالوثائق التاريخية.. سقوط الأندلس خيانة عثمانية

كشفت المؤرخة هيام عبده مزيد عن فصول جديدة في سجل خيانة "آل عثمان" الحافل بالغدر والخيانة

تعرف على غزوات الرسول المنسية.. أبرزها "الأبواء"!

بمجرد استقرار المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وقيام المجتمع الإسلامي الجديد، اتجه نشاط المسلمون نحو توطيد مكانة هذه الدولة

شاهد.. مؤرخ كويتي: بيوت الدعارة انتشرت في عهد سلاطين الدولة العثمانية

أكد الدكتور سلطان الأصقه، المؤرخ الكويتي، أن بيوت العاهرات انتشرت في العالم الإسلامي في عهد سلاطين الدولة العثمانية.

"الأصقه": هذه حقيقة السلطان عبدالحميد ومحمد الفاتح وسليمان القانوني!

فجر المؤرخ الكويتي، الدكتور سلطان الأصقه، مفاجآت مدوية حول شخصيات تاريخية يحاول الإعلام التركي تصديرها والترويج لها خلال المرحلة الحالية

الشيوعية الفلسطينية وقياداتها.. القصة كاملة

يعتقد الكثير من العرب بأن الحزب الشيوعي الفلسطيني كبقية الأحزاب اليسارية العربية

تعليقات


آخر الأخبار