حقيقة الليبرالية التنويرية وتجذُّرها في الفكر الإخواني
إعداد – الباحث الشرعي عبدالله بن محمد الشبانات
إنّ الناظر في الاتجاه الفردي وفلسفته على مرّ العصور يجده كالأخطبوط له عدة أذرع ووجوه يسعى من خلالها لتحقيق فلسفته وتمزيق أي جماعة بشرية تقوم على أساس من الاتحاد والاجتماع الفطري أو على أساس من الدين خصوصًا السماوي وبالأخص ما صح من هذه الأديان، بل إنّ الذراع الواحد من أذرعته له عدة حالات ومن هذه الأذرع وهي من إفرازاتهم في العصر الحديث الفكر الليبرالي.
وعندما تستعرض الفكر الليبرالي تجده يقوم على مدرستين رئيسيتين تتفقان في الأصول والمآل وتختلفان في تناول معطيات الحياة من حيث الرفض والتحييد، وهاتان المدرستان هما مدرسة (نتشه) ومدرسة (إيمانويل كانط) أو التنويرية.
ونستطيع أن نصف المدرسة النتشية بأنّها الليبرالية الفجّة الصريحة والتي هي من غير قناع أبدًا ولا مقدمات.
ونستطيع أن نصف المدرسة الكانطية بأنّها الليبرالية الأخلاقية أو المرحلية، ومرحليتها لتتقبلها الشعوب بل إنّها أي الكانطية أخطر من الليبرالية الفجة الصريحة وذلك أنّها في مراحل تقبلها الأخيرة سوف تحول فلسفتها إلى دين بديل لأي دين آخر.
فالمدرسة الليبرالية التابعة لنتشه صريحة في اللّبرلة أي في الحرية وفي رفض الدين بل معاداته وثلبه وإنهاؤه وتقول بنسبية الأخلاق لا بإطلاقها.
والمدرسة الليبرالية التابعة لكانط تقول بالأخذ بالمنظومة الأخلاقية بدل الدينية وتحييد الدين مع عدم إلغائه بل جعله في القلوب فقط دون أن تتعدى حدوده إلى العقل والمعاملات والتشريعات وهذا الأمر يخالف طبيعة الدين وفي هذه الحالة يجب أن تحرفه ليكون مكون من مكونات المجتمع فقط فالدين إمّا أن تعمل به أو تتركه فهو لا يقبل التجزُؤ، ولتوضيح دعوى التنوير فإنّها ترتكز باختصار على إخراج العقل والأخلاق من مفهوم الدين وتعاليمه، أو من التفاعل مع الدين وتحييد الدين وجعله منحصرًا في الاعتقاد والسلوك الخاص دون العقل والسلوك المجتمعي العام كالتشريعات مثلا.
وأمّا نقاط الاتفاق بين المدرستين، فكلتا المدرستين أمام المجتمع نابعة من الاتجاه الفردي وكلتاهما يؤيد الحرية، وفي الاقتصاد فكلاهما يعتمد الرأسمالية، وفي السياسة فتعتمدان الديمقراطية، وأمام الدين فتجدهما يعتمدان العلمانية.
وأمّا سبب انتشار فلسفة "كانط" فراجع إلى عدة عوامل رئيسية:
أوّلها: استغلال أرباب المذهب الفردي لتسلط الكنيسة باسم الدين ليسحبوا البساط رويدًا رويدًا من تحت رجال الدين وليقنعوا بها من لا يزال رافضًا لليبرالية ومتمسكًا بالدين وأنّه مرجع للعقل والتشريع فتتغير بذلك وتمسخ ثقافة أوروبا.
ثانيًا: اتجاه أرباب المذهب الفردي وداعموه في ذلك الزمان إلى تهيئة أوروبا والغرب عمومًا ودفعه إلى السيطرة الثقافية والمادية على العالم ونشر المذهب الفردي على نطاق واسع وخصوصا في المجتمعات الدينية الشرقية خص المسلمة منها لذلك حملت وابتدعت فلسفة كانط مسألة وفكرة (السلام العالمي) المزعومة وذلك لِيتجهوا بالبشرية ظنا منهم إلى نموذج أخلاقي واحد ونموذج عقلي تفكيري واحد متحرر من الدين، وهذا النموذج محال عقلا ونظرة خيالية فضلا عن أن تكون مثالية وقد انتقدها نتشه نفسه وبشدة رافضا لها.
وانسحابًا على هذا فقد كانت فلسفة (إيمانويل كانط) من أهم الأطروحات والفلسفات التي انبثقت عنها منظمة (عصبة الأمم) الدكتاتورية وذلك بعد أكثر من مائة سنة في زمن الحرب العالمية وعصبة الأُمم هذه هي التي فرضت سيطرتها على العالم بحجة وآهية كاذبة خاطئة وهي أنّها تعرف مصلحة البشرية وأنّ العالم غير ناضج و لتُجرّم أي مقاومة وجهاد ضد اعتدائاتهم على العالم وخصوصًا المسلمين.
وكِلا المدرستين الليبراليتين لهما روادهما من العالم العربي والإسلامي، ومن أبرز روّاد مدرسة كانط الليبرالية هم مفكرو ومُنظّرو تنظيم الإخوان ومن دار في فلكهم.
ولقد كان محمد قطب وإن كان هناك أُناس قبله من أوائل الإخوان المسلمين الذين أسسوا لتقبّل نظرية كانط فعلى سبيل المثال عندما يقرر "كانط" أنّ البشرية قد بلغت مرحلة الرشد والنضج العقلي، ويؤسس على ذلك أمرين:
الأوّل: اعتماد المنظومة الأخلاقية كمرجع للمجتمع.
الثاني: تحرر العقل من الدين وخصوصًا في الحياة والتشريع.
ثم يأتي محمد قطب ممهدًا في أطروحاته الفكرية في كتابه جاهلية القرن العشرين وغيره من كتبه فيعلل خاتمية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بأنّ العقل البشري قد صار في مرحلة النضج فإن هذا له ما بعده من حدوث انحراف في العقيدة له تبعات وإلزامات خطيرة تثلب في الأنبياء وأتباعهم قبل محمد صلى الله عليه وسلم وتثلب كذلك في محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم مقارنة بزماننا هذا حيث أننا صرنا نحن البشر حسب هذه المقولة أكثر نضجًا من قبل ألف وأربعمائة سنة وتقرر قول المعتزلة طريقة السلف أسلم وطريقتنا أعلم و أحكم حسب ما تُقرره هذه الفلسفة.
والحقيقة أنّ خاتمية الرسالة أتت بعد إرادة الله بسبب انتشار الشرك، وقرب قيام الساعة قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بين يدي الساعة)، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: (بعثت في نَفَس الساعة)، وقال أيضًا: (بعثت انا والساعة كهاتين واشار بالسبابة والوسطى إن كادت لتسبقني).
ولم يعلل صلى الله عليه وسلم رسالته بأنّ البشرية نضجت في عقلها أكثر مما كانت عليه زمن آدم و نوح وإبراهيم وموسى بما يسمى كذبًا بالعصر الحجري ورجل الكهف... إلخ.
كذلك مما يدل على اعتماد الإخوان فلسفة "كانط" تصريح الرئيس المخلوع محمد مرسي بأن مصر دولة أخلاق أو دولة أخلاقية وليست دولة دينية وذلك في عدة لقاءات وكذلك ما ورد في المادة الحادية عشر من دستور مصر أيام "مرسي".
ومما يدل على تجذّر فلسفة "كانط" في الفكر الإخواني تصريح سلمان العودة في إطروحاته المقالية الموسومة بالديني والمدني بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أقام دولة مدنية ولم يقم دولة دينية أي أنّ دين الإسلام مكون فاعل في المجتمع والدولة وليس مهيمنًا على باقي المكونات المجتمعية ولا حاكمًا لها فللدين وجود لكن بمحدودية وهذا الوضع ترتضيه الليبرالية الكانطية ولا ترتضيه الليبرالية النتشوية، وغيرها من الأطروحات كثير كأُطروحات طارق السويدان والبليهي والقرضاوي في الأخلاق والحرية.
وأكبر دلالة على تبني تنظيم الإخوان لفلسفة كانط الليبرالية هو اهتمامهم المبالغ فيه بالمنظومة الأخلاقية بالمفهوم الكانطي على حساب العقيدة والتوحيد وهذا ما أكّده علماء أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله من أنّ الإخوان المسلمين لا يدعون للتوحيد ولا للعقيدة.
كذلك مناداتهم بإقامة المجتمع المدني وهو مبدأ فردي أمام المجتمع ثم بعد ذلك تجده نتيجة لهذه الفردية يكون رأسمالي أمام الاقتصاد وعلماني أمام الدين وديمقراطي أمام السياسة.
مما سبق يتبين لنا الخدعة التي خَدَع بها تنظيم الإخوان في أطروحاتهم الشعبية وخطبهم السياسية والدينية عامة الناس وانخدع بذلك أيضًا كثير من قادته الحركيين وتلاميذهم وخصوصًا الخليجيين (السروريين) حيث أوهمهم التنظيم بأنه يحارب الليبرالية وأنّه يريد تطبيق شريعة الله وهو يقصد بالليبرالية مدرسة نتشه الصريحة ويريد بالشريعة المبادئ الأخلاقية التي تمنع التعدي على الحريات فقط كتحريم السرقة دون تطبيق حدها الشرعي المنصوص عليه، ولا يمانع في تطبيق عقوبات أخرى كالغرامة مثلا لأن حد السرقة عنده ليس من الشريعة؛ بل هو أمر فرعي فقهي مختلف فيه كما صرّح بذلك الإخواني مرسي العيّاط و كتحريم القتل دون تطبيق حده الشرعي، أمّا باقي الحدود فلا يتعرض أكثرهم لها بل إنّ بعضهم أنكرها وما إقرار أردوغان بالمثلية الجنسية عنّا ببعيد وكذلك ما رتبه الغنوشي في دستور تونس وما ذكره سلمان العودة من أنّ اللواط لا عقوبة دنيوية عليه في الشريعة الإسلامية، على حد زعمه.
ولكن هذا الانخداع الذي جرى على السروريين لم يدم طويلا فانكشفت لهم الحقيقة ونطق بها بعضهم فرجعوا إلى أنفسهم ثم نُكسوا على رؤوسهم فقام بعض السرورية نصرة منه لحزبه وجماعته وألّف في أسلمة الصنم الديمقراطي وقام البعض بتسويغ العلمانية وتسهيلها وأنّ منها ما هو مسالم ومنها ما هو ناعم... إلخ، تحزّبا منهم وذلك لأنّهم تربوا على المذهب الفردي سواء شعروا أو لم يشعروا، ولو أنّ فطرهم سليمة لرجعوا إلى مذهب السلف وتركوا إخوانيتهم وحزبيتهم وكانطيتهم.
إن مفكري تنظيم الإخوان ومن نحى منحاهم لا يتعرضون بالنقد لا لمدرسة كانط و لا لفلسفته الليبرالية لأن لها حضورًا قويًا في فكرهم وتشبعًا بها وخصوصًا في تركيز فلسفة كانط على رفض التبعية الدينية مطلقًا لمن سلف وهذا مطابق لما عند الإخوان المسلمين من رفض مبدأ إلزامية اتِّباع عموم السلف الصالح وبما يُتَرجَمُ عندنا نحن أهل السنة والجماعة بالابتداع؛ وكذلك أيضًا لأنهم قد رتبوا أن يُشرعنوا هذه الفلسفة الليبرالية الكانطية ويجعلوها من الدين، فيكسبوا تأييد الغرب الديمقراطي من جهة وتأييد جمهور العرب والمسلمين من جهة أُخرى وفي آن واحد، فمن ناحية الغرب هي فلسفة ليبرالية معتمدة عندهم و من ناحية جماهير المسلمين هي طريقة شرعية إسلامية، وذلك بعد خداعهم وأسلمة مفرداتها كذبًا وزورًا.
ثم ازداد الأمر وضوحًا فخرجت لنا دعوات فيما بعد أكثر تصريحًا من الحقبة الأولى من أنّ الليبرالية أي الحرية بمفهومهم لا تعارض الدين ثم تطور الأمر إلى أن جعلوا الليبرالية الكانطية مما حث عليه الإسلام باعتبار أنّ الإسلام يهتم بالعقل وبالأخلاق وما علموا أنّ القاعدة تقول أنّ التشابه في الأسماء لا يعني التواطؤ في المعنى فللكانطية مفهومهم السطحي المنحرف في الأخلاق وللمسلمين مفهومهم في الأخلاق وهكذا العقل ولا تشابه أبدًا لكن التلوّن واللعب على الحبلين جعل الإخونج في هذا الموضع الممسوخ.
إن دعوى التنوير ما هي في حقيقتها إلا هجمة أُخرى على الإسلام خطورتها لا تقل خطورة عن الحزبية؛ بل هي تمثل جانبًا قويًا لفلسفة الاتجاه الفردي وترجمة فكرية وعلمية له في أحد مدرستية الليبراليتين، كما أنّ الحزبية ترجمة حركية عملية للاتجاه الفردي سواء بوجهه النتشوي أو الكانطي وكلاهما يخدم الآخر في نهاية المطاف.
مع وجود العقيدة الحزبية إمّا ابتداءً وإما انتهاءً، فمثلا نجد أصحاب الاتجاه الكانطي يتحزبون مباشرة لأنّ الضرورة الأخلاقية والعقلية التي وضعوها بديلاً للدين لها دواعي إجرائية كالتنظيم والقانون حاضرة في فكرهم فيظهر عندهم التحزب أسرع من النتشوية ولكنهم يتخفون بحزبيتهم وراء مصلحة الجماعة ويدّعونها باسم ضياع الحقوق والأخلاق.
فتجد أصحاب هذا الاتجاه الكانطي الحزبي في بداية مشوارهم الحزبي لا يهتمون بالحرية الشخصية بشكل صريح بل يهتمون بترسيخ الحزبية أوّلاً وذلك بالانفصال عن الجماعة باسم ضياع حقوق الجماعة وذلك لتكوين جماعة منشقة ثم بعد ذلك إذا نجح في هذا ورَسّخه أخذ يدعو إلى التنوير والانفلات من الأصول الدينية والمجتمعية التي عليها الجماعة التي انشق عنها وتفسير الأصول بأنها أغلال على العقل وتبعية فيعيب على الجماعة اتباعهم لسلفهم الأول أو يقوم بتأويل الأصول لصالح انشقاقه، فهي - أي الأصول - عنده كهنوتية وتبعية إذا كانت في الدين، وهي تارة عنده على المستوى الاجتماعي تخلف أو مرحلة قديمة، وتارة يسميها على المستوى السياسي دكتاتورية أو انفراد بالسلطة، وخير من يمثل هذا الأمر في زماننا ومجتمعاتنا هي التيارات الحزبية كتنظيم الإخوان أو أي تنظيم سياسي آخر حدث في السابق كالتنظيمات التي كانت تدعم الفكر الناصري أو البعثي أو القومي مثلا.
وفي بُعد آخر من التحرك تجد الليبرالي النتشوي الصريح يبدأ بدعوته الليبرالية فكرًا لا تحزبًا عمليًا لأن عنصر الحرية الشخصية حاضر في فكره فلا يريد أن يرتبط برابط يعارض مبدأ الحرية عنده؛ لكنه بعد ترسيخها والاطمئنان عليها يتجه بها إلى الحزبية ويحاول أن يصطنع الحزبية حتى في المجتمعات التي قبلت الفكر الليبرالي التنويري.
ومن خلال الكشف عن هذا البعد يتبين لك كيف يتخادم الحزبيون حتى ولو كانت بينهم صراعات فكرية فهم في نهاية المطاف سواء كانوا من أتباع كانط أو ليبراليون صريحون من أتباع نتشه فرديون والصراعات الفكرية هذه هي اختلاف على الشكل الذي يُقدم فيه الاتجاه الفردي إما بشكله الليبرالي الأخلاقي (التنويري) أو بشكله الليبرالي (غير الأخلاقي)، وليس الخلاف بينهم على ذات الاتجاه ومن دلائل ذلك ومظاهره التخادم الإعلامي وهو ما يسبب ظاهرة الفصام الإعلامي عندنا من الترويج للفكر الإخواني كمدح الليبراليين الذين يمثلون نتشه وسارتر لأردوغان الذي يمثل الليبرالية الكانطية والتي تبنّاها الفكر الإخواني، ومن الذين مدحو أردوغان هو الليبرالي السارتري تركي الحمد وكذلك قيام بعض المؤسسات الإعلامية ذات الطابع التحرري بتقديم رموز تنظيم الإخوان كمصلحين ومفتين الخ في قنواتها وانهم يقدمون (الرسالة)!؟.
ومن أوجه التخادم بين الإخوان والليبراليين هو ما يحدث في مجتمعنا من تقارب بين الاتجاهات الفكرية من تنظيم الإخوان الكانطي والليبرالية الصريحة، فمن أوجه التقارب أنّ كثير من ذوي الاتجاه الإخواني الكانطي وفي مراحل إعلان حقيقته الكانطية تجد أنّ عنده استعداد فكري وإيماني أن يعلن ليبراليته الكانطية بوجهها التحرري بل ويمدح الليبرالية الصريحة النتشية ويجتمع برموزها ويثني عليهم ولا أن يكون سلفيًا أو يمدح أو يثني على السلفيين كما هم السلفيون على حقيقتهم.
وما مدحهم لكثير من الليبراليين في السعودية واجتماعهم بهم عنا ببعيد وظهور ذلك إعلاميًا.
والسبب في حدوث ذلك هو الأساس الذي يجمع الحزبيين ألا وهو الاتجاه الفردي بل سيتطور الأمر إلى أكثر من ذلك في رحلة هؤلاء جميعًا في الضلال سواء بأعيانهم أو باتجاههم على مر السنين مع أن الصورة الخادعة الظاهرية للإخوان أنّهم يدعون إلى الإسلام والحكم به… إلخ، لكن يأبى الأساس الفردي لهم إلّا أن يمشوا في سياقاته العلمية (الليبرالية) كما مشوا من قبل في سياقاته وقوالبه العملية (التحزب).
وها نحن نشهد الإنكشاف الإخواني الفكري الخليجي والذي بدت مظاهره في إظهار تقبل الديمقراطية والعلمانية وجميع الاتجاهات الفكرية التي تخدم وتصب في الاتجاه الفردي الليبرالي الكانطي مع معاداتهم للسلفيين؛ فتجده مؤيدًا لأردوغان الذي يؤيد فلسفة كانط ومؤيدًا لراشد الغنوشي الكانطي العلماني ويترك الثناء على السعودية ذات المنهج السلفي وقادتها المصلحون سواء ملوكها أو علمائها؛ وقد بدأ هذا الانكشاف قبل ثورات ما يسمى بالربيع العربي بِعِدَّةِ سُنيّات.
كذلك وعلى صعيد موازي متناغم بدأ الاتجاه الليبرالي النتشوي الصريح بالتحزب وتكوين جبهات معارضة تتبعه لها علاقات بمؤسسات ليبرالية بحته خارج الدولة بما يسمى بالمنظمات الحقوقية وذلك عن طريق السفارات وما أدراك ما السفارات.
وفي النهاية سوف يشكل الليبراليون النتشويون الصريحون والإخوان الكانطيون كتلة واحدة ثقافية وإن اختلفت أشكالها وكتلة حزبية واحدة وإن تعددت أحزابها لكنك تجد مفهوم التحزب قد ترسخ لديهم وهذا ما يريده الاتجاه الفردي أن يُرسّخ في المجتمعات مفهومه العلمي أو الثقافي وهو التنويري ومفهومه العملي وهو التحزب أو ثقافة التحزب؛ فتُحارب أصول المجتمع وقيمه ودينه ومن ذلك صور الحكم خصوصًا الملكي منها وتحويلها في أحسن أحوالها إلى ملكية دستورية لا حول لها ولا قوة.
إنّ دعوى التنوير واللّبرلة التي اشتدت هذه الأيام في مجتمعنا ما هي في الحقيقة إلا إكمالا للدور الفردي الحزبي وإدخال من يرفضون فكرة الحزبية في حيّز الاتجاه الفردي ليقتنعوا ولو بعد حين بثقافة التحزب والحرية المزعومة بل تجد من حيلهم في جمع الأنصار أنّ التنويري في طرحه الثقافي يسب ويلعن الثوب الحزبي القديم وكأنه يحارب الحزبية؛ ولكنه في الحقيقة لا يطالب بذهاب الحزبية بل بتغيير جلدها فقط مع بقاء أصلها وهذا هو بيت القصيد التنويري فَيُظهِرُ هذا الجلد القديم بما يخدم الاتجاه الفردي فيصور الجلد القديم بأنّه كهنوتي إذا كان في ناحية الدين أو يصفه بالتخلف إذا كان في ناحية الدعوة للمجتمعية الملتزمة أو يصفه بالاستبداد إذا كان في الناحية السياسية كما فعل ذلك أحدهم عندما ألّف كتابًا يمدح نفسه بأنه صار تنويريًا بعد ان كان تابعًا للإخوان وهو يعيش الآن في الإمارات.
لقد وجدنا أنّ أشد الناس عداء للتنويريين والحزبيين حتى على المستوى السياسي هو السلفي ومن أوجه ذلك أن السلفية تقر بالملكية والنبي صلى الله اليه وسلم بشر بها حيث قال: (ثم يكون ملكا ورحمة) هذا غير الآيات القرانية التي تحكي الملكية أنّها حالة طبيعية يجب التعامل معها بناءً لا هدمًا بخلاف موقف الاتجاه الفردي الحزبي من الملكية ألا وهو الرفض .ا.هـ
نخلصُ فيما سبق إلى عدة أمور:
أوّلاً: أنّ تنظيم الإخوان يعتمد مدرسة إيمانويل كانط الليبرالية في نظرته للحياة وفي عقيدته السياسية (الأيدلوجية) وفي نفس الوقت يعادي الليبرالية التي تنتمي إلى مدرسة نتشه وسارتر.
ثانيًا: أنّ تنظيم الإخوان خدع جماهير الأمة ذات الفطرة الدينية وخدع جملة من علماء الأمة بل خدع كثير من أتباعه وأوهمهم أنّه يحارب الليبرالية وإنّما كان يحارب في الواقع مدرسة نتشه وسارتر فقط.
ثالثًا: أن التخادم الفكري والإعلامي موجود بين الليبراليين الصريحين وبين الإخوان الكانطيين وذلك للأساس (الفردي) الذي يجمعهم فالإختلاف بينهم شكلي لكنه حقيقي وليس بوهميّ وهو على كل حال ليس بخلاف أصولي.
رابعًا: محاولة التيار الليبرالي بل استماتته بمدرستيه في إقناع القيادة السعودية بفلسفته الفاشلة لكي يتبنّاها بدل دعوة التوحيد.
خامسًا: محاولة التيار الإخواني شرعنة الليبرالية الكانطية.
سادسًا: أشد أعداء الاتجاه الليبرالي بمدرستيه النتشية والكانطية هي السلفية.ا.هـ
اقرأ المزيد
فإن بعض الجهلة ردّا على الإخوان المسلمين قد ينكر مشروعية الخلافة العامة، وهذا من مقابلة البدعة بالبدعة، والخطأ بالخطأ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مزيدًا إلى يوم الدين
الغزو الثقافي والفكري يُعيد صياغة الأسرة المسلمة العربية بوسائله الحديثة، فتقفز على الشاشات المسلسلات الدرامية التركية وغيرها
لا يفتأ دعاة التغريب يحاولون النَّيل من ثوابت الدِّّين وقيم المجتمعات والدُّول المسلمة؛ ويمَنُّون أنفسهم بأن يروها وقد استبدلت الأدنى بالذي هو خير
فإنَّهُ لَا يخفَى علَى كلِّ مُسلمٍ ومسلمةٍ مكانةَ السنَّةِ النبويةِ وحجّيتَهَا وشرفَهَا، فإنَّ شرفَهَا منْ شرفِ صاحبِهَا -صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليْهِ-، ومَنْ تأمَّلَ طريقةَ القرآنِ
فالمتأمل في بعض الشخصيات القلقة وبرزوها في التاريخ الإسلامي قد تظهر له جوانب أخرى في حياتها