التكامل والمساواة في المذهب الباطني الليبرالي.. علاقة الحاكم بالمحكوم أنموذجًا (2)
بقلم - عبدالله بن محمد الشبانات
كما أسلفت في الجزء الأول من المقال والذي كان بعنوان (تحريف الأصول) أنّ علاقة التكامل هي العلاقة الاجتماعية الأصيلة وأنّ علاقة المساواة علاقة جزئية مؤقتة إجرائية وليست علاقة جوهرية كالعدل؛ لذلك استخدمت الفردية الليبرالية معنى المساواة كمبدأ جوهري.
وفي المقال السابق كان الكلام عن الاتجاه الفردي في علاقة الرجل بالمرأة، وهنا نتكلم عن علاقة الحاكم بالمحكوم انطلاقًا من دعوى المساواة التي رفع رايتها الاتجاه الفردي رفعًا يخالف طبيعتها؛ فحدّث ولا حرج من افتراض العدائية والتخوين بين الحاكم والمحكوم وجعل هذه الحالة التوترية هي الأصل.
وأهم أمر ابتدعه الاتجاه الفردي في علاقة الحاكم بالمحكوم هو التأصيل لمبدأ الثورة وهي أعلى حالات التوتر وجعلها وكأنّه من الممكن صناعتها وهذا أمر مستحيل، لأنّ الثورة التي تحدث على الحقيقة أمر كوني وليس أمر شرعي أو تراتيبي هذا لمن فقه وترك عنه الأحلام.
فالاتجاه الفردي الليبرالي بمدرستيه الكانطية والنتشوية هو من غرس ثقافة الثورات ونمّاها، وجعل الثورة الفرنسية نموذجًا يحتذى به في العالم تمهيدًا لتكوين نموذج حضاري موحد بزعمه ذا اتجاه فردي يعتمد على حالة من التوتر بين الحاكم والمحكوم تقوم على التخوين وانتظار الفرص للانقضاض على السلطة وتفتيتها بمعاول الأحزاب وجماعات الضغط مما يتسبب في تشرذم المجتمع وتوقف التنمية الحقيقة.
وكما أوجد الاتجاه الفردي نظامًا أُسريّا مِثليّا يتساوى فيه الطرفين تساويًا ماديًا ساذجًا فقد أوجد نظام حكم مِثليّ يتساوى فيه الطرفين الحاكم والمحكوم تساويًا ماديًا سمجًا، فالمثلية هنا أو هناك كلها تنطلق في تكوينها من نفس المبدأ ألا وهو المساواة فالمساواة بلا شك تقتضي المثلية بداهةً.
وهذا الكلام ليس سفسطة؛ بل كلام عقلي ناشئ من نفس المنطلق باعتبار أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم تنطلق من المساواة وأنهما مثل بعضهما البعض فلا سمع ولا طاعة ملزمة على المحكوم للحاكم؛ فحال الحاكم مع المحكوم كما الحال بين أفراد المجتمع، فإنه لا سمع ولا طاعة ملزمة بينهم باعتبارهم أفرادًا فالحاكم والمحكوم مثل بعضهم البعض على هذا المبدأ كما في النظام الأُسري المِثليّ وبما أنّ التنمية الأُسرية قد تعطلت بوجود النظام الأُسري المثلي فقد تعطلت التنمية الوطنية بوجود النظام الديموقراطي المثليّ.
إن المِثلية الجنسية والمثلية السياسية تلجيء المجتمع إلى زاوية الشلل ثم الموت بسبب تفعيل أمور في غير موضعها .
إننا نرى الأنظمة الديمقراطية تدعم المثلية الجنسية الأسرية لأن المنطلق والمشترك واحد بين المثلية الجنسية والمثلية السياسية، وهو المنادة بالمساواة فكلاهما يقضي بمبدأ المثلية والمساواة؛ لذلك نجد الحزبيين من ليبرال وإخوان وغيرهم يؤيدون ويؤكدون على المساواة بين الحاكم والمحكوم أي المثليّة السياسية ولا يجدون غضاضة في دعم المثلية الأُسرية كما حدث ويحدث في تركيا على يد أردوغان الإخواني.
بينما نجد الاتجاه الفردي يرفض المثلية الاقتصادية لأنّها لا تخدمه أبدًا ولأنّها تدخله في تناقض في مبدأه؛ فلا يمكن التوفيق بين الحرية في رأس المال وبين مبدأ المساواة ولأنّ النخبة التي ترعى الاتجاه الفردي وتقوم عليه سوف تتضرر إذا أقرّت مبدأ المثلية في الاقتصاد، ولا أقصد بالمثلية الاقتصادية الشيوعية بتطبيقها العملي فهذا موضوع آخر.
إذًا كيف ينادون بمبدأ المساواة في المجتمع ونشطاته وعندما أتينا إلى الاقتصاد رفض المبدأ الفردي تلقائيًا المِثليّة فيه مع أنّ النشاط الاقتصادي هو أهمّ نقطة يجب أن تفعّل فيه عملية المساواة حسب الفلسفة الفردية لأنّه أكثر الأنشطة التي يدخلها الظلم والتعدي فضلا عن أنّ الاقتصاد من أهم نشاطات المجتمع كالنشاط الأُسري والنشاط السياسي مما يدل دلالة عقلية واقعية على تناقض المبدأ الليبرالي الفردي بمدرستيه فلا يستطيع السير والتوفيق بين أصوله المتناقضة فضلاً عن تطبيقها عمليًا، وعندما تتعارض مبادئ وأصول المذهب الواحد فاعلم أنّه مذهب فاشل منهار.
نخلص مما سبق:
أولاً: أنّ علاقة التكامل هي العلاقة الأساس والفطرية التي تسري في المجتمع بين أجزائه ومفاصله.
ثانيًا: أنّ المساواة ما هي إلّا إجراء في جزء يسير من علاقة التكامل.
ثالثًا: أنّ علاقة المساواة أنتجت لنا المثلية الجنسية الأُسرية وأنتجت لنا أيضًا المثلية السياسية.
رابعًا: إنّ من تناقضات المذهب الفردي الليبرالي أنّ مبدأ المساواة لا يمكن تطبيقه اقتصاديًا لأنّه كما يزعمون يتعارض مع الحرية التي ينادون بها فكيف جاز في الأسرة والسياسة ولم يجز في الاقتصاد!؟، مع أنّ التعاملات الاقتصادية هي أكثر التعاملات الاجتماعية التي يدخلها الظلم والتعدي، ولكن السبب واضح وهو أنّ المذهب الفردي مذهب ناقص منتاقض في نفس الوقت وهذه هي قمّة الفشل. أ.هـ
اقرأ المزيد
لا يفتأ دعاة التغريب يحاولون النَّيل من ثوابت الدِّّين وقيم المجتمعات والدُّول المسلمة؛ ويمَنُّون أنفسهم بأن يروها وقد استبدلت الأدنى بالذي هو خير
لا شك أن الأحداث الجسام على وجه الأرض، وتفاعل التكوين البشري معها يكشف عن الترتيب الحقيقي للقِيم أمام أعينهم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فهذه أجوبة على أسئلة تتعلق بما أفتينا به من جواز الصلح مع اليهود وغيرهم من الكفرة صلحا مؤقتا أو مطلقا
إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين الطاعنين والمشككين في سنة سيد المرسلين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
رد مركز تفسير الإسلام على التصريحات المغلوطة التي أدلى بها "علي الهويريني" خلال برنامج الليوان حول تفسير حقيقة العبادة.