السنة والأمن الفكري.. صحيحُ البخاريِّ أنموذجًا


كتبه - عيسى بن حمد الشامسي

 

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى أشرفِ المرسلينَ محمَّدٍ، صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ:

 

فإنَّهُ لَا يخفَى علَى كلِّ مُسلمٍ ومسلمةٍ مكانةَ السنَّةِ النبويةِ وحجّيتَهَا وشرفَهَا، فإنَّ شرفَهَا منْ شرفِ صاحبِهَا -صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليْهِ-، ومَنْ تأمَّلَ طريقةَ القرآنِ فِي تعظيمِ السنَّةِ فإنَّه يظهرُ لهُ جليًّا -وبدونِ أدنَى ريبٍ- أنَّ التمسُّكَ بهَا والعملَ بهَا هوَ بَرُّ الأمانِ، وسببٌ عظيمٌ للنجاةِ مِنَ النيرانِ وغضبِ الديَّانِ، منْ ذلكَ قولُهُ –تعالَى-: ﴿يأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات:١].

 

قالَ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ- فِي تفسيرِهِ لهذِهِ الآيةِ [١/٧٩٩]: " فأمَرَ اللهُ عبادَهُ المؤمنينَ بمَا يقتضيهِ الإيمانُ باللهِ وبرسولِهِ؛ منَ امتثالِ أوامِرِ اللهِ، واجتنابِ نواهيهِ، وأنْ يكونُوا ماشينَ خلْفَ أوامرِ اللهِ، مُتَّبعينَ لسنَّةِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- فِي جميعِ أمورِهِمْ، وأنْ لَا يُقدِّمُوا بينَ يديِ اللهِ ورسُولِهِ، ولَا يقولُوا حتَّى يقولَ، ولَا يأمُرُوا حتَّى يأمُرَ، فإنَّ هذَا حقيقةُ الأدبِ الواجبِ معَ اللهِ ورسولِهِ، وهوَ عنوانُ سعادةِ العبدِ وفلاحِهِ، وبفواتِهِ تفوتُهُ السعادةُ الأبديَّةُ والنعيمُ السرمديُّ، وفِي هذَا النهيِ الشديدِ عنْ تقديمِ قولِ غيرِ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- علَى قولِه فإنَّهُ متَى استبانتْ سُنَّةُ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- وجبَ اتِّباعُهَا، وتقديمُهَا علَى غيرِهَا، كائنًا مَا كانَ." اهـ

 

وقولُهُ –تعالَى-: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ومعنى عزروه أي: عظموه ووقروه. [الأعراف:١٥٧].

 

وقولُهُ –تعالَى-: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:٥٦].

 

وقولُهُ –تعالَى-: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران:٣١]، قالَ ابنُ كثيرٍ -رحمَهُ اللهُ- فِي تفسيرِ هذِهِ الآيةِ: " هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ حَاكِمَةٌ عَلَى كُلِّ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، حَتَّى يَتَّبِعَ الشَّرْعَ الْمُحَمَّدِيَّ وَالدِّينَ النَّبَوِيَّ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَحْوَالِهِ " اهـ.

 

وقالَ -عليْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى. قِيلَ: وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فقدْ أَبَى»(1)، رَوَاهُ البُخَارِيُّ منْ حديثِ أبِي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنْهُ-.

قالَ الإِمامُ مالكُ بنُ أَنسَ -رحمَهُ اللهُ تعالَى-: "السنَّةُ سَفينةُ نوحٍ، مَنْ رَكبَهَا نجَا، ومَنْ تَخَلّفَ عنَهَا غَرِقَ" «مفتاحُ الجنَّةِ فِي الاعتصامِ بالسنَّةِ» للسيوطي.

فهذِهِ الآياتُ والأحاديثُ قاضيةٌ بحجّيّةِ السنَّةِ ومكانتِهَا، واللهُ –تعالَى- قدْ تكفَّلَ بحفظِ القرآنِ والسنَّةِ، فأمَّا حفظُ القرآنِ ففِي قولِهِ –تعالَى-: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:٩]، وكلمةُ الذِّكرِ تشملُ القرآنَ وتشملُ السنَّةَ النبويةَ، فقدْ حفظَ اللهُ القرآنَ منَ التحريفِ والتبديلِ والزيادةِ والنقصانِ، وحفظَ السنَّةَ أيضًا بأنْ قيَّضَ لهَا العلماءَ والحفظَةَ والجهابذَةَ، وجعلَ اللهُ التحاكُمَ إلَى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- منْ لوازمِ الإيمانِ، حيثُ قالَ -سبحانَهُ وتعالَى-: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:٦٥]، وقالَ –تعالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء:٥٩].

 

فإذَا تقرَّرَ ذلكَ فاعلَمْ -أيُّهَا الأخُ المُوفَّقُ- أنَّ الشريعةَ جاءتْ لحفظِ مصالحِ الناسِ، وذلكَ فِي حفظِ دينِهِمْ ودُنياهمْ، وهذَا ما يُسمَّى بالأمنِ، ولمَّا كانَ الأمنُ لَهُ فروعٌ وشُعبٌ وتقسيماتٌ، فإنِّي سأتناولُ نوعًا منْ أنواعِهِ، وهوَ الأمنُ الفكريُّ الذِي يُعدُّ منْ أهمِّ الأنواعِ؛ وذلكَ لأنَّ الإنسانَ تبَعٌ لأفكارِهِ وتوجّهَاتِهِ وقناعاتِهِ، ولذَا فإنَّ حمايةَ أفكارِ الناسِ وإزالةَ الأذَى الفكريِّ عنْهُمْ لَا يقلُّ أهميةً عنْ إزالةِ الأذَى منْ طريقِهِمْ، بلْ إنَّ الأوَّلَ أوجبُ وأخطرُ، وحاجةُ الأمَّةِ إليْهِ أشدُّ.

 

ولَا يتحقَّقُ ذلكَ إلَّا باتَّباعِ الكتابِ والسنَّةِ، ومَنْ تأمَّلَ سورةَ (قُرَيْشٍ) يَجِدُ أنَّ اللهَ –تعالَى- ذكَّرَهُمْ بنعمةِ الأمنِ حيثُ قالَ: ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ١ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ٢ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ٣ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ٤﴾، فأمَرَهُمْ بعبادَتِهِ؛ لأنَّهُ هوَ الَّذِي أعطاهُمُ الأمنَ، وقدْ جاءتْ هذِهِ السورةُ بعدَ سورةِ الفيلِ التِي ذكرَ اللهُ فيهَا قصَّةَ إهلاكِهِ للجيشِ الذِي أرادَ هدْمَ الكعبةِ، وخوَّفَ قريشًا ومَنْ كانَ فِي مكَّةَ، وزعزعَ الأمنَ فيهَا.

 

تذكيرُ اللهِ -جلَّ وعلَا- لقريشٍ بنعمةِ الأمنِ يدلُّ علَى أنَّ نعمةَ الأمنِ مِنْ أعظمِ النعمِ التِي يُمكنُ أنْ يحظَى بهَا الإنسانُ، ولِذَا قالَ اللهُ عنْ إبراهيمَ -عليْهِ السَّلامُ-:﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة:١٢٦]، حيثُ طلبَ منْ ربِّهِ أنْ يجعلَ البيتَ آمنًا، ويرزقَ أهلَهُ مِنْ أنواعِ الثمراتِ.

 

وحفظُ الأمنِ الفكريِّ لَهُ أُسُسٌ وأسبابٌ وركائزُ، فمِنْ أُسُسِ حِفْظِ الأمنِ الفكريِّ المصدرُ العلميُّ الموثوقُ بِهِ، ولَا يُوجدُ أوثقُ منَ الكتابِ والسنَّةِ، فهُمَا صمامُ الأمانِ للأمَّةِ، ولمَّا كانَ هذَا المقالُ مَوسومًا بالسنَّةِ والأمنِ الفكريِّ فإنِّي سوفَ أذكُرُ للقارئِ الكريمِ أهميةَ السنَّةِ النبويةِ وإسهاماتِهَا فِي حفظِ الأمنِ الفكريِّ، وقدِ اخترتُ كتابَ صحيحِ البخاريِّ لننقلَ منْهُ الأحاديثَ النبويةَ التِي تحفظُ أفكارَ الناسِ منَ الغلوِّ والتشدُّدِ ومنَ التفريطِ بدينِ اللهِ –تعالَى-.

 

لقدْ بيَّنَّا حفظَ اللهِ للسنَّةِ، وذكرْنَا أنَّ اللهَ خلقَ رجالًا يَهتمّونَ بِهَا، ويُسافرونَ منْ أجلِ سماعِ الأحاديثِ، ومنْ تِلكُمُ العلماءِ الذينَ دوَّنُوا السنَّةَ، وسافَرُوا فِي سبيلِ تحصيلِهَا وجمعِهَا ومعرفَةِ صحيحِهَا منْ سقيمِهَا الإمامُ الفذُّ مُحمَّدُ بْنُ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ بنِ المغيرةَ البخاريُّ الجعفيُّ، المولودُ سنةَ أربعٍ وتسعينَ ومائةٍ، والمتوفَّى سنةَ ستٍّ وخمسينَ ومائتينِ منَ الهجرةِ النبويةِ الشريفةِ، وكانَ يُلقَّبُ بأميرِ المؤمنينَ فِي الحديثِ، حيثُ قامَ بجمعِ أحاديثَ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- فِي كتابِهِ المسمَّى "الجامعُ المُسندُ الصحيحُ المُختصرُ منْ أمورِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- وسنُنُهُ وأيامُهُ"، وقدْ أثنَى العلماءُ علَى كتابِهِ، وأجمعُوا علَى أنَّهُ أصحُّ كتابٍ بعدَ القرآنِ الكريمِ، وقدْ ضمَّ هذَا الكتابُ جملةً منْ أحاديثِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- فِي كلِّ مجالاتِ الحياةِ، ومنْهَا الأحاديثُ المتعلِّقةُ بالأمنِ الفكريِّ، وسأعرضُ للقارئِ الكريمِ بعضًا منْ هذِهِ الأحاديثِ التِي جاءَ ذكرُهَا فِي صحيحِ البخاريِّ -رحمَهُ اللهُ رحمةً واسعةً، وجزاهُ اللهُ عنِ الإسلامِ والمسلمينَ خيرًا.

 

الحديثُ الأوَّلُ: عنِ ابنِ عُمرَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-: «لنْ يزالَ العبدُ فِي فُسحةٍ منْ دينِهِ مَا لَمْ يُصبْ دمًا حرامًا» (2)، رواهُ البخاريُّ (6862)، يُستفادُ منْ هذَا الحديثِ أنَّ السنَّةَ النبويةَ تُعظّمُ الدماءَ المعصومةَ البريئةَ.

الحديثُ الثانِي: عنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنْهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-: «أوَّلُ مَا يُقضَى يومَ القيامةِ بينَ الناسِ فِي الدماءِ»(3)، رواهُ البخاريُّ (6533)، يُستفادُ منْهُ تعظيمُ حُرمةِ الدَّمِ فِي الإسلامِ.

 

الحديثُ الثالثُ: عنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو، عنِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- قالَ:  «مَنْ قتلَ مُعاهدًا لَمْ يُرَحْ رائحةَ الجنَّةِ، وإنَّ ريحَهَا لَيوجدُ منْ مسيرةِ أربعينَ عامًا»(4)، أخرجَهُ البخاريُّ (3166)، يُستفادُ منْهُ حُرمةُ دماءِ وأعراضِ وأموالِ غيرِ المسلمينَ مِمَّنْ يُسالمونَ المسلمينَ أوْ مِمَّنْ يعيشُ معَهُمْ.

 

الحديثُ الرابعُ: عنْ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ -رضيَ اللهُ عنْهُمَا- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-: «مَنْ حملَ علينَا السلاحَ فليسَ منَّا» (5)، أخرجَهُ البخاريُّ (6874)، يُستفادُ منْهُ تحريمُ رفعِ السلاحِ فِي وجوهِ الناسِ.

 

الحديثُ الخامسُ: عنِ ابنِ عبَّاسٍ -رضيَ اللهُ عنْهُمَا- أنَّ عُمرَ بنَ الخطابِ قالَ: «مَنْ بايَعَ رجلًا منْ غيرِ مشورةٍ منَ المسلمينَ فلَا يتبايعْ هُوَ ولَا الذِي بايَعَهُ» (6)، أخرجَهُ البخاريُّ (6830)، يُستفادُ منْهُ تحريمُ إنشاءِ أحزابٍ أوْ جماعاتٍ سريةٍ، وأنَّ البيعةَ تكونُ لأهلِ الحلِّ والعقْدِ.

 

الحديثُ السادسُ: عنْ عائشةَ بنتِ أبِي بكرٍ -رضيَ اللهُ عنْهَا وعنْ أبيهَا- قالَ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-: «مَنْ أحدَثَ فِي أمرِنَا هذَا مَا ليسَ منْهُ فهوَ ردٌّ» (7)، أخرجَهُ البخاريُّ، يُستفادُ منْهُ الحرصُ علَى سلامةِ أفكارِ الناسِ، وذلكَ بالحذَرِ منَ البدعةِ وأهلِهَا.

 

الحديثُ السابعُ: عنْ أبِي موسَى الأشعريِّ -رضيَ اللهُ عنْهُ- قالَ: كانَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- إذَا بعثَ أحدًا منْ أصحابِهِ فِي بعضِ أمرِهِ قالَ: « يسِّرُوا ولَا تُعسِّرُوا وبشِّرُوا ولَا تُنفِّرُوا» (8)، أخرجَهُ البخاريُّ، يُستفادُ منْهُ أنَّ الإنسانَ يُبشِّرُ الناسَ بالخيرِ، ولَا يُدخلُ علَى قلوبِهِمْ الرُّعْبَ، وينهَى عنِ التنفيرِ والتعسيرِ، إنمَا هيَ البشارةُ والتيسيرُ.

 

الحديثُ الثامنُ: عنْ أبِي هريرةَ، عنْ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- أنَّهُ قالَ: «مَنْ أطاعَنِي فقدْ أطاعَ اللهَ، ومَنْ عصانِي فقدْ عصَى اللهَ، ومَنْ أطاعَ الأميرَ فقدْ أطاعَنِي، ومَنْ عصَى الأميرَ فقدْ عصانِي» (9)،  أخرجَهُ البخاريُّ، يُستفادُ منْهُ الأمرُ بطاعةِ وُلاةِ أمورِ المسلمينَ وعدمُ الخروجِ عليْهِمْ.

 

الحديثُ التاسعُ: عنْ أبِي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنْهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «مَنْ تَردَّى مِنْ جَبلٍ، فقتلَ نفسَهُ؛ فهوَ فِي نارِ جهنَّمَ، يتردَّى فيهَا خالِداً مُخَلَّداً فيهَا أبَداً، ومَنْ تَحسَّى سُمّاً، فقتَلَ نفْسَهُ؛ فسُمُّهُ فِي يدِهِ يتَحسَّاهُ فِي نارِ جَهنَّمَ خالِداً مُخلَّدًا فيهَا أَبَداً، ومَنْ قتلَ نفسَهُ بحديدةٍ؛ فحَديدتُهُ فِي يدِهِ يتَوجَّأُ بِهَا فِي نارِ جَهنَّمَ خالدًا مخلدًا فيهَا أبَدًا» (10)، رواهُ البخاريُّ، يُستفادُ منْهُ تحريمُ الانتحارِ والحفاظُ علَى النفسِ.

 

الحديثُ العاشرُ: عنْ أبِي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنْهُ-؛ أنَّ رسولَ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: «لا يُشِرْ أحدُكمْ علَى أخيهِ بالسِّلاحِ؛ فإنَّه لَا يَدْرِي لعلَّ الشيْطانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النارِ» (11)، رواهُ البخاريُّ، يُستفادُ منْهُ عدمُ جوازِ أنْ يُشيرَ الإنسانُ علَى أخيهِ بحديدةٍ أوْ مسدسٍ أوْ بآلةٍ حادةٍ مؤذيةٍ؛ حتَّى لَا يقعَ مَا لَا يُحمدُ عُقباهُ.

 

وفِي خاتمةِ القولِ أقولُ: يجبُ عليْنَا أنْ نفخرَ بهذَا الكتابِ، وبكلِّ كتابٍ منْ كتُبِ السنَّةِ، ويجبُ علينَا أنْ نُعظّمَ السنَّةَ، كمَا يجبُ علَى مَنْ يعملُ فِي حفظِ الأمنِ الفكريِّ أنْ يقرأَ فِي السنَّةِ النبويةِ، ويستخرجَ الأحاديثَ الخاصةَ بحفظِ أمنِ الناسِ فِي دينِهِمْ واقتصادِهِمْ وصحتِهِمْ وأُسرِهِمْ وأعراضِهِمْ.

 

وفَّقَ اللهُ الجميعَ لِمَا يُحبُّهُ ويرضَاهُ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ علَى نبيِّنَا مُحمَّدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ.

 

(1)  صحيح البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب: الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم: (6851).

(2) صحيح البخاري كتاب الديات باب: قول الله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم برقم: (6862).

(3) صحيح البخاري كتاب الرقاق باب: القصاص يوم القيامة برقم: (6533).

(4)  صحيح البخاري كتاب الديات باب: إثم من قتل ذميًا بغير جرم برقم: (6516).

(5) صحيح البخاري كتاب الفتن باب: من حمل علينا السلاح فليس منا برقم: (6659).

(6) صحيح البخاري كتاب الحدود باب: رجم الحبلي من الزنا إذا أحصنت برقم: (6830).

(7) صحيح البخاري كتاب الصلح باب: إذا اصطلحوا على صلح جور، فالصلح مردود برقم: (2550).

(8) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب العلم ـ مع فتح الباري (1/163) ومسلم كتاب الجهاد (3/1358) وأحمد (3/131، 209).

(9) صحيح البخاري كتاب الأحكام باب: قول الله تعالى و أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم برقم: (6718).

(10) صحيح البخاري كتاب الطب باب: شرب السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث برقم: (5442).

(11)  صحيح البخاري كتاب الفتن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من حمل علينا السلاح فليس منا برقم: (6661).

اقرأ المزيد

الموقف الشرعي من دعوات المساواة في الميراث بين الذكور والإناث

لا يفتأ دعاة التغريب يحاولون النَّيل من ثوابت الدِّّين وقيم المجتمعات والدُّول المسلمة؛ ويمَنُّون أنفسهم بأن يروها وقد استبدلت الأدنى بالذي هو خير

أهل الشوكة وخرم الانتخابات

من فطرة الله أنّ المجتمع البشري يتكون من عدة أجزاء وأعضاء وذلك لتحقيق سنة التكامل

عضو هيئة تدريس بجامعة "الإمام" يدحض الشبهات المثارة ضد الدعوة السلفية

دحض الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن ريس الريس، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الشبهات العصرية المثارة لتشويه الدعوة السلفية

ننشر أجوبة الإمام "ابن باز" على أسئلة حكم الصلح مع اليهود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فهذه أجوبة على أسئلة تتعلق بما أفتينا به من جواز الصلح مع اليهود وغيرهم من الكفرة صلحا مؤقتا أو مطلقا

العنصر النشط.. دراسة مختصرة في السلوك البدعي

نجد لكل دعوة منحرفة على وجه الأرض عناصر وعوامل نشطة متغيرة تؤثر على سير هذه الدعوة أو تلك وتحرف وتُحرّف مقصدها وعنوانها الكبير والذي في الغالب يكون ظاهره الحق.

الشيخ "العتيبي" يوضح مفهوم "السلفية الحقة" المتمثلة في التمسك بالكتاب والسنة

أوضح الشيخ وجب بن علي العتيبي، المستشار بوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية، مفهوم السلفية الحقة المتمثلة في التمسك بالكتاب والسنة.

تعليقات


آخر الأخبار