تحقيق التوحيد.. وقفات مهمة مع الْيَوْمَ الوطني


بقلم – فضيلة الشيخ منصور العضيلة

 

إن الحمد لله نحمده ونستعيه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وآله وصحابته أجمعين؛ نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف لنا من الدين الغمة وجاهد في الله حق جهاده أما بعد..

 

أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، وتقوى الله أمر عظيم لأن حقيقته أن تطيع أمر الله في جميع أحوالك على نور من الله ترجو ثوابه، وأن تترك معصية الرب في جميع أحوالك وتقلباتك، وتخشى عقابه على علم ونور من الله جل وعلا.

 

إن قلب المؤمن لا يصلح إلا بتعظيم الله جل وعلا، ولا يثبت على الإيمان أو يستقيم على ذلك إلا بتوحيد الله عز وجل؛ فكلما قوي العبد في إخلاصه لله وتوحيده لربه وفي تحقيقه الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله؛ ثبت على الإيمان ونفى تسويل الشيطان وكان قيامه في عقد الإيمان قيامًا قويًا صحيحًا.

 

أمر الله عز وجل عباده بتحقيق التوحيد الخالص وبإخلاص الدين لله: (قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصًا له الدين ألا لله الدين الخالص)؛ يعني أن أعبدوه له الدين حنفاء وهذا الأصل العظيم عليه قامت السموات والأرض ومن أجله خلق الجن والإنس (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) أي ليوحدوه ويخلصوا العبادة له وحده.

 

وهذا الأمر العظيم من أجله بعثت الرسل ومن أجله خلقت النار وخلقت الجنة ومن أجله قام الجهاد ورفعت ألويته، ومن أجله حاق بالذين كفروا سوء ما عملوا، ومن أجله نصر الله المؤمنين، لهذا وجب على المؤمنين أن يسعوا سعيًا جادًا في تحقيق الأخلاص لله وتحقيق التوحيد لله بأن تكون عبادتهم وطاعتهم لله جل وعلا دونما سواه فطاعة المصطفى صل الله عليه وسلم تبعًا لطاعة الرب (قل أطيعوا الله والرسول).

 

إن العبد المؤمن إذا حقق التوحيد فإنه يحصل على فضل من الله في الدنيا والآخرة؛ فمع أنه واجب وواجب تحقيقه ففضله في الدنيا والآخرة عظيم؛ لهذا بين جل وعلا لعباده المؤمنين فضل تحقيق التوحيد وأنه يكفر الذنوب وأن التوحيد أعظم ما يتقرب العبد به إلى ربه جل وعلا.

 

(الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) لما نزلت الآية شق ذلك على الصحابة رضوان الله عليهم، وقالوا يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه، فقال ليس هو كما تظنون، إنام هو قول كما قال لقمان لابنه يا بني لا تشرك بالله شيئا إن الشرك لظلم عظيم؛ فهذه الآية فيها وعد من الله ووعده حق أن المحققين للتوحيد المتعدين عن الشرك بأنواعه لهم الأمن في الدنيا والآخرة؛ ولهم الهداية في الدنيا والآخرة؛ وهذه من ثمرات التوحيد.

 

ومن فضل التوحيد أنك بقدر تحقيقه وإخلاصك لله وبعدك عن الشرك الظاهر والباطن يكون لك الأمن والهداية؛ لهذا ترى المؤمن الموحد أكثر الناس أمنًا في الدنيا ويوم القيامة، ألم تسمع بقول الله تعالى: (لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون)، وإذا حقق الإخلاص في القول والعمل وابتعد عن الشرك فإن له فضلًا عظيمًا وهو غفران الذنوب جميعا؛ ولا إله إلا الله تكون لك يوم القيامة بطاقة إذا وضعت في كف الحسنات طاشت السيئات لثقلها.

 

ومن أثر التوحيد شكر المنعم سبحانه وتعالى على نعمه، قال تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم) والشكر هو الثناء على مسديها الرب المعبود سبحانه لأن الأمر كله بيده.

 

أيها القارئ الكريم.. الأسبوع الماضي احتفل الوطن بيوم عرسه، يوم التوحيد لهذه البلاد المباركة ففي السابع عشر من جماد الأولى لعام 1351 هـ وحدت جزيرة العرب باسم المملكة العربية السعودية على يد الإمام عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل رحمه الله، ولنا ثلاث وقفات مع هذا الحدث العظيم:

 

الوقفة الأولى: الشكر والحمد إلى الواحد الأحد على نعمه العظيمة لهذه البلاد المباركة: ونعم الله لا تعد ولا تحصى منها ما يرى في الظاهر ومنها ما هو خفي (وإن تعدوا نعم الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار)، وحقيقة الشكر هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف.

 

كنا في هذه البلاد في فرقة وجهل وجوع، كان الحاج لا يأمن على سفره وكان أحدهم أمنيته أن يجد تمرة تكفيه يومه؛ فأكرم الله سبحانه هذه البلاد بخيرات تترى ونعم لا تحصى، أمنت الطرق وعبدت وانتهضت نهضة حضارية غير مسبوقة فاللهم لك الحمد والشكر على نعمك شكرًا عظيمًا على ما أوليتنا من فضلك وإنعامك يا حي يا قيوم؛ جمعت فرقتنا ووحدت صفنا وأغدقت علينا من النعم اللهم أتمها علينا بأمنًا وأمان وطمأنينه وارزقنا شكر نعمك، نحن وإخواننا المسلمين في كل مكان.

 

الوقفة الثانية: مع مؤسس هذا الكيان الإمام عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل رحمه الله: سخر الله لهذه الجزيرة رجلًا إمامًا جمع فرقتها ووحد صفها وانتشلها من الجهل والتخلف إلى الرقي والمعالي، أمن الطرق والسبل ونشر العلم والعرفة، ونشر التحضر والوحدة والأمن.

 

قال مفتي الديار المصرية الشيخ محمد بن حسنين مخلوف الحائز على جائزة الملك فيصل العالمية: "أسس الملك عبد العزيز ملكًا شعاره كلمة التوحيد الخالص، وأساسه إعزاز الإسلام، وأهدافه إسعاد الأمة التي لبثت دهوراً ترزح تحت أثقال الظلم والجبروت، وتعاني أقسى الشدائد، وشر ضروب الفوضى، بل عمل على إسعاد المسلمين الوافدين من أقطار المعمورة لزيارة بيت الله الحرام ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم".

 

وقال عنه محدث مصر العلامة الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله -: "أسد الجزيرة، حامي حمى السنة، رجل العلم والعمل، والسيف والقلم الإمام العادل، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود أطال الله بقاءه، بارك الله في جلالته، وحفظه مؤيدًا منصورًا، وذخرًا للإسلام والمسلمين، وناشرًا للواء العرب، ومجددًا لمجدهم، وأقر عينه بأنجاله الأشبال الكرام".

 

وسمعت شيخنا ابن عثيمين رحمه الله، قال: "أدركت أبي وأنا ابن سبع أو ثمان سنين كنا نخرج إلى النخل ضحى وإذا أدركنا الليل هرعنا إلى منازلنا ولا يستطيع أحد السير ليلًا خوفًا على نفسه إلا ومعه سلاح أو رفقه ثم أكرم الله هذه الجزيرة بالملك عبد العزيز وحد الصف وجمع الكلمة وأقام شرع الله في عباد الله وسخر الله له رجالًا مخلصين نشر التوحيد والسنة والعدل في أرجاء هذه الجزيرة المباركة، وكتب الله له التمكين لصدقه وتعلقه بربه رحمه الله رحمة واسعة ومن معه واسكنه الله الفردوس الأعلى".

 

واستلم الراية من بعد أبناءه البررة الملك سعود وفيصل وفهد وخالد وعبدالله رحمهم الله رحمة واسعة إلى عهد إمامنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهد الأمير محمد وبلد التوحيد المملكة العربية السعودية في رقي وشموخ وتطور لتضاهي بلاد العالم تطورًا وحضارة على مختلف الأصعدة.

 

ولقد سعدت الأمة الإسلامية بافتتاح قطار الحرمين بين مكة والمدينة، قال أحد الكتاب: "رأيت تذاكر القطار بين مكة والمدينة تساوي تقريبًا 34 يورو ذهابًا وإيابًا لمسافة 450 كيلو، فبحثت في المانيا عن مدينة تبعد عني 450 كيلو ورأيت السعر 252 يورو، وبهذا السعر أسافر 7 مرات ونصف في السعودية"، فنحمد الله على نعمه وجزى الله إمامنا خيرًا على هذا الإنجاز التاريخي وجعل ذلك في ميزان حسناته ورفعة وكرامة لهذه البلاد وأهلها.

 

الوقفة الثالثة: الواجب علينا جميعًا تجاه الأوطان: المحافظة عليه والدفاع عنه والرفع من شأنه في كل المجالات، الواجب الحقيقي الولاء والحب والتضحية من أجله، ومن أجل العمل على ارتقاءه، والعمل على رفعة قيمة الوطن، والوفاء والإخلاص له والمساهمة في خدمة المجتمع، الحفاظ على أمنة وقطع كل يد تعبث بأمنه واستقراره.

 

نسأل الله العلي الأعلى أن يحفظ علينا أوطاننا وأن يؤمننا في أوطاننا ويصلح أئمتنا وولاة أمورنا.

اقرأ المزيد

تطوير"التشريعات".. ترسيخ لمبادئ العدالة وحماية للحقوق ورفع للكفاءة

إن ما يشهد به ويشاهده شعب المملكة العربية السعودية والعالم أجمع من جهود صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز

عنصرية أم تمييز؟!

العنصرية داء خبيث عانت منه الكثير من المجتمعات ففتك ببعضها و أدخل بعضها في دوامات من الصراع والنزاعات، والعنصرية أمر بغيض أساسه الكبر والتعالي والنظر

كورونا بين الابتلاء والعقوبة مع الصبر واتخاذ أسباب العافية

الحمد للهِ العظيمِ القادر، الفعَّالِ لِمَا يُريد، الذي خلَق فقدَّر، ودبَّرَ فيسَّر، فكُلُّ عبدٍ إلى ما قَدَّرَه عليه وقضَاه صائر، لا يُسألُ عمَّا يَفعل وهُم يُسئَلون، وأشهد أنْ لا إله إلا الل

الإجراءات السعودية الاحترازية.. وقائية حكيمة واستباقية مسددة

فإن صدور القرارات المتتالية والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية في تصدي مرض كورونا

خاطرة.. حينما تتحول المحن إلى منح

رسالة ود ومحبة وإخاء لمن يستشعر هذه الأيام بشيئ من الملل ويشعر بالضيق من الجلوس في منزله بسبب فيروس "كورونا" .

احذر يا معتز مطر!

أنصحك نصيحة لله أن تتقي الله في نفسك وتخاف عليها، فقد تجاوزت حدك

تعليقات


آخر الأخبار