مساواة المرأة بالرجل.. وماذا بعد!
بقلم – حسين مطاوع
القرآن الكريم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لا يجوز تأويل آياته ولا حملها على غير ما أنزلت من أجله، فآيات الميراث محكمة لا يجوز العبث بها ولا تعطيلها لتناسب عصرًا من العصور كما زعم أحد من ينسب نفسه للعلم والفتوي، ولا إخراجها عن مضمونها.
وهناك أمور توضحها آيات الميراث لا سيما فيما يتعلق بنصيب المرأة منه أهمها :
*أن لها نصف ما للذكر من الميراث ولكن هناك أمور قد يختلف فيها هذا الحكم وترث فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه.
1) فتارة تأخذ نصف نصيب الرجل، كالبنت مع أخيها الذكر، وكالأم مع الأب مع عدم وجود الأولاد أو الزوج أو الزوجة ، وهو المثال الذي ذكرت، فترث المرأة هنا نصف الرجل، لأن الأم لها الثلث حينئذ ، وللأب الباقي وهو الثلثان، وليس الأمر كما ظننت من تساويهما في هذه المسألة .
2) وتارة تأخذ مثله، كالأم مع الأب في حال وجود الابن، فللأم السدس، وللأب السدس، والباقي للابن، وكالأخ والأخت لأم، فإنهما يرثان بالتساوي؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) [النساء:12].
3) وتارة تأخذ أكثر منه ، كالزوج مع ابنتيه، فله الربع، ولهما الثلثان، أي لكل واحدة منهما الثلث، وكالزوج مع ابنته الوحيدة ، فله الربع، ولها النصف، ويرد الربع الباقي لها أيضا .
4) وتارة ترث ولا يرث، كما لو ماتت امرأة وتركت: زوجًا وأبًا وأمًا وبنتًا وبنت ابن، فإن بنت الإبن ترث السدس، فى حين لو أن المرأة تركت ابن ابن بدلاً من بنت الابن لكان نصيبه صفرًا؛ لأنه كان سيأخذ الباقي تعصيبًا، ولا باقي .
وما سبق من الحالات له أمثلة كثيرة تجدها في كتب المواريث، ولله الحكمة التامة فيما قدر وشرع فلا يجوز أبدا تأويل كلام الله على غير مراده ولا اللعب والعبث به كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا).
وقد اعتنت السنة النبوية بهذا الأمر فبينته في أكثر من حديث نذكر منها مثلا :
ما رواه الترمذي وصححه من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيما امرىء مسلم أعتق مسلما كان فكاكه من النار يجزىء كل عضو منه عضوا منه وأيما امرىء مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزىء كل عضو منهما عضوا منه .
وفي مسند الامام أحمد من حديث مرة بن كعب السلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"أيما رجل أعتق رجلا مسلما كان فكاكه من النار يجزىء بكل عضو من أعضائه عضوا من أعضائه وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزىء بكل عضو من أعضائها عضوا من أعضائها"، رواه أبو داود في السنن.
ففيه دليل على أن المرأة على النصف من الرجل، فكيف بمن يريد تعطيل هذا كله؟!!
والقول بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث كان مثار شبهات منذ القدم، وإلى يومنا هذا، فعلى سبيل المثال؛ فإن سقوط الخلافة العثمانية في تركيا تزامن مع عروض فكرية وثقافية لمفكرين أتراك تقوم بنقد النص القائل أن للذكر مثل حظ الأنثيين.
كما أنه يوجد في عالمنا العربي والإسلامي أيضًا عدد ممن يسمون مفكرين أو تنويريين من أمثال نصر حامد أبو زيد، ومحمد أركون، والذين يتكلمون عما يسمونه بالنظرية التاريخية، والذين يعتبرون القرآن كتابًا تاريخيًا، وأنه يعبر عن واقع المجتمع آنذاك، ولكن ليس له طبيعة الخلود والاستمرار والتعايش مع متغيرات الزمن، أو أنه صالح للحياة البشرية في كل ظروفها، فيعتبرون أن هذا التشريع خاص بالبيئة العربية، وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
كما أن هناك باحثة تدعى "سناء الطاهر بن عاشور"، وهي ابنة الشيخ الطاهر بن عاشور، حيث حاولت أن تنتصر لقضية المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث بأكثر من خمسة وعشرين وجهًا، وكتبت مقالًا طويلًا في الصحف التونسية، كما أن هناك في تونس ومصر، وتركيا، وفي عدد من البلاد العربية والإسلامية، يتم طرح قضية المساواة بين الذكر والأنثى في فترة من الفترات ، ولكن كل هذه المحاولات وهذا العبث تصدى له العلماء ولكن في هذه الأيام اشتدت المحاولات في هذا الأمر لا سيما بعد الإعلان التونسي الصريح بذلك.
فالذي يحدث في تونس الآن بالدعوة للمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث سيضعهم في موضع أن يكونوا مضطرين إلى أن يلغوا النظام الإسلامي كاملًا، لأن أي عملية إصلاح تقوم على هدم الأسس الإيمانية التي قامت عليها المجتمعات الإسلامية لن يُكتب لها النجاح أو الخلود.
ولو افترضنا مثلا أنه قد حدثت المساواة في الميراث، فإن ذلك سيلغي نظام الإنفاق وسيلغي المهر، وهذا سيُعتبر إلغاءً للدستور والنظام الإسلامي لأن نظام الميراث في الإسلام هو جزء من منظومة إسلامية متكاملة يجب أن نأخذها بكلها وليس بجزئية من جزئياتها، وهذا عدل الله -سبحانه وتعالى-، والله –عز وجل - يقول: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا)، (البقرة: 229)، وأنه بالنسبة للمؤمن، يقول تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، [الأحزاب: 36]
فهذا أمر قطعي محكم في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية، وعليه إجماع الصحابة -رضي الله عنهم-، وإجماع الأئمة والعلماء، وعمل به المسلمون عبر التاريخ، وكلنا يعلم إنه عندما قام عبد الكريم قاسم في العراق بإلغاء نظام الإرث وفرض قانونًا، فإن هذا القانون لم يستمر سوى ثلاث سنوات، ولم يتم العمل به، لأن الناس كلهم رفضوه، إذ هو مخالف لدينهم وقناعتهم وفطرتهم.
وخلاصة هذا كله :
دين الله محفوظ بحفظ الله له فمهما حاول العابثون به تبديله أو تحريفه قيض الله من يقف لهم بالمرصاد مدافعا عن دينه ومبينا للناس باطلهم وإفكهم.
فنسأل الله أن يحفظ علينا ديننا من عبث العابثين ولهو اللاهين وكيد الكائدين .
اقرأ المزيد
يشد بنا الحديث عن أهم يوم من ايام التعليم عند جميع الطلاب والطالبات ..
فإن صدور القرارات المتتالية والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية في تصدي مرض كورونا
إن الجهود التي قام بها علماء الإسلام ودعاة السنة لنصرة دين الله عزوجل كثيرة لا يكاد يحصيها بشر
الحمد لله الذي خلق الخلق أجمعين ورفع منهم من استقام على صراطه المستقيم، وأشهد أن لا إله إلا الله القوي المتين
رسالة ود ومحبة وإخاء لمن يستشعر هذه الأيام بشيئ من الملل ويشعر بالضيق من الجلوس في منزله بسبب فيروس "كورونا" .