تحديات الثورة وسفاهة الثُوّار


بقلم - الدكتور مهدي مراد العزيزي

أي ثورة في التاريخ لابد وأن تمر بثلاث تحديات :

التحدي الأول: [إزالة الحاكم]

لا يخفى على أي عاقل خطورة هذا التحدي؛ فليس من السهل أن يتنازل الحاكم عن كرسي الحكم :

فإما أن يحدث صراع يؤدي إلي خراب البلاد وضياع العباد ويبقى الحاكم يحكم بقايا شعبه .

وإما يتم قتل الحاكم .

وإما يتنازل الحاكم لأي سبب .

ومن الأمور الغريبة التي نلاحظها في أي ثورة أن الثُوّار يعتقدون أنهم نجحوا بمجرد تنازل الحاكم أو حتى قتله، وهذا يجعلهم يقيمون الإحتفالات ويتبادلون التهنئة ويأخذون الصور التذكارية، ويشعرون بنشوة الانتصار، وهذا لقلة فهمهم للأمور، وما علم هؤلاء المضحوك عليهم أنهم سيدخلون في تحدي أكبر من التحدي الأول، وهو تحدي بقاء الدولة .

التحدي الثاني: تحدي البقاء أو [اختيار حاكم جديد ]

وهذا من الأمور الصعبة جدًا، لأن الناس تختلف في الطِبَاع وفي الأمزجة وفي التوجهات وفي المصالح وفي كل شيء، ولذلك فمن المستحيل اجتماعهم على حاكم، وكلما طالت الفترة الانتقالية التي تكون فيها البلاد بلا حاكم، كلما زاد الخراب والدمار في طول البلاد وعرضها؛ فتكثر الاعتصامات وتكثر الوقفات الاحتجاجية، وتكثر الاضرابات وتكثر السرقات والتعديات على الأملاك العامة والخاصة، وحوادث الخطف والاغتصاب.

 ويحدث شبه انهيار لمؤسسات الدولة؛ وربما تنهار المؤسسات انهيارًا كاملًا؛ وستجد تدخل الدول الخارجية من أجل مصالحها التي تختلف وتتقاطع وتتحارب، وستكون البلاد مسرحآ كبيرآ لكل أجهزة المخابرات العالمية، وستتلاعب هذه المخابرات بعناصر الثوار المختلفة، وستصبح مهنة الخيانة والجاسوسية هي المهنة الرائجة في البلاد .

وهكذا من مخاطر في هذا التحدي الكبير الذي يجب عبوره بأي ثمن حتى تقوم الدولة من كبوتها .

ولنفترض عبور هذا التحدي بنجاح؛ فهنا سندخل في تحدي أكبر من التحدي السابق .

التحدي الثالث: [كيف نجعل الثُوّار يتركوا الميدان؟]

فالحاكم الجديد لن يعجب كل الثُوّار، وسيظلوا معتصمين في الميادين، ولن يتركوا الاضرابات ولا الوقفات الاحتجاجية، وسيظلوا يسبون ويشتمون الحاكم الجديد، وسيرفع الثُوّار شعار "الثورة مستمرة".

ولذلك سيكون أمام الحاكم الجديد طريقان للتعامل مع هؤلاء الثُوّار :

فإما أن يستجيب لمطالبهم ويتنازل عن الحكم وتدخل البلاد في فوضى مرة أخرى .

وإما أن يفض اضراباتهم واعتصاماتهم بالقوة، وتستقر الأمور بقوة السلاح .

 

سفاهة الثُوّار

وهذا هو وصف الرسولﷺ لهم  حيث وصف الذين يخرجون على الحاكم بوصف (سفهاء الأحلام ) أي سفهاء العقول، أو سفهاء المطالب، ولذلك لا تجد للثُوّار مطلب واحد؛ فهم كلما حقق لهم الحاكم مطلب رفعوا من مطالبهم حتى يسقطوا الحاكم .

وعندما يتحقق مطلبهم في إسقاط الحاكم يظهر على السطح حجم الإختلاف في الأهداف؛ فكل ثورجي يريد إسقاط الحاكم لهدف يختلف عن الآخرين، وتدخل البلاد في صراع بين أهداف ورغبات الثُوّار المختلفة .

حدثت الثورة.. فما هو الحل؟

يوجد ثلاث حلول شرعية للتعامل مع الثُوّار :

الحل الأول :

وهو عدم تنازل الحاكم، وعدم استخدام القوة ضد الثُوّار؛ لأن الحاكم الذي يتنازل عن كرسي الحكم هو حاكم يغامر بمصير الدولة من أجل مجموعة من السفهاء، ولذلك لم يتنازل "عثمان بن عفان رضي الله عنه" عن الحكم حتى لا تتخذ سُنَّة من بعده.

فكلما غضب بعض الناس من الحاكم خرجوا عليه فيتنازل الحاكم، ويأتي حاكم جديد؛ فلا يعجب مجموعة أخرى من الناس فيخرجوا عليه، وهكذا، فمستحيل أن تجد حاكم يرضى عنه الجميع.

وبذلك لن تستقر الدولة؛ ولن تقام شعائر الدين لعدم وجود الأمان، وبذلك تظهر الحكمة من تحريم الخروج على الحاكم؛ بل والحكمة من أمر الرسولﷺ بقتل الخوارج .

الحل الثاني:

وهو عدم تنازل الحاكم و القضاء على الثورة باستخدام القوة؛ لكي يعرف الناس أن الدولة بها حاكم، ولابد من طاعة هذا الحاكم حتى تستقر الأمور، وهذا الحل فعله "علي بن أبي طالب رضي الله عنه" مع الخوارج .

الحل الثالث :

وهو عندما يضطر الحاكم للتنازل؛ فيجب أن يختار الحاكم رجل أمين ومخلص يدير البلاد من بعده ولا يترك الدولة بلا قيادة، وهذا فعله "الحسن بن علي رضي الله عنهما" وتنازل "لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما".

وإن كنت أميل للحل الثالث، ولكن لو تكرر الخروج على الحاكم الجديد فلابد من إستخدام القوة لردع الثُوّار ؛ حتى تستقر الأمور.

الخلاصة :

واهم من يظن أن هناك شيء يقنع الثُوّار غير السلاح، فعندنا في مصر لم يعجبهم "مبارك" ولا "طنطاوي" ولا "مرسي" ولا "منصور" والآن لا يعجبهم "السيسي"، وما يمنعهم من الخروج على "السيسي" إلا الخوف من السلاح .

الثُوّار مجموعة من السفهاء يعبثون بأمن البلاد، ولن يرجعوا إلى صوابهم إلا بتخويفهم بقوة السلاح .

(الدولة بلا حاكم***جسد بلا رأس)

اقرأ المزيد

"داعش".. من "أرض التمكين" إلى "غياهب الشتات"

أعلنت خلال الأيام الماضية الولايات المتحدة الأمريكية، القضاء نهائيا على تنظيم داعش في آخر معاقله بمدينة الباغوز شرق سوريا

مكافحة التطرف على شبكات التواصل

عملت التنظيمات المتطرفة عبر العصور، على استغلال الإعلام وأدواته المتاحة في كل زمان، للترويج لأجنداتها داخل المجتمعات، فاستغل الإرهابيون

"داعش" و"البيتكوين".. كيف استغلت الجماعات المتطرفة العملات الافتراضية لنقل أموالها؟

كشفت دراسة حديثة عن أسباب حرص الجماعات الإرهابية المتطرفة على استخدام العملات الافتراضية، أهمها إخفاء هوية مستخدمي هذه العملات.

الإعلام الأسود.. حان الوقت لمُحاسبة الجزيرة وأبواقها (1)

أول خبر فتحت عيني عليه اليوم كان تعريفًا بضابط مصري قُتل أمس في مواجهات مع مسلحين

ما لم يُذكر عن الصحوة في الليوان!

الصحوة المراد محاربتها أو التي يسميها الإخوانيين "صحوة" ليست مرتبطة بتحريم ما حرمه الله من التبرج والسفور ومظاهر الفجور عند الرجال والنساء

داعية يحذر من أساليب الخوارج في تجنيد الشباب خلال شهر رمضان

حذر الشيخ عبدالمحسن باقيس، الداعية البارز، من الأساليب التي تنتهجها التنظيمات الخارجية وعلى رأسها تنظيم "الإخوان" الإرهابي لتجنيد الشباب في رمضان.

تعليقات


آخر الأخبار