الوطن بين التوثين والتّهوين


كتبه - عبدالله بن محمد الشبانات

 

عندما ننظر إلى جهود الفِرق الباطنية غربية كانت أم شرقية نجد أنّها تتجه إلى ضرب المُكَوِّنات المجتمعية، وضربها لهذه المكونات يكون على محورين فالمحور الأوّل هو إفراغ هذه المُكَوِّنات الاجتماعية (الأُسرة والوطن) من معناها الحقيقي ونقله مُحَرَّفا إلى جهات مُنَظّمِيّة أُخرى والمحور الثاني وهو تخديم هذه المكونات وهي الأُسرة والوطن أو الدولة أي تغيير طبيعتها لتخدم أجندة المذهب الفردي أو الباطني وأفراده.

 

فمن المعروف أنّ الأُسرة والوطن من أهم المكونات الطبيعية الفطرية في المجتمع البشري التي جائت الأديان السماويه واخرها الاسلام وهي أي هذه المكونات موجودة فلم تؤسسها الاديان  وانما اقرت وجودها ونظمتها وشرّعت لها وجعلت تنظيمها وشرعتها من أُصول الدين ومن أهمّ المُهِمّات وهنا مربط الفرس في أحد أهم أسباب الصراع بين المذهب الفردي الباطني من جهة و الأديان السماوية وتعاليمها الصحيحة غير المُحَرّفة و أُصولها من جهة أُخرى، فالفردية الباطنية تسعى لضرب هذين المكونين وتأتيهما من كل جهة هدما وتغييرا فنجد المذهب الفردي يسعى لهدم الرابطة الأُسرية القائمة على الإلتزام والطاعة و كذلك هدم الرابطة الوطنية والقائمة كذلك على الإلتزام والطاعة والى حين اكتمال الهدم فإنه يسعى  لتحويل هذين المكونين وهما الأسرة و الوطن إلى مجرد حاضنتين لمن يدعم فكره كيفا أو كَمّاً سواء كان متمثلا في فرد أو مؤسسة أو كتلة.

 

وعندما نأخذ مُكَوّن الوطن و التي تتمثل حقيقته في الرابطة المجتمعية الطبيعية بين القيادة و المجتمع و التي تسمى في الشريعة الإسلامية بالجماعة أو بجماعة المسلمين و إمامهم نجد أنّه تعرض لعاصفتين عاصفة توثين و شيطنة وعاصفة تهوين و إفراغ من المعنى الحقيقي و انطلقتا من جهة واحدة وهي جهة المذهب الفردي الباطني غربي كان أو شرقي.

 

فعندما وقف مُكَوّن الوطن عقبة في وجه تنظيم الإخوان المسلمين وهي طبيعة المُكَوّنات الإجتماعية دائما مع أيّ تيار  باطني اتجه إلى إخلاء الوطن من معناه الشرعي الحقيقي، مشيعًا بأن الارتباط بالوطن هو ضد الإسلام وتعاليمه وأنّه عقبة في إقامة الدين فعمل التيار القطبي والسروري على تهوين وتوثين الوطن ووصفه بأنّه وثن و أنّ من دعى إلى إقامة هذه الرابطة فانه يرتبط بوثن وبتراب نتن ليس إلّا واستخدموا لإثبات ذلك عدة وقائع تاريخية لظلم الولاة وأخطائهم  مستدركين بذلك على الشريعة الاسلامية وقواعدها وادلتها بوقائع وأخطاء واجتهادات فحكّموا الوقائع الكونيّة على القواعد الشرعية وهذه من أهّم أسباب البدع عموما.

 

كما صرح بذلك سيد قطب ومحمد قطب و محمد سرور في عدة مواضع فحصروا الوطن في التراب تهوينا له  وألغوا أهم عنصر مكون للوطن ألا وهي رابطة الولاء المُنشِئة للجماعة وهذه الرابطة في شريعة الإسلام تقوم على البيعة فأخلوا الوطن من أهمّ مكوناته وأخرجوها منه وهي الرابطة المجتمعية كما أسلفنا والمتمثلة تأسيسا في الشكل القانوني الشرعي لها ألا وهو البيعة والتي تربط بين الراعي والرعية والتي تُكَوّن الوطن بجماعته وتحدد الولاء فيه وتدعمه وكان هذا التفريغ للوطن من معناه الأوّل وهو البيعة وسلبها منه لتنتقل مُحَرّفَةً إلى المنظمة الإخوانية فيما يسمى ببيعة المرشد وهذا التفريغ هو أوّل خطوة تجاه توثين الوطن وذلك بجعله في نظر الناس رابطة خارج رابطة الإسلام فتم تجريم الولاء للوطن وخرج سيد قطب -في كتابه الظلال وكتابه معالم في الطريق والذي يمثل النتيجة النهائية لفكره وما توصل اليه- يفلسف الوطن والإنتماء له بأنّه عبادة لغير الله و أنّه وثن يعبد من دون الله و أنّ الولاء يكون فقط للأفراد المؤمنين كل على حده وهذه النقطة في حد ذاتها وهي قصر الولاء على المؤمنين بافرادهم فقط دون الرابطة المجتمعية إمعان في النظرة الفردية لذلك كانت سببا لكثير من الناس في الانحراف الفكري الخارجي لدرجة أنّهم تركوا الجمعة كما فعل سيّد قطب وهذا فعل الخوارج في الغالب، فإنّ قصر الولاء على المؤمنين فقط بأفرادهم ونفيه عن الكيان الذي تتكون فيه الجماعة وهو الوطن أي الدولة ماهو إلّا كما أسلفنا إمعان في الفردية فيسهل فصل الفرد عن دولته وعند ذلك يسهل عليهم أن يقنعوا الفرد بالانتماء لجماعتهم الحزبية وعند تحقق هذه المرحلة فإنّهم يرجعون ويربطون الولاء لجماعتهم الحزبية بإسم الخلافة وذلك لإقامة تَجَمُّع لا مجتمع وللتجميع لا للجماعة الحقيقية التي هي الدولة فهم يحشدون ولايجتمعون وما دعوتهم لإقامة الخلافة على الصورة الحزبية  على أنّها دولة مع أنّها في حقيقتها منظمة إلّا لإضعاف مفهوم الدولة الحقيقي وحصره فقط بالخلافة بالمفهوم التاريخي الواسع لتكون مسألة إقامة الدولة شيئا مستحيلا وعندها يتسنى لهم الخروج بشكل صريح إلى مايسمى مفهوم المُنَظّمة بدلا عن الدولة المستحيل تطبيقها بالمفهوم التاريخي للخلافة ويكون رئيسها صاحب المنظمة وهو المرشد ويكون هو في مقام الخليفة وهذا خلط عجيب ولعب بأحكام الدين وسياسته الشرعية.

 

يقول محمد قطب في كتابه "دراسات قرآنية"، ويؤيده في ذلك وينقله سفر الحوالي في كتابه "العلمانية"، فيقول: (وحلّت محل الإناث القديمة أوثان أخرى، الدولة والزعيم والمذهب والحزب والعلم والتقدم والإنتاج والحضارة والتطور والمجتمع والوطن)، فهنا محمد قطب جعل الدولة و ولي الأمر من الأصنام والأوثان وهذا قول صريح وتكريس للفكرة الباطنية في التخلص من الدولة او تهوينها للإنتقال إلى مؤسسة أُخرى ألا وهي فكر المنظمة.

 

وهذه الصورة التي صوّرها سيد قطب أو محمد قطب وغيرهما ممن تبعهم من الإخوانيين والسروريين عن الدولة هي نفس الصورة التي صورها الفيلسوف الباطني امام الليبراليين بلا منازع (فريدرك نتشه) فقد صوّر الوطن بأنه صنم و إله يعبد وذلك في كتابه هكذا تكلم زرادشت فقال رافضا وجود الدولة ومعيبا و مُهَوِّناً لها.

 

(لما كان الإنسان الأخير هو إنسان عدمي بلا إله، كان عليه أن ينتج صنمه الخاص، إن الدولة هي صنم الإنسان الأخير) صـ 104 من كتاب هكذا تكلم زرادشت.

 

فعلى المستوى الليبرالي العملي فإن اليمين الليبرالي واليسار الليبرالي وكذلك على المستوى الليبرالي الفلسفي الثقافي ويشمل الإتجاه الكانطي والإتجاه النتشوي  فإنّهم كلهم متفقون على توهِين الوطن وتوثينه وتهوينه سواء صرحوا بذلك أو لمحوا والخروج منه إلى فكرة المنظّمة.

 

فهذا (هوبز) وهو يعد إمام اليمين عموما وخصوصا اليمين المتشدد الذين يدعون الوطنية كذبا و التفافا على المبادئ نجده عندما يتكلم عن الدوله فإنه يصفها بأنّها إله لكنّه إله فانٍ أي أنّه سينتهي الى مرحلة المنظمات وهذا واضح في فلسفته حيث يعد هوبز أوّل من فرّق قانونيا بين المجتمع المدني وبين الدولة فجعل هناك كيانا آخر غير الدولة يمكن أن يكون بديلا عن الدولة ولو بعد حين وهو المجتمع المدني وجعل للمجتمع المدني ومؤسساته مركز قانوني مستقل عن الدولة بينما هذه المؤسسة تقوم بعمل الدولة خدميا لا سياديا فدعم بذلك الوجود القانوني للمنظمات التي لاتخضع للدولة ؛ ونجد اًايضا كذلك الدولة عند نيتشه وهو إمام اليساريين عموما  ماهي إلّا صنم و إله زائف منذ بدايته . ولابد أن يُكسر كما ظن أنّه قد كسر الدين بعد أن صوّره لأتباعه بأنّه صنم أيضا وخصوصا الدين السماوي من قبل.

 

وعودًا على اليمين فقد مجّد هوبز الدولة بوصفها الحل الوحيد المُؤدي إلى مايسمى بالمجتمع المدني وهي الإرتباط بفكرة المنظمة الذي يعد المُضْعف الأوّل لمفهوم الدولة  لأنّ المجتمع المدني يعد المنظمة الكبرى المؤدي للخروج من فكرة الدولة لقد أثبت هوبز في نفس الوقت نهاية الدولة إلى كينونة أُخرى ألا وهي كينونة المُنظّمة خروجا وتخلّصا من أهمّ مكون في المجتمع ألا وهو الوطن بمفهومه الحقيقي وهو الولاء والإلتزام فتخلص ثقافيا وقانونيا من الدولة  ذات السيادة، بينما نجد نيتشه قد حقّر الدولة منذ البداية إلى النهاية بوصفها آية على انحطاط الإنسان الأخير.

 

ونجد الطرح الثقافي لتنظيم الإخوان على هذا النسق ألا وهو توثين الوطن وتهوينه وجعل المُنَظّمَة الإخوانية العالمية بمساعدة الغرب هي المسيطرة على الدول التي يخترقونها أو يسيطرون على رئاستها لتصبح هذه الدول بلا سيادة، ولا ننسى قول مرشدهم العالمي الهالك محمد عاكف وهو يتكلم عن الدولة بكل وقاحة واحتقار (طز في مصر) مع أنّه ليس برئيس دولة كبرى بل رئس مُنَظّمة أو تنظيم سمّه ما شئت.

 

إنّنا ولو تتبعنا النقولات لوجدنا الكثير من المقولات سواء عند اليبراليين الكانطيين ويمثلهم الإخونج أو الليبرال النتشويين ويمثلهم باقي الليبراليين العرب و التي توصلنا إلى نتيجة مهمة وهو أنّ موقف الفكر الإخواني عن الدولة هو نفسه موقف الفكر الليبرالي عن الدولة، أي أنّه خرج من رحم الليبرالية فهو لا يعترف بوجود حقيقي للدولة فالدولة عنده مُجَرّد حاضنة و محطة وقود تقدم للفرد الخدمات لينطلق نحو تحقيق فكره ونظرته الفردية ونفس الشيئ يحدث في الأسرة في نظر الفكر الغربي الفردي هي مجرد محطة خدمات وهذا مبتغى إبليس وهو الإحتناك أي الإستفراد والإستيلاء قال الله تعالى على لسان إبليس: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا).

 

وقال صلى الله عليه وسلم: (إنّما يأخذ الذئب من الغنم القاصية)؛ أي التي انفردت عن جماعتها.

 

لكن ماهو شكل البديل للدولة في نظر هؤلاء الباطنيين من ليبراليين نتشويين أو ليبراليين كانطيين أو بمعنى آخر إخوانيين.

 

إنّ المذهب الليبرالي بشقيه النتشوي الذي تبناه المنحرفين في السياسة من العرب أو الشِق الكانطي والذي تبناه الإخونج يحاول الخروج ولو على المدى البعيد من فكرة الدولة إلى فكرة المُنَظّمَات التي تأخذ شكلا دائرياً أي أنّه ليس لها رئيس من داخلها  إنما رئيسها مستقل من خارجها ليتسنى له أن يُشَرّع للمنظمة ويخرج على هذا التشريع في نفس الوقت ولا يلتزم به فهي كهنوتية ثقافية ليبرالية فلسفية، وهذه هي إحدى سمات العقيدة الباطنية الخبيثة كما نرى من منصب المرشد الرافضي أو المرشد الإخواني أو المرشد الكاثوليكي (البابا) وتتغير أشكال.

 

هذه المنظمة فعند الليبرال الصريحين نجد أنّ إمامهم (نتشه) كان معجبا أشدّ الإعجاب بالحسن الصباح الباطني الفردي صاحب قلعة آلآموت وبفكره وفلسفته و إنجازاته العملية والعلمية وهذا يدل على أنّ الفكر الليبرالي يدعم المُنَظّمات ويتبناها.

 

وأمّا عند الكاثوليك فترتكز المُنَظّمة على البابا وعلى استغلال مفهوم المُخَلِّص عندهم لتجييره واخذ النيابة عنه، كذلك عند مرشد الروافض في ولاية الفقيه الجديدة والتي لا تقف عند حدود إيران بل تنتشر لتأخذ مفهوم المنظمة في كل بلد فالمرشد ليس هو رئيس دولة إيران بل يعتبر نفسه أعلى من ذلك بكثير  ويعد الخُميني مقرّبا عند الليبرال اليسار الغربيين لأنّه كسر عقيدة الإثنا عشرية الكهنوتية في الحكم والدولة واخرجها بشكل لطيف وناعم من الشكل المحصور بطريقة خرافية كهنوتية في ال البيت  الى المفهوم الليبرالي الديمقراطي عن طريق إحداث عقيدة ولاية الفقيه وذلك بإستغلال عقيدة صاحب السرداب وتحويل الأمر إلى منظمة يرأسها الولي الفقيه وتحته رئيس دولة بل رؤساء دول كما يخططون ولكن تكون هذه الدول بالشكل الديمقراطي كما في الأمر في لبنان ومع الحوثي في اليمن.

 

والصورة ذاتها نجدها عند الإخوانيين في منظمتهم فترتكز القيادة على المرشد وعلى استغلال مفهوم الخلافة لتجييرها حزبيا و لتكون جماعتهم  منظمة عالمية تسيطر على عدة دول و تُخليها من معناها الحقيقي ألا وهي سيادتها وسيادة ولي أمرها لتكون هذه الدول مجرد أذرعة  تابعة للمنظمة الإخوانية العالمية.

 

وللمعلومية فإنّ تنظيم الإخوان استخدم الخلافة للتلبيس بها على شباب المسلمين و خداعهم.  فالخلافة ليست أمرا تكليفيا في حد ذاتها في الشريعة بل هي حالة متعلق بوجودها أمر تكليفي وهذا فرق جوهري غفل عنه كثير من المسلمين بسبب التشويش الإخواني فحالة الخلافة مثل حالة الأُبُوّة فأنت أيّها المكلف غير مطالب بإيجاد الأُبُوّة لكن عند وجودها فأنت مكلف بإمور عدة حيالها من الإحسان والبر والطاعة إذا الخلافة ليست تكليف إنما التكليف هو وجوب نصب إمام ببيعة يقيم الدين ويحرس الدنيا لكن تنظيم الإخوان حاول إخلاء الدولة أو الوطن من مفهومها الحقيقي ونقل هذا المفهوم بعد تحريفه إلى نطاقه الحزبي بإسم الدين تمهيدا لإقامة منظمته الكبرى والتي كان يُوهم الناس في مرحلة ما أنّها هي الخلافة والحكم الإسلامي بشكل ديمقراطي وهي في حقيقتها منظمة كبرى فليست خلافة وهذه من خُدَع الإخوانيين في قلب المفاهيم لتجييرها لصالحه.

 

وللتوضيح أكثر فإنّ الخلافة كما أسلفنا حالة وجودية وليست حالة تكليفية مثلها مثل حالة الحكم الملكي و حكم الجبر  وعند وجودها أو وجود الحكم الملكي أو الجبر فان الأحكام تجاه الحالات الثلاث سواء من خلافة أو ملكية أو جبرًا  فهي واحدة من حيث أحكام البيعة ووجوب السمع والطاعة لولي الأمر دون تفريق بين الحالات الثلاث جميعا فمناط الحكم هنا هو وجوب تنصيب الإمام من قِبَلِ أهل الشوكة لا من غيرهم دون النص تحديدًا على أن يكون خَليفَة او ملكا او بالجبر، فالموجود من هذه الحالات الثلاث آنياً و حالياً  هو من يستحق تطبيق هذه الاحكام تجاهه من بيعة وسمع وطاعة… الخ دون النظر إلى أيّ نوع تنتمي حالته هل هو من الملكية أو الجبر أو الخلافة ولم تشترط الشريعة الإسلامية لشرعيّة الحكم أن يكون خلافة أو عاما لجميع بلاد المسلمين فالإقليمية والقُطّريّة بمعنى تعدد الدول المسلمة مُقَرّة في الإسلام، أضف إلى ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا أن نخرج على ولي الأمر إن كان من فترة الملك أو من فترة الجبر من أجل أنّ واحدا أتى و ادّعى أنّه سيقيم خلافة راشدة وحتى لو اتى واقام دولته التي يسميها خلافة كما يزعم فلا يعني سقوط ولاية الدولة الأُخرى فإن هذا له مابعده من فساد الدين وخراب الدنيا وهو مخالف لقواعد الشريعة بل مناقض لها.

 

وللمعلومية فإنّ هذا الأمر هو الذي لُبّس به على كثير من شباب الأُمّة والذي قاد هذا التلبيس هو التيّار الإخواني على مدى ثمانين سنة ليس اقتناعا منه بالحكم بالشريعة بل لأن هذا التلبيس في حالة الخلافة يمهد لهم الإنتقال من حالة الدولة إلى حالة المُنَظّمَة المسيطرة على أكبر مساحة وأكثر عدد وهذه هي حقيقتهم إنّهم سائرون  لتحقيق الرؤية الليبرالية الباطنية منذ نشأتهم.

 

فبعد الربيع العربي لم تأخذ الأمور منحى آخر بل اتضحت حالهم أكثر وأكثر ليس إلّا وبسبب هذا الاتضاح كان لزامًا على التيارين  الليبراليين النتشوي السائد  والكانطي الإخواني أن يبينوا للناس حقيقة تطابقهم في كثير من الرؤى التي خفيت حتى على أتباع الفريقين فرأينا العودة يغازل ويتودد للتيار الليبرالي العربي والغربي بل يخرج في صور مع مجموعة من الليبرال ويخرج في صور مع الليبرالي محمد سعيد معلنين بذلك أنّهم في اصلهم كانوا في اتجاه واحد من قبل لكنه اتجاه مقسّم بحواجز فلسلفية وهمية.

 

آن الآوان للتخلص منها لضرب الملكية الخليجية متمثلة في الملكية السعودية وغيرها تمهيدا لإقامة دولة المؤسسات او الدولة الشكلية التي ليس لها حل ولا ربط بل الأمر عند المُنَظّمَات دولية كانت او محليّة.

 

الخلاصة: أنّ الوطن بمفهومه الحقيقي الولائي وليس العاطفي الوجداني الأدبي لايوجد عند أيّ باطني سواء ليبرالي أو إخواني فكلهم يحارب وجود الوطن ويقدم الحرية المزعومة عليه في شكل المنظمة الكبيرة التي يسمونها المجتمع المدني والتي لاتقوم إلّا على أساس من الحرية ولا تقبل الإسلام إلّا مكوّنا لا مهيمنا أي أنّه مُكَوِّن من مكونات المجتمع المدني جنبا إلى جنب مع باقي المكونات من الأديان من بوذية ونصرانية وغيرها وهذا طمس وتحريف لأُسس الدين.

 

أمّا السلفي فمعنى الوطن عنده هو الولاء لتلك الرابطة المجتمعية والإلتزام بها والمحافظة عليها و التي نشأت بين الإمام والرعية ألا وهي البيعة و لايمكن أن تتكون هذه الرابطة وهذه السيادة إلّا على بقعة و بوجود بشر و أساس معنوي مرتبط بظهور شعائر الدين الإسلامي وداعم لها وهذه الصورة المكتملة هنا هي التي تعبر عنها الشريعة الاسلامية بجماعة المسلمين و إمامهم فلا جماعة بدون إمام ولا إمام بدون جماعة قال صلى الله عليه وسلم: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) من حديث حذيفة في صحيح البخاري فحذيفة هنا أدرك أنّ الجماعة لاتكون إلّا بإمام ولا يكون إمام إلّا بجماعة لذلك قال حذيفة فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة فأجابه صلى الله عليه وسلم أن يعتزل تلك الفِرق كلها مع أنّه لم يرد ذكر الفِرق في أوّل الحديث لكن معلوم أنّ حال انعدام الإمام فإنه لاتكون هناك جماعة وبدلا من ذلك تتكون الفرق والجماعات (المنظمات) المتعددة.

 

نخلص فيما سبق الى عدة أُمور:

أوّلا: أنّ الأُسرة والوطن مكونان طبيعيان و أساسيان في أي مجتمع بشري.

ثانيا: أنّ الإسلام شرع أحكاما للأسرة أو العائلة و أحكاما للوطن أو الدولة.

ثالثا: أنّ الإتجاه الفردي الباطني الليبرالي من حيث الأصل الفلسفي لا يريد بقاء الأسرة أو الوطن.

رابعا: أنّ الإتجاه الليبرالي في حال تعسر هدم الأسرة والوطن؛ فإنه يحولهما إلى محطة خدمات تغذي افراده و مُنَظّمَاته (مؤسساته).

خامسا: أنّ الاتجاه الليبرالي يحاول إفراغ الأسرة والدولة من معناهما الحقيقي وبالتحديد من سلطتهما وينقل هذا المعنى محرفا إلى منظماته البائسة عالمية كانت أو محلية.

سادسا: أنّ المذهب الإخواني هو هو نفسه المذهب الليبرالي من حيث الأساسيات وهو اعتماد الحرية في تفسير النص أوّلا ولكن بطريقة غير مباشرة ويتبعه بعد ذلك الحرية في كل شيئ.

سابعا: أنّ توهين وتهوين الدولة وتوثينها صفة تجمع الباطنيين عموما من ليبرال نتشويين أو كانطيين إخوانيين وغيرهم.

ثامنا: إنّ الخلاف المتوهم بين الإخوانية والليبرالية ماهو في حقيقته إلّا اختلاف مدارس في المذهب الليبرالي نفسه فالإخوانية اعتمدت الليبرالية الكانطية أو دولة القانون أو دولة المؤسسات، والليبرالية العربية إعتمدت النتشوية والإلتصاق بالمنظمات الغربية بعد أزمة الخليج وسقوط الإتحاد السوفيتي كما فعل تركي الحمد وغيره من الليبراليين العرب.ا.هـ.

اقرأ المزيد

الجِلد الجديد.. الإخوانيون الجدد

الحمدلله.. الأصل في الحركات الباطنية أنّها كالحيّة تغير جلدها حسب الظروف المحيطة بها وإن تغيرت وتباينت عن قريناتها وشقيقتها اللاتي هنّ من نفس جنسها

القول الفصل في بدعة الاحتفال بالمولد النبوي

إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ

الحلاج والفكر الثوري

فالمتأمل في بعض الشخصيات القلقة وبرزوها في التاريخ الإسلامي قد تظهر له جوانب أخرى في حياتها

مركز تفسير الإسلام يرد على تصريحات "الهويريني" المغلوطة في الليوان

رد مركز تفسير الإسلام على التصريحات المغلوطة التي أدلى بها "علي الهويريني" خلال برنامج الليوان حول تفسير حقيقة العبادة.

ردًا على "المطلق".. بالأدلة الشرعية: إمامة المرأة للرجل غير جائزة

رد الشيخ يوسف بن عيد، الباحث في الأمن الفكري، على فتوى الدكتورعبدالله بن محمد المطلق بإجازة إمامة المرأة لزوجها في صلاة التطوع في المنزل.

شاهد.. الدكتور "الحدادي" يرصد خطورة العلمانية على الإسلام والمسلمين وسبل الوقاية

رصد الشيخ الدكتور علي بن يحيى الحدادي، مخاطر العلمانية على الإسلام والمسلمين، مستعرضًا أهم السبل التي يمكن اتخاذها لمواجهتها ومنع انتشارها

تعليقات


آخر الأخبار