التنويري كهنوتي


كتبه - عبدالله بن محمد بن عبدالله الشبانات

 

لا شكَّ أنّ لكلِ مصطلح مدلوله وتجد هذا واضحاً وحقيقياً في الاتجاهات المتناقضة والمتعاكسة كالفرق بين التوحيد والشرك.

 

ولكن هناك حالةٌ و نوعٌ من المصطلحات يظهر قبل التدقيق فيه أنّهُ يحمل فكراً واتجاهاً مناقضاً للآخر والحقيقة أنه هو والآخر الذي يصارعهُ في سلةٍ واحدةٍ وأصلُهما مشتركٌ، والصراع الذي بينهما إنما هو تنافسيٌ لا تناقضي ولا تضادي.

 

ومِن سُننِ الله عزَّ وجل في هذا النوع من هذه الاتجاهات أنّ الصراعَ بين أفكارها واتجاهاتها الفرعية التي تلتقي في جذر وتنطلق من منطلقٍ واحد ينتُجُ عنه مصطلحاتٍ ثقافية بين المتصارعين تُوصِّف الحال التي وصل إليها حِدةُ الصراع بينهم

 

ولكنها لا توصّف طبيعة الفكر أو الاتجاه وحقيقته لأنَّ هذا لا يُمكن أن يتبين وقت الاحتقان وتبادل التهم، وإنما هذه الحالة من الاحتقان تُعطي هذه الصراعات مصطلحات هي في حقيقتها خلافاتٌ على أمور] اجرائية أو شكلية ولا تُسلط الضوء على الجانب الجوهري. والسبب في ذلك يعود إلى أن هذه الاتجاهات متنافسةٌ لا متعارضة، أي أنها نابعةٌ من جذر واحد تتنافس على الاستئثار به، ولكنها في حالة الصراع التنافسي تظهر كأنها متعارضةٌ متناقضة فيما بينها، ومن جراءِ ذلك يُصبح هناك حضورٌ لها في الساحة الثقافية دون تحريرٍ صحيحٍ لها كما حدث في مصطلح ((الصحوة)) إن صحَّ وصفهُ بأنَّهُ مصطلحٌ، مع أنَّه لا يعدو أن يكون تعبيراً أدبياً.

 

 من هذا المصطلحات أيضاً والتي تجري في الساحة هذه الأيام مصطلح ((الكهنوتية)) ومصطلح ((التنويرية)) وظهرا على أنهما اتجاهان متعاكسان ومتضادان وهما في الحقيقة اتجاهان متنافسان لا متضادان لأن جذرها واحد، وهذي هي الحقيقة وحقيقة جميع الاتجاهات الفردية الباطنية وإن كانت خرجت من مؤسسات أو من أفراد فحقيقتها واحدة مثل الصراع الذي يدور بين الشيوعية و الرأسمالية وكأنهما متعارضين وهما متنافسان لا متعارضان لأنَّ جذرها واحد وهدفها واحد لكنهما اختلفا في الاجراءات المتخذة تجاه الوصول إلى الهدف، فغاية الرأسمالية تركز المال في جهة واحدة وطبقة واحدة وهي طبقة الأغنياء مع ادعاء الحرية، وهدف الشيوعية تركز المال في جهة واحدة مع عدم وجود الحرية إلاَّ عند هذه الجهة التي تركز عندها المال وهي الجهة السياسية فالاختلاف في تركز المال يكون في أي جهةٍ فقط ليس إلا.

 

وعندما نتكلم عن التنويرية فإنها في الحقيقة نتاجٌ فردي بشري يُقدسه صاحبه الذي نبعَ منه هذا النتاج ومن اقتنع به، وهذه الحالة تمثل المذهب الفردي الليبرالي، وحالة التقديس هذه من طبيعة النتاج الفردي البشري الفكري والثقافي بغض النظر عن مدى صحته من عدمها، وهو في أصله مذهبٌ فردي إبليسي (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فقدَّس إبليسُ نتاجَ عقلهِ وقِدمهِ على أمر الله له بالسجود لآدم.

 

وعندما ننتقل إلى الكهنوتية وندقق النظر فيها نجدُ أنها في حقيقتها نتاجٌ بشري والدليل تفسير النبي ﷺ لقول الله عز وجل (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)  وعندما سمعها عدي ابن حاتم رضي الله عنه وكان من قبل على النصرانية فقال [يارسول الله انا لانعبدهم فقال: النبي ﷺ أليسوا يحلون الحرام فتحللونه ويحرمون الحلال فتحرمونه فقال: عدي بلى يا رسول الله. قال: فتلك عبادتهم] .

 

 إذاً تحليلهم الحرام وتحريمهم الحلال ما هو إلاَّ تشريعٌ من أنفسهم وهو في حقيقته مثل (التنويرية) نتاج بشري مقدس إلاَّ أنهُ أتى شكلياً أو اجرائياً من مؤسسة وقدس اقوالهم وهو نتاج بشري اناس بعد ذلك فانبرى التنويري ليتهم هذه الحالة بأنها كهنوتية أي ضد التنويرية مع أنه يجتمع معهم في لب اتجاههم ومنهجهم وهو تقديس النتاج البشري وتقديمه على الوحي، فالتنويري يُقدس رأيه وقوله كما الكهنوتي يقدس رأيه وقوله. قال الله تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) فهذه الآية تنطبق على التنويري والكهنوتي في نفس الوقت.

 

فالتنويرية في حقيقتها كهنوتية لأنَّ الكهنوتية معناها الحقيقي تقديس النتاج البشري وجعله مكان الوحي (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) سواءٌ كان النتاج نابع من مؤسسة فهذه كهنوتية مؤسسية، أو نابعٌ من شخص واحد (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) وهذه كهنوتية شخصية فردية. وهذا هو بيت القصيد فكل من اعرض عن الفهم الصحيح لدين الله ووضع نفسه في صندوق رأيه فقد وقع في الكهنوتية سواء قال أنا تنويري أو مقلدٌ لشخصٍ آخر فهما عبدان للنتاج البشري.

 

وعندما تأتي إلى التنويري المنخدع بهذه الاختلاف الاجرائي بينه وبين الكهنوتية وهو يحسبه اختلاف جوهري وسألته عن اتباع السلف الصالح أو السلفية لقال لك أن السلفية كهنوتية مع أننا اتفقنا على أن الكهنوتية هي تقديس النتاج البشري، والسلفي يتعامل مع السلف على مستويين الأول مستوى الأصول أو جليل الدين والثاني مستوى الفروع  أو دقيق الدين كما هو تقسيم ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فنجد أن السلفي في اتباعه للسلف الصالح يوجب لزوم والتزام الأخذ بفهم عموم سلف الأمة وعدم التحول إلى غيره وذلك في الأصول دون الفروع، وفي الجليل من الدين دون الدقيق، ينطلق من الوحي لا من تقديس النتاج البشري و ذلك أن الشريعة لا تُعلق الهداية والنجاة إلا بمعصوم وإلاَّ  كان خلافُ ذلك ثلباً في مقام الرسالة يقول الله عز وجل فالله عزوجل يقول ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) فهنا علق الهداية بأن يؤمن المكلف بمثل إيمان النبي ﷺ ومن معه من الصحابة وكذلك عندما سُئل ﷺ عن الفرقة الناجية قال: من كان مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ولم يقل أو أحد أصحابي. فأفرد النبي ﷺ نفسه واتجه بالجمع نحو الصحابة فصار عموم فهمهم ومن أتى بعدهم معتمدٌ ومتعلقٌ به النجاة والهداية، والله لا يعلق النجاةَ إلَّا بمعصوم. وهناك أدلةٌ غير هذا كثير إما في الفروع أو دقيق الدين فإنَّ السلَفي لا يُلزم الناس بأخذ رأي الإمام الفلاني أو الشيخ الفلاني بل يأمر بالاجتهاد لمن كانت عنده آلة الاجتهاد.

 

والمحصلةُ أن قاعدة ومنطلق الكهنوتية والتنويرية وهي تقديس النتاج البشري قد انخرمت وبطلت في حق السلفي وذلك على محورين اثنين.

 

الأول: أن السلفي في محور الأصول يعتمد عموم فهم سلف الامة لا فهم فرد من أفرادهم وذلك لأنَّ الوحي علق الهداية والنجاة بعموم فهمهم لا بفهم فردٍ من أفرادهم أو من انفرد عنهم.

 

الثاني: تجد السلفي يسوغ مخالفة فقهاء السلف في الامور الفقهية الاجتهادية، فلو أن السلفي يقدس النتاج البشري للسلف الصالح لما فرق في الأخذ بين الأصول والفروع وجليل الدين ودقيقه، ولما ألزم الناس بأخذ فهم عموم سلف الامة ولم يلزمهم بالأخذ بأمور الاجتهاد مع أنها جميعها خرجت من عند السلف الصالح.

 

 إذاً هناك تمييزٌ بين اجماع  السلف وهو الأصول واجتهاد السلف الذي منطلقهُ تقديس أمر الله عزوجل باعتماد غلزامية فهمهم في الأصول دون الفروع لأن الله امرنا بهذا، فالأصول محل اتباع والفروع محل اجتهاد. اذاً النتاج البشري هنا غير مقدس ولو أنه مقدس عند السلفي لسلوى على الأقل بين الأصول والفروع وبهذا يكون الشخص السلفي قد خالف الشخص الكهنوتي في أمر جوهري و أما الشخص التنويري فقد وافق الكهنوتي في جوهره وهو تقديس النتاج البشري وخالف الكهنوتي فقط في أمر اجرائي لا جوهري ألا وهو أن النتاج البشري يجب أن لا يصدر من مؤسسة باسم الدين بل من أي مؤسسة ثقافية أخرى أو من الفرد بصفته الشخصية فقط.

 

 اذا فتقديس النتاج البشري باق في أصل وحقيقة الكهنوتية والتنويرية وهو أصل مذهب الباطنية الغنوصية والتي تأثر بها الاخوانيين على تفاوت في التأثر والتأثير وصارت من أساسيات فكرهم، ومن مظاهر ذلك اعتناقهم الليبرالية الأخلاقية وهم اتباع الفيلسوف ((امانويل كانت)) والتي تقدس نظريته النتاج البشري وتجعله بدلاً عن دين الله فاعتمدوا ما يسمونه الأخلاق الدولية بدلاً من الدين وجعلوه مقدماً على دين الله وسموا دولتهم دولة الأخلاق كما قال ذلك مرشد الإخوان محمد بديع عندما فاز حزبه في انتخابات الرئاسة فقال في خطابه دولتنا دولة أخلاق.

 

كذلك نرى غازي القصيبي وتركي الحمد وبعد كل تلك السنين من اعتناقهما للمدرسة الليبرالية التحررية وهي مدرسة فردريك نتشه نجده يتجه ويميل في الآونة الاخيرة إلى المدرسة الليبرالية الأخلاقية اتباع امانويل كانط

 

وعندما نرى وندقق في سير الاخوانيين وخصوصاً بعد الربيع العربي نجد أنهم انتقلوا من جعل الدين حاكماً إلى جعله مكوناً من ضمن مكونات المنظومة الأخلاقية فيتبجح خميني بريدة العودة بأنَّ النبي ﷺ أقام دولة مدنية ولم يقم دولة دينية، وهذا كلام الهالك محمد مرسي وما علم العودة المسكين بأن النبي ﷺ أقام دولةً دينية مسلمةً لانَّ الدين عند الله الاسلام فلا دين حق الآن إلا الاسلام وما عند النصارى من حق فهو عندنا وما عندهم من باطل فليس من الاسلام في شيء ولو أن النبي ﷺ أقام دولة مدنية لما صار هناك داعي لخروج النفاق لأنَّ الدولة المدنية قائمةٌ على الحرية والاخوانيون يعتمدون تقديم الحرية، فتأخير الشريعة عن مقامها اعتقاداً وجعل الأخلاق والحريات مقدمة عليها قد اتضح جلياً من بعد ما يسمى بالربيع العربي. وأول من أظهر ذلك ليس القرضاوي فقط، بل سفر الحوالي، حيث يؤكد في كتابه الأخير على أن مصدر السياسة الشرعية هو الأخلاق ولا سيما العدل. وهذه دعوة صريحة إلى الليبرالية الأخلاقية نسأل الله السلامة والعافية.

 

ولمن نظر بأدنى نظرٍ إلى عبارة السياسة الشرعية لعلم أنَّ مصدرها هو الشريعة وليس الأخلاق، لان الأخلاق لا تتفق بين الشعوب وأما قوله ولاسيما العدل فليس العدل من الأخلاق لأن العدل لا يُعرف إلاَّ من الشرع. فقسمة المال الموروث بين الذكر والانثى كيف نعرفها إلاَّ عن طريق الشرع (للذكر مثل حظ الانثيين)، الحاصل أن الاخواني لم يتحول إلى تنويري بل أنه تنويري في الأساس والدليل على ذلك لما أتى التحول المرحلي تمت الاستجابة بسرعة من أفراد الاخوانيين ومن أهمهم السروريين في السعودية وعموم الخليج ومن تأثر وتعاطف مع فكرهم لكنها استجابة لا ترتقي إلى كونها تحول فكري لأن من سنن الله أن التحول الفكري لا يأتي بهذه السرعة وبشبه الأوامر إذ الامر ليس تحولاً فكرياً إنما هو تغيير مرحلي يحمل هذه الايقونات التنويرية داخله فأتى الوقت لإظهارها لأن الفكر الاخواني مثله مثل أي فكر باطني يسير بسلوك المنظمة.

 

أما من بقوا من الاخوانيين تحت الغطاء الاول وهو تقديم الشريعة بزعمهم، وماهي إلاَّ شريعة الخوارج فإن التيار الاخواني العام وحتى لا يخسرهم أخذ يغذيهم بطريق غير مباشر بالفكر التكفيري الصريح، ليستفيد منهم ويرتقي عليهم أمام الليبرالية العالمية بادعاء محاربتهم وإلحاقهم بالسلفية مع أن السلفية هي أول من حارب الفريقين جميعاً وبين انهم في سلة واحدة لان الاتجاه اليساري الليبرالي بمدرستيه عموما يقوم على الفكر الخارجي سواء كان فكراً قعدياً ( الخوارج القعدة) أو فكراً خارجياً مسلحاً وما الدعوة الى الثورات قديماً وحديثاً منا ببعيد.

 

اذا فالفكر التنويري كهنوتي خارجي لأنه يقدس النتاج البشري ومن مظاهر ذلك التقديس والذي يبين كهنوتية وخارجية التنويري في نفس الوقت تقديسه الثورات على الحكام ووصفه لها بأنها من أعلى درجات النتاج البشري ومن يعارض هذا النتاج البشري والمسمى الثورات فإنه يتعرض للاضطهاد والمحاربة الفكرية والمادية، بل والتصفية الجسدية، وما المسمى بالربيع العربي منا ببعيد و هذه الحالة تجمع  بين الاضطهاد الكنسي والاضطهاد التنويري في سلةٍ واحدة

 

وهذه هي السنة الثانية التي تجمع التنويري بالكهنوتي الا وهي استخدام العنف مع من يعارض نتاجهم البشري وفي زمن ما يسمى  الربيع العربي فإن من عارض الثورات ونهى عنها تعرض للإضطهاد بأنواعه من مادي ومعنوي وادبي، لقد عانى النصارى من الاضطهاد الكنسي فترة من الزمن فلما انتهى مفعوله خرجوا لنا بالاتجاه التنويري، والذي تطور بشكل ناعم حتى اتسم بالمحاربة الاجتماعية و المادية حتى أنه يصل في كثير من الأحيان الى التصفية الجسدية مثلها مثل الاتجاه الكنسي فأول الكهنوتية النصرانية كانت ناعمة وتحولت بعد ذلك الى الاضطهاد الكنسي من اجل حماية افكارها ونتاجها البشري.

 

            والتنويرية لا تختلف كذلك عن الكهنوتية و هي تعتمد  نفس أسلوب الكهنوتية في الاضطهاد الكنسي وظهر ذلك جلياً في دفاع أطياف التنويريين عن نتاجهم البشري ومن أهمه الفكر الثوري والثورات، لدرجة كما قلنا أنهم عادوا كل من يبدي رأيه المخالف للفكر الثوري، ومارسوا عليه عملية إرهاب الفكر، بل وصلوا الى حد الاضرار المادي والجسدي له وهذا نفس ما حدث في زمن الاضطهاد الكنسي مما يدل دلالة قطعية على أن الكهنوتية والتنويرية تقف في جهة واحدة ضد الدين الصحيح وهو الاسلام وكل ما يدعو إليه ويمهد له لأنَّ الكهنوتية والتنويرية تقدس النتاج البشري وتقدمه على النص المقدس، ولو  ظهر نتاجهم البشري في بعض الأحيان في مظهر ديني باسم إقامة العدل وابتغاء مرضاة الله كما قال ذو الخويصرة للنبي ﷺ اعدل يا محمد فإنها قسمة ما اريد بها وجه الله فهنا ذو الخويصرة يأمر الشريعة ويستدرك عليها متمثلة في النبي ﷺ بأن يكون عادلاً و مبتغياً وجه الله، و رؤية ذو الخويصرة هذه نتاج بشري جعلها ديناً لدرجة أنه اعترف أمام النبي ﷺ عندما وصل المدينة النبوية واقبل على النبي ﷺ واصحابه انه قال في نفسه: اما والله إني خير من هؤلاء كلهم. فصار بسبب تقديسه لنتاجه البشري يرى أن له فضل وقدسية على الشريعة فقدم نتاجه البشري على الشريعة ورأى أنه خير من هؤلاء كلهم ومنهم محمد ﷺ وهذا تقديس للذات سببه تقديس النتاج.

 

ومثل ذو الخويصرة هذا من يستدرك على الشريعة ويدعو الى أسلمة الديمقراطية وكأن الاسلام ناقص و لا يوجد به نظام سياسي مشرّع من قبل الله فاحتيج إلى اسلمة الديمقراطية لذلك ترى جراءةً عند من يجيز أسلمة الديمقراطية على نقد وتحريف نظام الحكم في الإسلام والذي يعتمد على ثلاثة ركائز تناقض الفكر الديمقراطي من أساسه وهي:

 

 ((الجماعة والامام والبيعة))

 

وهذه الجراءة أتت من كونه يرى أن النتاج البشري الذي استحسنه أضمن وأقوى في حفظ حقوقه من النظام الإلهي وهذه هي التنويرية الكهنوتية في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله كما سبق ان  تعرضنا لها اول المقال في قوله تعالى (اتخذوا احبارهم و رهبانهم اربابا من دون الله) ونفس المبدأ عند الرهبان هو نفسه عند الخوارج من تنويريين وغيرهم وهو ما أشار له ابن تيمية من ان الخوارج عندهم صفتان هي أساس مذهبهم ومن اتصف بأحدهما صار خارجيا.

 

الأولى: جعل حسنة ما ليس بحسنة وجعل سيئة ما ليس بسيئة.

 

والثانية: إحداث التحزب في جماعة المسلمين بأي وسيلة ومنه التكفير مما يؤدي إلى التعددية الحزبية والخروج على ولي الامر.

 

فجعلوا الديمقراطية حسنة وهي ليست بحسنة وجعلوا الالتفاف على ولي الامر والثناء عليه وإظهار هيبته سيئة ونفاقاً وهو ليس بسيئة بل هو السنة، والذي عليه الأدلة قال ﷺ خمسٌ مَن فعل واحدةً منهنَّ كان ضامنًا على اللهِ : مَن عاد مريضًا ، أو خرَج غازيًا ، أو دخلَ على إمامِه يريدُ تَعزيرَه و توقيرَه ، أو قعد في بيتِه فسلِمَ النَّاسُ منهُ ، و سَلِمَ من النَّاسِ

 

الراوي : معاذ بن جبل | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع

 

الصفحة أو الرقم: 3253 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

 

فمعنى او دخل على إمامه يريد تعزيره و توقيره  أي نصرته مع التعظيم وإظهار هيبته.

 

 وأما بالنسبة لإحداث التحزب وتفريق الكلمة فلقد مارست التنويرية الفردية الاضطهاد ضد من يخالفها بكل انواعه المعنوية والمادية وأحدثت التحزب داخل المجتمع وما سبق ينطبق على الليبرالي الأخلاقي وهو الإخواني بنائي كان أو قطبي أو سروري وكذلك يمارسه الليبرالي التحرري عندنا في السعودية والخليج عموماً فإنه يستغل تلبس السرورية بالدين لا لمحاربة افكارها كما يفعل السلفي، بل لمحاربة اللإسلام وتعاليمه وإلاَّ فإن الليبرالي التحرري والسروري يجتمعان في دعم الفكر الخارجي وإن اختلفت المسميات فكلاهما يدعم التعددية الحزبية، وهذه أول ايقونات الفكر الخارجي والديمقراطي في نفس الوقت والمغذي الاول له، وكذلك كلاهما يدعم الحرية في الخروج على نصوص الوحي التي قرر السلف الصالح أنها ليست محل اجتهاد لأنها مرتبطة بالأصول ولكنهم اجتهدوا عليها واعملوا العقل (الرأي) فيها وهذا تقديس منهم للنتاج البشري بتقديمه على الوحي.

 

نخلص فيما سبق إلى عدة أمور:

 

أولا: أن كل من الكهنوتية والتنويرية حقيقتها واحدة وهو تقديس النتاج البشري

  

ثانيا: أن التنويرية مثلها مثل الكهنوتية تمارس الاضطهاد المعنوي والمادي ومنه الارهاب الفكري بل الاضرار الجسدي في حال المساس بمقدّسها ومن اهم مقدساتها الفكر الثوري وما ردود فعلهم في ما يسمى بالربيع العربي منا ببعيد

 

ثالثا: أن التنويرية تعد حالة من الوضوح الفكري تعقب الفكر المختلط بالدين المحرف كما هو عند السروري فلقد وجدنا كثير من السروريين صرحوا بالتنويرية ليس انتقال لها بل تويضحا  اكثر لما ابتدعوه من قبل لان الحقيقة في مذهبهم هو تقديس نتاجهم وتقديمه على عقيدة السلف

 

رابعا: أن الاضطهاد الكنسي تكرر ورجع الى الوجود من جديد ولكن بمسمى جديد وهو الاضطهاد التنويري فقد اصبح التنويريون يناصبون العداء بشتى انواعه لمن يحارب نتاجهم البشري خصوصا ايقوناتهم الاساسية وهي الثورات و التعددية و ودعم المؤسسات المدنية و التي تساهم في اضعاف سيادة الدولة


خامسا: اتضح لنا ان السلفية ليست كهنوتية فلو انها كهنوتية لأخذ السلفي جميع اقوال السلف كلها ولم يفرق بينها لان السلفي لايأخذ كلام السلف كله ويعتمده بل يعتمد الاصول التي لا اجتهاد فيها اي لا تحمل نتاجا بشريا بل التي تحمل فهماً متوارثاً كما ورد ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فهم اهل الاثر واما ماكان من السلف من امور الاجتهاد والتي يسوغ فيها الخلاف والاجتهاد فالسلفي لايأخذها كما يأخذ الاصول من السلف بل ينظر فيها ويجتهد عليها لانها نتاج بشري فهو غير مقدس وليس القول بأنّه غير مقدس اي انه غير محترم فهذا بعيد.ا.هـ


اقرأ المزيد

الشيخ "العتيبي" يوضح مفهوم "السلفية الحقة" المتمثلة في التمسك بالكتاب والسنة

أوضح الشيخ وجب بن علي العتيبي، المستشار بوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية، مفهوم السلفية الحقة المتمثلة في التمسك بالكتاب والسنة.

مصطلحات دخيلة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مزيدًا إلى يوم الدين

شاهد.. الدكتور "الحدادي" يرصد خطورة العلمانية على الإسلام والمسلمين وسبل الوقاية

رصد الشيخ الدكتور علي بن يحيى الحدادي، مخاطر العلمانية على الإسلام والمسلمين، مستعرضًا أهم السبل التي يمكن اتخاذها لمواجهتها ومنع انتشارها

الجِلد الجديد.. الإخوانيون الجدد

الحمدلله.. الأصل في الحركات الباطنية أنّها كالحيّة تغير جلدها حسب الظروف المحيطة بها وإن تغيرت وتباينت عن قريناتها وشقيقتها اللاتي هنّ من نفس جنسها

من هو الحلاج؟

فهذه كتابة يسيرة حول شخصية غريبة تكلم عليها جمع من أهل العلم على اختلاف مذاهبهم العقدية والفقهية

مركز تفسير الإسلام يرد على تصريحات "الهويريني" المغلوطة في الليوان

رد مركز تفسير الإسلام على التصريحات المغلوطة التي أدلى بها "علي الهويريني" خلال برنامج الليوان حول تفسير حقيقة العبادة.

تعليقات


آخر الأخبار