الإخوان والمناهج الدراسية


بقلم - أبي عمرو محمد الكريمي

 

الإخوان المسلمون وغزو المناهج قضية وموضوع جديرٌ بالاهتمام والبحث، نظرًا للآثار السيئة التي نتجت عن التهاون بعلاجها من عقود؛ وذلك للغموض والتكتم والسرية التي اكتنفت هذه الجماعة وفكرها، وما تلبست به من لبوس الدين والعاطفة والغيرة؛ حتى كان مناقشة ونقد فكرها إلى وقت قريب من المحذورات الدينية والمجتمعية.

 

ولكن بعد ظهور نتاجها وأثرها الفكري على الدين ونسيج ووحدة الوطن؛ تنبه المسؤولون وصرحوا بضرورة تشخيص مواطن الخلل في المناهج الدراسية وغيرها؛ التي أدت إلى انتشار هذا الفكر الضال المخالف لفطرة المجتمع، وتوجيهات العلماء، والقادة، وعقيدة السلف الصالح .

 

ونبدأ كتهيئة للموضوع بطرح المفهوم الحديث للمنهج الدراسي كمتهم رئيسي في تسلل هذا الفكر الإخواني الضال، ونحدد الاختراقات لها، وكيف تمت؟

 

عُرِّف المنهج الحديث:  بأنه جميع الأنشطة والخبرات التي تقدمها المدرسة للطلبة تحت إشرافها ، سواء داخل المدرسة أو خارجها،  ويدخل تحت هذا المفهوم سلسلة مترابطة من تفرعات يشملها المنهج .

 

ذكر المفكر التربوي جلاتهورن ١٩٩٦م (Glatthorn) في كتابه قيادة المنهج (Curriculum Leadership) أن المناهج أنواع وهي :

المنهج الموصى به  (Recommended Curriculum)، والمنهج المكتوب  ( Written Curriculum)، والمنهج المدعم (Supported Curriculum) ، والمنهج المدرس (Taught Curriculum) ، والمنهج المختبر (Tested Curriculum ) ، والمنهج المعلم  (Learned Curriculum)، وأخيرًا وأهمها والذي سيكون حوله مبحثنا :المنهج الخفي (Hidden Curriculum).

 

مر المنهج الخفي بالكثير من التعريفات المتباينة؛ ولا يوجد اتفاق موحد ودقيق له بين التربويين إلا أن هناك اتفاقًا ضمنيًا حوله؛ والتي حاول رئيس قسم المناهج وطرق التدريس بجامعة أم القرى الدكتور إبراهيم فلاته ( ١٤١٨هـ ) الجمع بينها بقوله عن المنهج الخفي (المستتر): هو تلك الخبرات المصاحبة للعملية التربوية التي غالبًا ما تكون غير مقصودة ولكنها هامة جداً من الناحية التربوية، ومن أمثلة ذلك اكتساب القيم الدينية والأخلاقية والاتجاهات الفكرية والسلوكية المرغوب فيها .

 

ويؤكد "فلاته" أن هذا المنهج مثله مثل المنهج المعلن حيث إنه يتضمن مجموعة من العناصر تتمثل في الأهداف والمحتوى والأنشطة والتقويم .

 

وعلى الرغم من شمولية هذا المفهوم الذي قدمه أستاذي الدكتور إبراهيم فلاته إلا انه نظر إلى الجانب الظاهر والإيجابي للمنهج الخفي، وغفل عن الجانبِ الخطير والسلبي الذي يمكن أن يمرر خلال المنهج الخفي كإكساب المتعلمين جوانبا وقيما فكرية ضالة مقصودة، ومخطط لها؛ متمثلا في تفاعل المتعلم مع معلميه وزملائه عن طريق: الملاحظة والقدوة والتوجيه غير المباشر خلال الانشطة اللاصفية، وذلك من أفراد اخترقوا التعليم وسعوا إلى إحداث تغيرات لصالح حزبهم الحركي الإخواني دون أن يشعر بهم المسؤولون، مخططوا المناهج، وقد يكون هناك من يدعمهم من كبار من وصلوا إلى مناصب في الوزارة وخصوصًا في الأنشطة المصاحبة والتي كانت تسمى أنشطة لا منهجية .

 

ومن هنا ندرك أهمية ما نادى إليه ولاة الأمر، والخبراء، وعقلاء المجتمع؛ بضرورة تنقية المنهج بهذا المفهوم الواسع الشامل من الفكر الإخواني الضال، والارتقاء بجميع جوانبه المستهدفة، وجميع العوامل المؤثرة فيه؛ كعملية تطوير شاملة ومدروسة؛ للوصول به إلى أحسن صورة ممكنة، وليس فقط التغيير الروتيني للمقررات الدراسية بالإضافة والحذف الناتج عن احداث طارئة أو مجاملة لجهات داخلية أو خارجية  .

 

وبحكم خبرتي في التربية وعملي لما يقارب العقدين في الإشراف التربوي، وما يقارب العقد في التدريس داخل وخارج المملكة، وقبلهما عقدين كطالب في التعليم الجامعي والعام، واختلاطي بأصحاب هذه التوجهات، ومعرفتي التامة بأهدافهم، ومناصحتهم ومناظرتهم في المنتديات منذ أكثر من خمسة عشر سنة، وجدت أنهم قد حققوا أهدافهم؛ مستغلين الميزانيات التي تقدمها الوزارة وسخروها لخدمة مشروعهم الحركي ، كما استفادوا من جميع الإمكانات التي وفرت لإنجاح الأنشطة لتحقيق أهدافهم .

 

بل كانوا يعملون الليل والنهار زُرافات ووُحدانًا لاستغلال كل صغيرة وكبيرة لمصلحة دعوتهم وإبهار قادة المدارس والإدارات والوزارة بإنجازاتهم، التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وكانت سببًا في تمكينهم من الوصول إلى أهم المناصب التعليمية، وحصدهم للجوائز والمكافآت والشهادات .

 

كما مكنتهم من السيطرة على المناصب العليا، ومواقع صنع القرار، وأصبحوا يتواصون في مساعدة بعضهم بالتوسط والتزكية لنيل أعلى الشهادات، والوصول إلى أعلى المراكز والقيادات في التعليم خاصة وفي غيرها من المجالات .

 

ونلفت الانتباه أن الفكر الإخواني قد غزا مجتمعنا السعودي والخليجي عامة قبل عقود ومنذ أواخر الستينات وأوائل السبعينيات تقريبًا؛ بسبب ظروف سياسية ودينية أدت إلى تعاطف حكامنا وشعوبنا مع الإخوان المسلمين عندما حوربوا وشردوا من بلادهم، فدفعتنا العاطفة الدينية والأخوة الإيمانية، إلى احتضانهم واحتضان رموزهم و كبار مفكريهم، وتسليمهم مناصب هامة في التعليم العالي والعام، وبعد أن كسبوا ثقة وتعاطف  القادة والمجتمع، وأكرموا بأعلى المناصب التدريسية في الجامعات، وفي أهم مواقع وزارة المعارف لدينا آنذاك؛ المتعلق ببناء وتطوير المناهج ومنهم على سبيل المثال مناع القطان والهلباوي وغيرهم.. الذين بدؤا بنشر فكرهم عن طريق طباعة مجموعة من كتب الإخوان الحركية في مطابع الوزارة ونشرها في مكتبات المدارس .

 

كما تزايدوا في الجامعات وهيئاتها التدريسية حتى نال معظمهم  أعلى الجوائز كجائزة الملك فيصل في خدمة الإسلام، وذاع صيتهم وشهرتهم، واستغلوا ذلك وبهدوء وسرية ومكر وبنفس طويل وعمل منظم ليستطيعوا بث فكرهم في فئات كبيرة من أفراد المجتمع، وتشكيل حزبهم السري من أبناء المجتمع حتى توغلوا في معظم مفاصل وقطاعات الدولة عامة والتعليم خاصة .

 

وقد انقسم هذا الفكر الإخواني المستورد و الوليد في حينه إلى قسمين كان بينهما تصادمات وخلافات داخلية خفية إلا أنهم في الظاهر وعند المحن يتكاتفون ويتعاضدون ويشد بعضهم أزر بعض؛ وهم :

 

١. الفكر البنائي (البنائية): الذي يظهر المسالمة وينتهج فكر حسن البنا في التجميع والتحزب والتقرب من السلطة والاستنكار لبعض الأعمال الإرهابية، حتى يتمكن، ثم يقوم بمهامه اللوجستية من نشر الفكر الإخواني التكفيري بطريق غير مباشر وهو الإحالة إلى كتب ومراجع الإخوان، ونشرها، وتزكية الشخصيات التي وضعت فكرهم، وتوجيه الشباب بطريقة خبيثة للتلقي عنهم: بذكر محاسنهم وجهادهم، وتضخيم مظلوميتهم، وإثارة الحماس والغيرة وهموم الأمة لدى العامة والغوغاء، بأساليب حديثة ومبتكرة وتقنيات إعلامية عالية؛ تحقق لهم مكاسب تجارية وجماهيرية وفكرية .

 

٢. الفكر القطبي (القطبية): وينتهج الفكر الثوري التهييجي والمصادمة المباشرة؛ وبالرغم من وحدة مصادر التلقي إلا انه انشق عنها فيما بعد فرقة تخالفها في الوسيلة للوصول للغاية، والمظهر، والولاءات المنفتحة؛ والتي اعدت مميعة، وهي: "السرورية" نسبة للإخواني محمد سرور الذي تنقل بين معاهدنا و منابرنا حتى تمكن من تجميل فكر سيد قطب وقولبته في صورة سلفية مزيفة تحت مسمى وهمي جديد وهو الصحوة؛ ليسهل تقبلها واعتناقها، وكان نتاجها تشكل جماعات غلو وتطرف داخل الجماعة القطبية كالقاعدة ثم داعش والنصرة وغيرها كنبتة زقوم  زرعوها على خلفية إخوانية قطبية صوفية بحتة، ربيت على الحماس والعنف والتكفير، تكفر بعضها ، ولكن متعاضدة استطاعت نقل المناهج المستوردة والفكر الدخيل من الخارج ومن مواطن الفتن إلى مجتمعنا، وكانت مرتعاً خصبًا لاختراقها من الماسونية والمجوس الرافضة، وأنصار القبورية الصوفية العثمانية، ودعموها؛ لتحقيق أهداف كل منهم من تشويه الإسلام، وتشتيت المسلمين، واستباحة أراضيهم، وتدمير مقدراتهم، بأيدي أبنائهم؛ حفاظًا على وجود الكيان الصهيوني، أو تمريرًا لمخططات الغرب، أو سعيًا لاستعادة أمجاد العجم الفارسية والعثمانية في بلاد العرب .

 

وقد استغل الكثير من المتأثرين والمتشبعين هذين الفكرين ذات الهدف الواحد - الوصول إلى الكراسي - وكان منهم المغررين والأتباع المقتنعون بصوابه، وأنه الحق الذي لا جدال فيه؛ حتى أصبحوا يقادون ويساقون ولا يدرون إلى أين المساق؛ ومنهم المخططون والرؤوس الذين يعرفون أهدافهم .

 

وكان من أهم وسائلهم مناهج التعليم بقسميه الذكور والإناث، وخصوصًا الأنشطة الطلابية المختلفة؛ حيث كانوا يسيرون على نمط وفكر وتخطيط واحد؛ حتى إنك لتخال أن ألسنتهم وقلوبهم وعقولهم صيغت وصبت في قالب واحد مهما تباعدت مسافاتهم؛ وذلك لما تلقوه من محاضرات، وتوجيهات محددة، وغسيل للعقول على مدة زمنية طويلة، وبجرعات منظمة ومركزة من مجموعة من دعاتهم ورؤوس الفتن المنتشرين في أنحاء البلاد؛ الذين استطاعوا مزاحمة العلماء، لينشطوا في نشر دعوتهم وفكرهم تحت ستار الدين، مجتهدين في إسقاط العلماء والحكام في أعين أتباعهم ، حتى أشربوهم هذا الفكر الضال كمسلمات شرعية، وأعموا أبصارهم وبصيرتهم .

 

ومن تلك الأنشطة التي كان لها الأثر الأكبر في نشر الفكر الإخواني  في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا وفق تخطيط علمي وتنظيمي وحركي مدروس :

 

*التوعية الإسلامية: إذا نظرنا إلى أهداف هذا النشاط الرئيسة والفرعية نجدها صيغت بصورة عظيمة؛ لو تحققت لما وجد في المجتمع صاحب فكر متطرف، ولكن للأسف لم توضع لها خطط وإستراتيجيات لتحقيقها؛ وإنما تركت لفترة طويلة للاجتهادات، وعلى غفلة وغفوة سيرها أتباع الصحوة لتحقيق أهداف غير التي رسمت لها، فقد كانت في بعض المدارس بؤر لتجميع الطلاب وتصنيف قدراتهم ومواهبهم؛ للاستفادة منهم في المناشط الحركية التي تخدم الحزب .

 

*المسرح: أيضًا نجده استغل في إعداد جيل قوي في التمثيل والإعداد والإخراج؛ ولكن بما يخدم التوجه الحركي للحزب، فقُدِّم من خلاله الكثير من المسرحيات، والمشاهد التهييجية والتهريجية، التي كان لها أثر كبير في نشر الفكر الإخواني بين الطلاب بقفازات ناعمة، وأقنعة مزخرفة، وأعمال غير شرعية سموها بغير اسمها؛ تحت غطاء مصلحة الدعوة.

 

*المكتبة: توزعت المكتبات المدرسية بين سمعية وبصرية وكتب، ومرت مرحلة وعقود من الزمان والمكتبة السمعية تعج بالأشرطة الحماسية، ويتم اختيار المحاضرات لفئة محددة ومنتقاة بعناية من للمحاضرين، وتجمع التبرعات لتوزيعها مجانًا في المناسبات والملتقيات العامة، ليكون دخلها العالي للمحاضرين والمنتجين، ولا تكاد تجد بين هذه الأشرطة والأقراص المسموعة والمرئية شيئا لكبار العلماء في تلك الأيام: كابن باز والعثيمين والألباني والفوزان وغيرهم ممن عرفوا بنشر السنة والعقيدة الصحيحة ومحاربة الأفكار الضالة والفتن .

 

كما كان الحال بالنسبة للكتب، فقد مرت عقود ومكتبات المدارس والمعاهد والجامعات تحتضن بين جنباتها  كتب الحركيين، والتكفيريين: كسيد قطب وأخيه والبنا والمودودي والندوي وغيرهم ومن سبقهم من أهل الفتن في شتى العصور، بل كان يروج لمؤلفاتهم بأنها هي العلم الذي لا تقوم الأمة ويَعود عِزها إلا به ، وتُوجَّه إليها البحوث والدراسات لينهلوا من معينها الكدر بكل جدارة وثقة، وهم متمسكون بثوابتهم الحزبية النتنة .

 

*الإلقاء والتعبير: من أهم الأنشطة التي يُختار أفرادها بعناية ؛ لإعدادهم لاعتلاء المنابر بالخطابة والإنشاد؛ بحيث يكون منهم الخطيب المفوه، والمنشد الحماسي، لذا نجحوا في الدعاية والتحفيز للجماعة، و تجميع العامة والغوغاء، وتحميسهم وتهييجهم وتغيير ذائقتهم، وتوجيه تلقيهم الى موجهيهم ومرشديهم المفكرين وصرفهم عن العلماء الربانيين الذين نبزوهم بعلماء السلطان والمداهنين، لإدخال ما ليس من الدين في الدين بالغلو وباطل التأويل  .

 

*الرحلات المدرسية: وهذا النشاط كان من أهم المجالات التي يتم خلالها صياغة فكر الأتباع، وتلقينهم مراسم البيعة، والولاء والطاعة المطلقة لقائد الجماعة، والتدريبات الجهادية، والدفاع عن النفس، والأعمال العسكرية؛ لإعدادهم لليوم الموعود والوقت المشهود .

 

وكان ذلك خلال نشاط الرحلات التي كانت تعقد في الإجازات، وضمن برامج المراكز الصيفية، حيث اكتسبت أهميتها من توجيهات حسن البنا في مذكراته حيث يقول (صـ 280) تحت عنوان: (نواحي النشاط: أولاً: قسم الرحلات الصيفية: الغرض من هذه الرحـلات: التدريب العسكري، والتعارف، ونشر الدعوة، تنظيم الرحلات في يوم جمعة من كل أسبوع مدة شهور الإجازة الصيفية، ويُشترط أن يكون لدى الأخ لباس الجوّالة، أو التدريب العسكري).

 

وهذا ما تم تطبيقه بحذافيره خلال نشاط الرحلات؛ باستثناء شرط اللباس الذي استبدل باللباس الرياضي؛ تحوطًا من انكشاف أمرهم.

 

*المراكز الصيفية: بالرغم أن هذه المراكز وُجدت لاحتواء الشباب والاستفادة من أوقات فراغهم بما يعود بالنفع عليهم في دينهم ودنياهم؛ إلا أنها استغلت معظم المراكز كمحاضن لجمع الشباب الذين تم اختيارهم بعناية خلال الأنشطة المدرسية، ليتم توجيههم وتحفيزهم للالتحاق بها، لتكون مرتكزًا هامًا، ونقطة لقاء يتم من خلالها نشر وبث وتأصيل فكر جماعة الإخوان المسلمين؛ وتطبيقاته العملية، وغرس الفكر من خلال المسابقات الثقافية، وتوزيع كتيبات ومؤلفات قادة الفكر أمثال: سيد قطب والمودودي والبنا وغيرهم كجوائز، ومصادر تلقي، كما كانت تتم التدريبات، وترسيخ القيم والمفاهيم بطرق طبيعية وموهمة مطابقة في ظاهرها لأهداف التعليم؛ إبعادًا للشك والريبة، من خلال المناشط المختلفة فيها، ولكن بما يناسب توجهات وإعداد قادة الجماعة؛ كما كانوا يظهرون للناس في ختام فعاليات المراكز أنهم قاموا بأمور محمودة، وحققوا الأهداف المنشودة، من تربية الشباب على حب الوطن، والبعد عن الأفكار المنحرفة ونحو ذلك.

 

ولكن ليس الخبر كالمعاينة، ومن أبصر ليس كمن سمع ؛ فلقد كان في معظم المراكز الصيفية ومناشطهم يُصدح بخبث ومكر وخديعة بنشيد الإخوان الشهير: (إن للإخوان صرحا كل مافيه حسن* لا تسألني من بناه إنه البنا حسن)، وانشودة ( في حمى الحق ومن حول الحرم * أمة تؤذى وشعب يهتضم،  فزع القدس وضجت مكة *وبكت يثرب من فرط الألم، ومضى الظلم خليا ناعما* يسحب البردين من نار ودم) وغيرها من الاناشيد التي ظهرت لاحقاً في مقاطع من يسمون الجهاديين وعملياتهم الإرهابية .

 

*الكشافة والجوالة: بالرغم من سمو وإنجازات هذا النشاط في التعليم العام والجامعي، ودوره في خدمة المجتمع والأعمال التطوعية، وفي مقدمتها خدمة ضيوف الرحمن، ووجود قيادات مخلصة ومتفانية في تحقيق أهدافه المرسومة؛ إلا أنه لم يسلم من اختراق الجماعة، واستغلاله لإعداد القادة والأتباع، وإقامة المعسكرات والفرق العملية: التي تشمل التدريبات العسكرية وعمليات الخطف والاقتحام، وكلمة السر والهجوم، ومهارات الحراسة؛ جنبًا إلى جنب مع ما تعلموه في المراكز الصيفية .

 

ولم تسلم منهم بقية الأنشطة المنهجية الأخرى من الجماعات العلمية وغيرها؛ بل كانت تسير في نفس الطريق و نفس القدر من الأهمية ولكن بوتيرة أقل وأبطأ .

 

مما سبق يتبين أن الخلل الرئيس ليس في المقررات الدراسية، وإنما في كيفية طرحها وشرحها وإفهامها؛ فالقرآن الكريم الذي هو منهج حياة، استطاعوا أن يتأولوه بفهم مفكريهم الثوريين، وأنزلوه على غير ما أنزل، وغرسوا المفاهيم والتاويلات الخاطئة في عقول وقلوب الأجيال؛ بلا رقيب ولا حسيب ، ومن وراء جدر، وقس على ذلك بقية المقررات والأنشطة المصاحبة لها .

 

لذا كان لزاماً قبل تعديل وتطوير المناهج مراعاة الجوانب التالية :

١. إعادة هيكلة الوزارة وتغيير رؤساء الأقسام ومن تحتهم في التدرج الهرمي إلى إدارات التعليم في الأقسام المهمة والمرتبطة بالأنشطة والمناهج خاصة، واستبدالهم بدماء جديدة همها الأكبر الدين والوطن، وتعي خطورة الجماعات وأهدافها، ومصادر الفكر المنحرف وأساليبه؛ لتخطط لإفشاله، وإعادته للمسار الصحيح؛ ولو احتاج من الوقت مايوازي الفترة الزمنية الطويلة التي أُهمل فيها، والتخلص من المسؤولين السابقين مهما اظهروا عداوتهم للفكر الإخواني، ومراجعة ماضيهم ومحاسبتهم عن كيفية تمكن أصحاب هذا الفكر التوغل في التعليم أثناء قيادتهم.

 

٢. تدريب القائمين على القيادات التربوية في مدارسنا للأولاد والبنات، ومشرفي ومشرفات الجماعات في إدارات التعليم والمدارس، وإلزامهم بدورات في مركز الحرب الفكرية الذي يرعاه سمو ولي العهد؛ هذا المشروع العظيم الذي نأمل أن تتوسع أنشطتة من التنظير الى التطبيق وعقد الدورات والمحاضرات لتشمل جميع المناطق والمحافظات والقرى، وتركز الجهود ليُحصِّن الشباب ويحارب أيديلوجية التطرف داخليًا جنبًا لجنب مع دوره العالمي .

 

٣.الاهتمام بالمكتبات المدرسية خاصة والمكتبات العامة التابعة لوزارات التعليم والثقافة والإعلام والشؤون الإسلامية والدفاع والداخلية والحرس الوطني وتطويرها تقنيًا وفهرسة محتوياتها وتنقيتها من الكتب الحركية والحزبية وإمدادها بالمخطوطات والمختصرات والمؤلفات التي تنشر مذهب السلف، وعقيدتهم في الوسطية، وعقيدة الولاء والبراء وربطها بالمعاهدات الدولية، وأحكام معاملة غير المسلمين، وأهمية ترابط المجتمع، والالتفاف حول العلماء، وطاعة ولاة الأمر في المعروف، وطرق المناصحة الصحيحة .

 

٤. فرض الرقابة والمتابعة الجيدة واستخدام أحدث أساليب المراقبة في الفصول، والقاعات والمساجد والمراكز، وأماكن ممارسة الأنشطة؛ لتقويمها وتحسينها، وتطويرها، ومنع استغلالها من صاحب أي فكر دخيل أو ضال .

 

٥. وضع الضوابط والتنظيمات والعقوبات التي تنظم العمل في الوزارة ، والأقسام والإدارات والمدارس التابعة لها؛ التي تجرم كل من يتعامل أو يتعاطف مع قادة الفكر الضال أو الجماعات، والأحزاب المنحرفة، ووضع مقاييس ومؤشرات علمية وعملية تساهم في تحديد من يحملون هذا الفكر، ووضع إستراتيجيات طويلة المدى للقضاء على رواسب الفكر المتطرف والغلو في التعليم.

 

٥. الاستفادة من الجوانب المضيئة والعلمية للتجربة الإمارتية في معالجتها لتغلغل الإخوان في التعليم، وطريقة قضائها على الفكر الذي كاد أن يودي بالبلاد .

 

٦.أن تكون اللبنة الأولى للتطوير هو المعلم، فلا بد من إشركه كعنصر أساسي في تطوير المنهج، وعقد الدورات والحلقات والندوات التربوية؛ التي ترسخ مفهوم الوسطية وعقيدة السلف في التعامل مع ولاة الأمر، وأساليب وطرق مواجهة التحديات المتجددة، والولاء للدين والوطن، والتعايش مع المخالف، وقبول الآراء ومناقشتها بالحوار الهادف في ظل تعاليم الشريعة السمحاء.

 

٧. الحذر من الاستعانة في حل المشكلة ومعالجة داء وترسبات الفكر الإخواني بأصحاب الفكر الليبرالي والتغريبي؛ فيكون كمن يصب الزيت على النار، وكالمستجير من الرمضاء بالنار؛ فهم والإخوان وجهان لعملة واحدة أحدهما تلبس بالدين والآخر بالوطنية والتقيا في هدف الوصول للكراسي مستخدمين أساليب التهييج والتهريج وشعار الحرية، وكانوا وقودا للثورات؛ التي أهلكت الحرث والنسل .

 

وكلاهما مركب ووسيلة الأعداء لاختراق المجتمعات وبث الفتن والفوضى من خلالهما، ولا تكاد تجد ليبراليًا إلا وقد ترعرع على فكر الإخوان وتشرب كيدهم وتدليسهم .

 

ختامًا:

 

نسأل الله عز وجل أن يحفظ بلادنا وجميع بلاد المسلمين من كل كيد وشر، وأن يحفظ ويصلح قاداتنا وولاة أمرنا وياخذ بنواصيهم لما يحب ويرضى .

 

وصل اللهم وسلم على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه واستن بسنته إلى يوم الدين.

اقرأ المزيد

الأبعاد الفكرية للحركة المثلية ومستقبل المجتمعات

قبل أن نتعرف على الأبعاد الفكرية لهذه الحركة التي تنشط مؤخرًا بشكل ملفت عالميًا على جميع الأصعدة سياسيًا وإعلاميًا وسينمائيًا

تطوير"التشريعات".. ترسيخ لمبادئ العدالة وحماية للحقوق ورفع للكفاءة

إن ما يشهد به ويشاهده شعب المملكة العربية السعودية والعالم أجمع من جهود صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز

خاطرة.. حينما تتحول المحن إلى منح

رسالة ود ومحبة وإخاء لمن يستشعر هذه الأيام بشيئ من الملل ويشعر بالضيق من الجلوس في منزله بسبب فيروس "كورونا" .

المسرحية السرورية والهجرة البريطانية

رأينا في الأيام الماضية مروقًا خراجيًّا لعماد المبيض ودعواه "كذبًا" وهو جالس على "كنبة" سعيد الغامدي في لندن أن الدولة السعودية

"آل الشيخ" جهوده إلى الشيشان.. والإعلام الساقط إلى الخسران

الأمة الإسلامية شرفها الله بأعظم رسالة، ورسالتها قائمة على العبادة، وأشرف أماكن العبادة المساجد

"إرهاب الأحباب".. نشأت في تركيا وترعرعت بالهند ومولتها بريطانيا

تبذل وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة في المملكة العربية السعودية بقيادة معالي الوزير الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، جهودًا كبيرة لنشر العقيدة الصحيحة والمنهج السلفي الأصيل

تعليقات


آخر الأخبار