لماذا لم يجمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
بقلم – حسين مطاوع
منذ رأت دعوة الإسلام النور وشقت طريقها في مواجهة مقومات الجاهلية وحتى يوم الناس هذا، وهي لا تزال تلقى الكيد والعداء والتربص من أعدائها، وهذا مما لا يخفي على ذي بصر وبصيرة .
فإذا تقرر هذا، فإن الشُّبه حول هذا الدين كانت ومازالت تُحاك بين الحين والآخر؛ صدًّا عن سبيله، وفتنة لأتباعه، وامتحاناً لأنصاره.
ومن الشبه التي يرددها دائما أهل العلمنة والإلحاد والتي نخصص لها مقالنا هذا، تقول: "إن القرآن لم يُجْمَع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جُمِعَ بعد وفاته، وإن الصحابة قد اختلفوا في جمعه وترتيبه!".
والرد على هذه الشبهة كالتالي:
إن مما لا شك فيه أن القرآن الكريم لم يُجمع في السطور كاملاً في عهده صلى الله عليه وسلم بل كان محفوظًا في الصدور، صدور الصحابة رضي الله عنهم، وكانت أجزاء منه قد كُتبت على الرقاع، وأُخرى على أغصان النخيل، والأحجار، وما تيسر من وسائل الكتابة في ذلك العصر .
وقد يسأل سائل: لِمَ لم يدوَّن القرآن ويُكتب في عهده صلى الله عليه وسلم؟؛ وهذا سؤال لا شك مشروع، والجواب عليه من وجهين:
الأول: أن وجود النسخ في حياته صلى الله عليه وسلم كان أمرًا واردًا على بعض آيات القرآن الكريم، فلو دُوِّن الكتاب ثم جاء النسخ لأدى ذلك إلى الاختلاف والاختلاط في الدين، فَحَفِظَه سبحانه في قلوب الصحابة إلى انقضاء زمان النسخ، ثم وَفَّق الصحابة بعدُ للقيام بجمعه.
وأيضًا فإن الله سبحانه قد أمَّن رسوله من النسيان، بقوله: "سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى"، (الأعلى:6).
الوجه الثاني: إن دواعي الكتابة لم تكن قائمة في عهده صلى الله عليه وسلم، من جهة أن القرآن ربما كان لم يكتمل بعد، ومن جهة أيضًا أن عددًا كبيرًا من الصحابة كان يحفظ القرآن في صدره .
ولكن...لما توافرت دواعي الكتابة، متمثلة بوفاته صلى الله عليه وسلم، وما ترتب بعد ذلك من حروب الردة التي استنفدت عدداً كبيراً من الصحابة الحفظة، فلما حدث ما حدث بادر الصحابة إلى جمعه وتدوينه مخافة ضياعه وذهابه من الصدور .
يدل على ذلك ما رواه البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: (أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ - أي اشتد وكثر - يوم اليمامة بُقرَّاء القرآن) فالحديث فيه دلالة واضحة على أن أبا بكر ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم لما رأوا الحاجة إلى جمع القرآن بادروا إلى ذلك وقاموا بجمعه من صدور الرجال، ومن الرقاع المكتوبة عند بعض الصحابة. ومن الثابت أن القرآن الكريم كان في مجموعه محفوظاً في صدور الرجال أيام النبي صلى الله عليه وسلم، ومؤلَّفاً على الترتيب الذي بين أيدي الناس اليوم .
ومما له دلالته في هذا السياق، ما ورد في الحديث نفسه، من قول زيد رضي الله عنه قال: (فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُب وهو ورق النخل، واللخاف وهى حجارة بيض رقيقة، وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ"، (التوبة:128) حتى خاتمة سورة براءة.
ووجه الدلالة في قول زيد رضي الله عنه أنه لم يجد هاتين الآيتين مكتوبتين عند أحد من الصحابة، إلا عند خزيمة الأنصاري، وإلا فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يحفظونها في صدورهم. وهذا يدل على أن أكثر آيات القرآن الكريم كانت مكتوبة عند الصحابة، وما لم يكن كذلك كان محفوظًا في الصدور. وهذا يؤيد ويؤكد أن القرآن الكريم كان محفوظًا كاملاً في عهده صلى الله عليه وسلم، ما بين الصدور والسطور.
ولسنا هنا بصدد سرد المراحل التاريخية التي تمَّ جمع القرآن الكريم فيها؛ لكن ما يهمنا تقريره وتأكيده أن قرار أبي بكر بجمع القرآن الكريم بين دفتي كتاب، كان أعظم قرار في تاريخ الدعوة الإسلامية، إذ حفظ لها بذلك دستور حياتها ومعالم طريقها .
نخلص مما تقدم:
أن جمع أبي بكر للقرآن لم يكن مغايرًا لما كان عليه الأمر في عهده صلى الله عليه، وكل ما في الأمر أن أبا بكر نقله من الصدور والأماكن المتفرقة التي كُتب عليها، ومن ثَمَّ جَمَعَها في موضع واحد، مخافة ضياعها وفواتها بفوات الصحابة .
أما الإجابة عن شبهة من قال إن الصحابة قد اختلفوا في جمع القرآن وترتيبه، فحاصل القول فيها: إنه إذا بدت من بعض الصحابة وجه معارضة ومخالفة حول جَمْعِ القرآن بدايةً، إلا أن الاختلاف بين الصحابة قد آل إلى وفاق واتفاق في النهاية، واجتمعت كلمة الصحابة على ضرورة جمع القرآن في مصحف واحد، وليس في هذا ما يدعو إلى التشكيك في موقف الصحابة رضي الله عنهم من جمع القرآن .
ثم يقال أيضًا: إن حاصل القول في مسألة ترتيب آيات القرآن وسوره، أن ترتيب آياته كان بتوقيف منه صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للصحابة فيه مدخل لا من قريب ولا من بعيد؛ إذ كان جبريل عليه السلام ينـزل عليه بالوحي، ويأمره بوضع آية كذا في موضع كذا، وهذا مما لا خلاف فيه.
أما ترتيب سوره فالذي استقر عليه رأي أهل العلم المعتبرين أنه صلى الله عليه وسلم فوَّض ذلك إلى صحابته من بعده، ولما كان الصحابة رضي الله عنهم قد أَلْفَوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم وقت حياته، فدوَّنوه على وفق ذلك السماع، دون خلاف بينهم، واستقر الأمر على ذلك؛ غير أن هناك من العلماء من ذهب إلى أن ترتيب السور أيضًا كان بتوقيف منه صلى الله عليه وسلم .
هذا ما وفقنا الله إليه في الرد على هذه الشبهة بما يسمح المقام به. ونسأل الله الثبات والتوفيق للمسلمين في الأمر كله. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اقرأ المزيد
فلا زال العلمانيون والملحدون يلقون بشبهاتهم حول دين الإسلام العظيم بزعم مناقضة هذه الشبهات للعقل وعدم موافقتها له
من الشبهات التى يرددها الإلحاديون ويدندنون حولها شبهة التداوي بألبان الإبل وأبوالها والتي ذكرها البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في كِتَاب (الطِّبِّ)
رفض الدكتور صالح عبدالكريم، الأكاديمي الإماراتي، الدعوات المطالبة بتدريس كتاب أصل الأنواع لتشارلز داروين
من أكثر الشبهات التي تلوك بها ألسنة العلمانيين والملحدين والتي نقلوها عن أعداء الإسلام الذين يرددونها في المواقع الشهيرة كاليوتيوب
دحض الدكتور صالح عبدالكريم، الأكاديمي الإماراتي، الشبهة التي أطلقها محمد شحرور عبر برنامجه لعلهم يعقلون، بأن التدين ظاهرة فردية.
لا يزال التنويريون يرمون كتب السنة بشبهات المستشرقين، ومن ضعيف شبههم قولهم: "داعش والقاعدة تستدلان بأحاديث كثيرة في البخاري".