الرد المختصر على من دعا إلى تقديم العقل عن النقل


بقلم - أبوفارس هيثم الفارس

 

إن العقل الإنساني له اختصاصه وميدانه فإذا اشتغل خارجها جانبه الصواب وأصابه الشطط والتخبط، وإذا حمل فوق طاقته أصابه العجز والكلل. إن ميدان العقل هو العالم المادي أما العلوم الإلهية المنقولة عبر القرآن الكريم والسنة الصحيحة فإنه يرجع بما لا يروي غليلاً ولا يشفي عليلاً بل شطحات وضلال.

 

مدارك العقل الإنساني محدودة، فهو لا يدرك أشياء داخلة في مصلحته ولكنها خارج مجاله، كتوحيد الله وتفاصيل شرائع الدين، ومعرفة ما يحب الله وما يكره، ومعرفة ثواب الله وعقابه، وما أعد الله لأوليائه وما أعد لأعدائه. وهي عقائد لا تستقيم الحياة بدونها!

 

إن إدراك العقل الإنساني جزئي إجمالي؛ فالعقل لا يدرك الأمور بالتفصيل بل ما يُحَسِّنه ويقبحه يدركه إجمالا. فمثلا يدرك العقل حسن العدل لكن تقدير الفعل عدلاً أو ظلمًا تختلف فيه العقول ولا تتفق حوله. نحن كمسلمون قد نتفق حول بعض الأفعال عدلاً أو ظلمًا بسبب تأثرنا بشرعة الله.

 

إن العقل دون الشرع لا يرجح بين المصلحة والمفسدة وتحتار العقول في الحكم على الفعل الواحد هل هو مصلحة أم مفسدة؟ فتأتي الشريعة لتوضح ذلك فتأمر براجح المصلحة وتنهى عن راجح المفسدة.

 

إن العقل يتوصل إلى فرضيات لا يمكن إثباتها وقضايا منها ما هو صحيح ومنها ما هو خطأ، وقد تجرف الفرضيات العقل الإنساني فيقع في الإلحاد.

 

وبناء عليه فلا يمكن للعقل أن يكون ميزانًا للأمور؛ لذلك فإن الشريعة جاءت بما تعجز العقول عن معرفته، ولم تأت بما تعلم العقول بطلانه، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ}، وهو ميزان شرعي مستمد من الكتاب والسنة تقاس به الأمور على الوجه الصحيح لا على أقيسة عقلية فاسدة.

 

فيتبين لنا أن العقل لا يمكن أن يستغني عن النقل لما تقدم، ومن يفعل فقد ظلم نفسه ظلما كبيرا لأنه عطل نور الوحي واستغنى عنه. ويكون بذلك العقل تبعا للنقل لا مقدما عليه وهذا من تمام الإيمان بالله ورسوله كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ...}.

 

ومن قدم عقله على النقل ولم يجعله تبعا له فقد ناله نصيبا من قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}، وقوله جل وعلا: {كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ}، قال ابن تيمية: "يا ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة"؟!

 

إذن لا سبيل إلا بتقديم النقل على العقل والإنقياد التام والإستسلام لأوامر الله ونواهيه من أدلة نقلية ثابتة، قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}، وكانت طريقة السلف أخضاع العقل للنقل مخالفين بذلك الفلاسفة.

 

فالسلف من الصحابة ومن سلك سبيلهم لم يلجأوا لتأويل النصوص على مقتضى عقولهم بل احتكموا للكتاب ولم يعارض أحدهم النقل لا برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه، ولم يتبعوا متشابه الكلام ليصدوا به عن سبيل الله، ولم يشككوا في دين الله ويضعوا الاحتمالات، لذا فمنهجهم أعلم وأحكم.

 

ومن خالف طريقة السلف وقدم العقل على النقل فقد وقع في الاضطراب والحيرة رغم ذكاءهم، ومنهم الرازي قال نادمًا:

 

نهاية إقدام العقول عقال * وأكثر سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا * وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا * سوى أنم جمعنا فيه قيل وقال

 

وبالتالي فإن النهاية تعود بنا إلى بداية الحكاية لـ نعترف بحقيقة أننا لو صَدَقْنَا بحمد الله على نعمة العقل فعلاً لا قولاً، لَمَا تجاهلنا استخدام هذه النعمة، وبالتالي فإن الاستخدام السليم للعقول يقودنا إلى تقديم النقل على العقل.

اقرأ المزيد

شبهات إلحادية الحلقة الثانية.. شبهة قتل المرتد

من أكثر الشبهات التي تلوك بها ألسنة العلمانيين والملحدين والتي نقلوها عن أعداء الإسلام الذين يرددونها في المواقع الشهيرة كاليوتيوب

شبهات إلحادية (3).. رد شبهة التداوي بأبوال الإبل وألبانها

من الشبهات التى يرددها الإلحاديون ويدندنون حولها شبهة التداوي بألبان الإبل وأبوالها والتي ذكرها البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في كِتَاب (الطِّبِّ)

شاهد.. الرد على شبهة ترك التفسير المأثور والاعتماد على الواقع والعقل!

دحض الدكتور صالح عبدالكريم، الأكاديمي الإماراتي، الشبهة التي أطلقها محمد شحرور عبر برنامجه لعلهم يعقلون، بترك التفسير المأثور والاعتماد على الواقع والعقل.

شبهة التنويريين في أن الدواعش يستدلون بأحاديث في صحيح البخاري

لا يزال التنويريون يرمون كتب السنة بشبهات المستشرقين، ومن ضعيف شبههم قولهم: "داعش والقاعدة تستدلان بأحاديث كثيرة في البخاري".

بالأدلة.. أكاديمي إماراتي يدحض نظرية "داروين" الإلحادية

رفض الدكتور صالح عبدالكريم، الأكاديمي الإماراتي، الدعوات المطالبة بتدريس كتاب أصل الأنواع لتشارلز داروين

لماذا لم يجمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟

منذ رأت دعوة الإسلام النور وشقت طريقها في مواجهة مقومات الجاهلية وحتى يوم الناس هذا، وهي لا تزال تلقى الكيد والعداء والتربص من أعدائها

تعليقات


آخر الأخبار