أصل هام من أصول العقيدة يجهله الكثيرون بسبب دعاة الفتن والضلالة


بقلم - أبي عمرو محمد الكريمي

 

من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة طاعة ولاة الأمر بالمعروف بررة كانوا أو فجرة، عادلين أو ظلمة وإن استاثروا بالدنيا والأموال، ووجوب توقيرهم وتعزيرهم والذب عن أعراضهم، ومناصحتهم  بالطرق الصحيحة والأساليب اللينة، وعدم الخروج عليهم، والاعتراف بولايتهم وإمامتهم، وأن بيعتهم بيعة شرعية منعقدة في عنق الرعية متى اقرها أهل الحل والعقد أو وصل إليه السلطان بالتغلب، كما يجب عدم الافتيات على قراراتهم، والإيمان بأن الدعاء لهم بالصلاح من أعظم القربات، ومن أفضل الطاعات، ومن النصيحة لله ولعباده .

 

وقد تضافرت النصوص الكثيرة المتواترة على هذا الأمر، وعلى هذا الأصل الأصيل، وصُدرت كتب العقيدة لسلفنا الصالح بتقرير هذا الأصل، وأنه أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، وليس من المسائل الفرعية التي يسوغ فيها الخلاف .

 

وأهل العلم مجمعون على ذلك، وأنه سبيل لزوم الجماعة؛ ولا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة ، كما أقر العقل الفهيم، والفطرة السليمة بأهمية هذا الأمر؛ وأن المخالف والمنازع لهذا الأصل هم أهل الأهواء والبدع ، من الخوارج والمعتزلة وأضرابهم .

 

وإذا أمر ولي الأمر بمعصية، فحينئذ لم تجز طاعته في تلك المعصية فقط، وتبقى طاعته واجبة لا تنقصها تلك المعصية، ولا تجيز نزع يد من طاعة، أو التشغيب عليه بسببها بدعوى الإنكار .

 

أما إذا أمر بشيء تنازع فيه أهل العلم، أو كان متفقا على تحريمه، لكن حمل عليه دفعُ ما هو أعظم منه شرًا، وتعذر دفعهما جميعا، أو منع ولي الأمر من أمر مشروع لأجل تحصيل ما هو أكبر منه، وتعذر تحصيلهما جميعا، وجبت طاعته في ذلك، وحرمت مخالفته؛ فقد يأمر بأمر، يظهر للناس أنه معصية، لكنه قرر ذلك لدفع مفسدة أعظم، أو قد يمنع من مصلحة شرعية لتحصيل مصلحة أكبر تشاور فيها مع العلماء وأهل الحل والعقد، وجب اتباعه ولا يلزمه أن يعلن للناس العلة والدافع والسبب لذلك .

 

وقد قصد الشارع من جعل تلك المنزلة الرفيعة لولي الأمر ليس لشخصه وإنما لتحقيق مقاصد بليغة، والحفاظ على مصالح عظيمة، أول المستفيدين منها هم الرعية، فبطاعته وتوقيره تتحقق مصالح العباد والبلاد، من إقامة الصلوات والحج وسائر العبادات، وتحقيق وسائل الاستخلاف والتقدم والازدهار في الكون وعمرانه بما يرضي الله – عز وجل – ويحصل الأمن والطمأنينة لدى الناس على أعراضهم، وأموالهم، وبيوتهم، وحصول التوجه لكسب المعاش، لأن الناس إذا أمنوا على بيوتهم، وعلى أسرهم، توجهوا لكسب معاشهم، فهذا يعمل في وظيفته، وذاك يعمل في متجره، وذاك يعمل في مزرعته، وذاك في مصنعه، وهكذا..

ومن ثمراته أيضًا تقوية شوكة المسلمين، واجتماعهم، فتصبح كلمتهم سواء، وقلوبهم متحدة، مما يجعل لهم هيبة في نظر  عدوهم، فمتى اتحدوا واتفقوا وائتلفوا مع ولاتهم وأئمتهم، صاروا شوكة في حلوق أعدائهم، وأرهبوهم، ولم يستطيعوا التجرؤ عليهم، أو الحط من كرامتهم، واستعمار بلادهم وسلب خيراتهم، أو نحو ذلك من الأمور .

 

ومتى شاعت الفتن والفوضى ضاع الأمن والدين وانتهكت الأنفس والاعراض والأموال وتردت الأوضاع وتسلط الأعداء، كل ذلك وأكثر جعل الشارع الكريم يعلي منزلة ولي الأمر ومكانته.. ومن يكره، أو يعترض على ذلك، فإنما يكره ويعترض على حكم قرره الشارع، ويعرض نفسه للكفر والغدر، ومجتمعه للهلاك فليحذر المؤمن من ذلك.

 

والحذر والتحذير من أهل البدع والأهواء والضلال المعاصرين، وكتابات سلفهم الذين سعوا لإفساد عقول الشباب وتضييع هذا الاصل بالتهوين من شأن السمع والطاعة بالمعروف للولاة ، وإظهار من يخالف هذا الأصل بمظهر الشجاعة والجرأة والتدين والجهاد، حتى جمعوا تحت شعاراتهم كل من يتفق معهم على تحقيق أهدافهم، وإن كان قبوريًا مشركًاأو رافضيًا مبتدعاً ضالاً أو علمانيًا منحرفًا أو عدوًا للإسلام والمسلمين .

 

وسعوا بوسائل متعددة ومتنوعة لعزل الشباب شعوريًا عن العلماء، وطلاب العلم الناصحين، واشغلوهم عن سماع صوت الناصحين من العلماء، وطلاب العلم، حتى لا تنكشف حقيقة ما يراد بهم، وما يساقون إليه، ولا تتضح لهم مفاسد تلك المناهج، ولا يعرفون خطأ ما هم عليه، بسبب تلك العزلة .

 

كما ربطوا أتباعهم بأشخاص معينين منحرفين ، يتلقون منهم أفكارًا تلهب حماس الشباب الطائش والعامة والغوغاء، وتستجيب لعواطفهم المتهورة، ليظهر أولئك الأشخاص أمام الشباب بأنهم من العلماء ، وطلاب العلم الملهمين، فيصفونهم بأوصاف تجعل لهم في نفوس الشباب المنزلة العلية، وهكذا في سلسلة من الأعمال التي تؤكد العزلة الفكرية في مرحلة خطيرة من العمر، حتى يتشرب أولئك الشباب تلك الأفكار، فلا يمكن بعد ذلك تغيير مفاهيمهم بسهولة ، لأنهم لا يعتبرون بالعلماء الراسخين، وإنما يعظمون أشخاصًا آخرين، ويعتقدون أنهم هم العلماء حقا، ولا ينظرون إلى ضعف علمهم، وضحالة فكرهم، وقلة ورعهم، وجرأتهم على الفتوى والكلام في المسائل الكبيرة، ومخالفتهم  العلماء الكبار، وعدم الاكتراث بهم، وربما ازدرائهم .

 

كما ركزوا في دعوتهم على إيغار صدور الناس على ولاة امرهم، فلا يسمعون خيرا قام به ولي الأمر إلا حجبوه عن الناس، فإن لم يقدروا على حجبه، ذهبوا لتحريفه والطعن في مقاصده، بأنه إنما فعل ذلك بقصد كذا وكذا، وكأنهم شقوا عن قلبه، واطلعوا على نيته .

 

ولا يسمعون عن خطأ، أو زلل أو هفوة لولي الأمر إلا نفخوا فيها، وروجوا لها، وبالغوا في إنكارها علانية، وشغّبوا بذلك المنكر على ولي الأمر، واستغلوها لإيغار صدور الناس وبث الفتنة .

 

بل الأدهى من ذلك أنهم إذا سمعوا أحدًا من أهل العلم يُعلم الناس هذا الأصل العقدي المهم – وهو طاعة ولاة الأمر بالمعروف –ويحذرهم من التهاون فيه، ويقرر ذلك بأدلة الكتاب والسنة، ويؤكده بفعل سلف الأمة قالوا: هذا مداهن ونبزوه بأسوأ الالقاب مثل: علماء السلطان والمرجئة والجامية والخلوف وغيرها من العبارات التي يتورع عنها اعداء الملة والدين .

ولاغرابة في ذلك فقد سبقهم في هذا السفه من التنابز وسوء الخلق والغيبة والبهتان والفجور واللدود في الخصومة والتلون والمراءاة سلفهم من الخوارج الأُول، وكافة طوائف أهل الأهواء والبدع ليطمسوا الحق عندما ضعفت حجتهم وانكسرت شوكتهم .

 

وقد يُظهرون باطلهم وبدعتهم، على أنها غَيرة على محارم الله، أو أنها انتصار للمظلوم أو إنكار للمنكر.. ونحو ذلك من دعاوي الإصلاح والله يعلم المفسد من المصلح، إذ لو كان الهدف الإصلاح والتوجيه، لعرفوا للإصلاح أبوابه ولسعوا إليه من طرقه الشرعية وقواعده المرعية .

 

ومن برامج مخططهم اليوم محاولة السيطرة على بعض القنوات الفضائية، ووسائل التواصل الإجتماعي، بعد أن تمكنوا بالأمس من السيطرة على التسجيلات والشريط الإسلامي والأنشطة المدرسية والمراكز الصيفية والمنابر والملتقيات الدعوية لأجل توصيل تلك الأفكار للعامة، وخاصة الشباب، وترسيخ تلك المفاهيم الخطيرة، وتحقيق أهدافهم الفكرية الضالة، وتحقيق المكاسب المادية، والوصول للمراكز القيادية في مفاصل الدولة، ومنع كل ما يخالف فكرهم، وتقديس مفكريهم من التكفيريين، وأتباعهم من المغررين، كل ذلك من خلال خُطة محكمة ظلامية، كان نتاجها وعواقبها وخيمة، اشعلت نار الفتن في العالم الإسلامي من خلال الدعوة للمظاهرات والثورات وتسويغها مما ادى إلى سفك الدماء، وانتهاك الأعراض، وإخافة السبل، وتدمير البلدان، وذلك حينما اتبع شباب الأمة هؤلاء الرؤوس الجهال، وابتعدوا عن العلماء الراسخين، ولولا فضل الله علينا  ووقفة العلماء الناصحين لكنا بسببهم من الهالكين .

 

نسأل الله – عز وجل – أن يمكن منهم، وأن يكفي المسلمين شرور دعوتهم ويحفظ علينا ولاة امرنا وعلمائنا وبلادنا وأمننا.

 

وعلى العلماء وطلبة العلم انتشال الشباب من تلك المستنقعات، وغوائل تلك الأفكار، وذلك بالعلم والبيان، وإظهار الحق، وتوضيح دلالات القرآن والسنة، وكلام السلف الصالح – رضي الله عنهم – وكلام أئمة السنة وتقريراتهم – رحمهم الله تعالى – وعدم الالتفات لما يعيرهم به أصحاب الأهواء والبدع .

 

وعلى محب السنة أن يحذر ويصبر ويستمر في تعلم وتعليم الناس عامة وأهله خاصة ذلك الأصل العظيم، وأن يقرره ويكرره في جميع الأوقات، وعند بوادر الفتن خاصة؛ وذلك بالرفق واللين والحكمة، والنصح لله، لأجل قطع دابر الفتن، ومنع وقوعها.

اقرأ المزيد

الأبعاد الفكرية للحركة المثلية ومستقبل المجتمعات

قبل أن نتعرف على الأبعاد الفكرية لهذه الحركة التي تنشط مؤخرًا بشكل ملفت عالميًا على جميع الأصعدة سياسيًا وإعلاميًا وسينمائيًا

علماء حاربوا الإرهاب منذ زمن

إن الجهود التي قام بها علماء الإسلام ودعاة السنة لنصرة دين الله عزوجل كثيرة لا يكاد يحصيها بشر

التعامل مع أهل الكتاب

الحمد لله الذي خلق الخلق أجمعين ورفع منهم من استقام على صراطه المستقيم، وأشهد أن لا إله إلا الله القوي المتين

تطوير"التشريعات".. ترسيخ لمبادئ العدالة وحماية للحقوق ورفع للكفاءة

إن ما يشهد به ويشاهده شعب المملكة العربية السعودية والعالم أجمع من جهود صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز

الاعتصام بالله وبذل الأسباب.. أسس شرعية وأصول مرعية لمواجهة "كورونا"

يتردَّد كثيرًا في مجالس النّاس هذه الأيام حديثٌ عن مرض يتخوَّفون منه ويخشون من انتشاره والإصابة به ، بين حديث رجلٍ مُتَنَدِّرٍ مازح، أو رجلٍ مبيِّنٍ ناصح،

"آل الشيخ" جهوده إلى الشيشان.. والإعلام الساقط إلى الخسران

الأمة الإسلامية شرفها الله بأعظم رسالة، ورسالتها قائمة على العبادة، وأشرف أماكن العبادة المساجد

تعليقات


آخر الأخبار