الفِصام الموهوم بين السلفية والوطنية
إعداد - عبدالله بن محمد الشبانات
باحث شرعي مهتم بالشأن الوطني والقضايا المعاصرة
من السُنن الاجتماعية والحتميّ وجودها بسبب طبيعة التكوين البشري على الأرض هي وبشكل أساسي الروابط الاجتماعية المنظمة والتي يكون أساس قيامها هو اختلاف مركز كل طرف عن الآخر وتباين مناسيبهم عن بعضهم البعض من حيث الحاجة والعطاء والقوة والضعف؛ وذلك ليحدث التفاعل الفطري بينها ويؤتي ثمرته وذلك على مبدأ الأخذ و العطاء لوجود الاختلاف بين المراكز والمواقع في الصيغ الاجتماعية.
وأهم هذه الصيغ الاجتماعية هي صيغتان الأسرة والوطن، وهي في أساس تكوينها ليست متساوية بين عناصرها لكن بين عناصرها علاقة عادلة لأنّ المساواة بين المواقع والمناسيب يؤدي إلى التوقف عن التفاعل وهو هنا توقف المجتمع عن التنمية فالأسرة والوطن مكونان طبيعيان حتميان لأي مجتمع في كل أُمّة وحضارة ولا بد لقيامهما من أساس معنوي ومادي يقومان عليه وهي الصيغة الفطرية.
وبما أنّ مُؤدى كل تجمع طبيعي فطري بين عدة أفردٍ يتكون منه عدة أسر، فأيضا من المُحَتّم عقلا أن أي تجمع فطري بين عدة أسر يتكون منه وطن على الصيغة الفطرية فوجود الوطن نتيجة حتمية فطرية وسُنّة ماضية أوجدها الله وهو المقصود هنا في هذه المقالة.
فعندنا الهندوسي مثلاً له أسرة قد أقامها على أساس من حاجته الفطرية وعلى أساس من دينه وملته وبداهة نجد أنّ له وطن قام على أساس من حاجته الفطرية وعلى أساس من دينه و مِلّته، وكذلك الحال بالنسبة للنصراني وغيره.
وما قام بناء على أساس من شيئ إلّا ارتبط به وصار جزء من الأساس الذي قام عليه فأسرة الهندوسي ووطنه مرتبطان بدينه وهما جزء منه لأنّهما يحملان تعاليم دين الهندوسية، وكذلك الأمر بالنسبة لأسرة النصراني ووطنه ونفس الشيئ عن أسرة الليبرالي ووطنه والتي هي من أشد النماذج الأسرية والوطنية تفككًا واهتراءً.
وكذلك أسرة المسلم ووطنه فإنهما يقومان على أساس من شريعته ودينه وهو الإسلام؛ ولكننا نجد بعض الناس من المسلمين يقع في فصام غريب مخالف لأصول الدين فيجعل الوطن خارج المفهوم الديني الفقهي وفي نفس الوقت يجعل الأسرة داخل المفهوم الديني الفقهي مع أنّ كليهما من نفس المكونات الأساسية للنسيج الاجتماعي؟ وكلا المكونين له تشريعات خاصة به في ديننا الإسلامي و تعد من الثوابت.
وحدوث هذا الفصام كان بسبب بعض المفاهيم المغلوطة والمنتكسة عن الوطن، ومنها:
**محاولة إخراج الوطن من محيط الأوامر التكليفية في الإسلام بجعل الوطن مجرد عاطفة؛ إنّ الوطن ليس مجرد ذكرى وليس مجرد عاطفة كما يصوره البعض فهذه من المفاهيم الخاطئة تجاه الوطن فتجد الوطن عنده يتمثل في مجرد ذكريات وعاطفة فهو في نظره المكان الذي ولد وترعرع فيه ويستشهد بقول الشاعر (و حنينه أبدا لأوّل منزل)…الخ، حتى لو كان هذا الوطن قام على غير الصيغة الفطرية والشرعية الصحيحة وهنا يجب أنّ نفرق بين الوطن من حيث العلاقة تجاهه كونها التزام وتكليف في المقام الأوّل أو من حيث كونها علاقة عاطفية وذكرى وهما يتطابقان في حالات ويتباينان ويفترقان في حالات أخرى والشريعة تولى اهتماما بالوطن بالمفهوم التكليفي الالتزامي الحكمي أكثر من الوطن بمفهومه العاطفي المتعلق بالذكريات ومكان الميلاد…الخ.
فالنبي صلى الله عليه وسلم ولد وعاش في مكة وهي بالنسبة له في أحد جوانبها وخصوصًا قبل الفتح تعد وطن الطفولة وعندما أرسل وأُمر بالهجرة إلى المدينة لتكوين وطن يحمل الصيغتين الصيغة الفطرية وهي الحاجة لمكان للإقامة فيه على وجه والاستقرار ويحمل أيضًا الصيغة الشرعية وهي التي تشكل الوطن على صفة شرعية وكيفية معينة ليحصل من الصيغتين ما يُسمى في الشريعة بالتمكين فَتَكوّن عند ذلك وطن آخر للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه وهو تكليف من الله وهو المراد في الشريعة بالدرجة الأولى لذلك نجده قال صلى الله عليه وسلم في حق مكة: (ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني ما سكنت غيرك) رواه الترمذي.
فلما صارت مكة لا تصلح لإقامة وطن على الصيغتين الفطرية والشرعية بسبب قيام شوكة الكفار فيها صار لِزاما على النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه تركها حتى ولو كانت تشكل لهم الوطن بالمعنى العاطفي فهناك وطن آخر يجب أن يُقام وهو المقصود شرعًا وعقلاً ومكة بهذه الحالة لا تصلح لإقامة هذا الوطن أي بالصيغتين الفطرية والشرعية مع احتفاظ النبي صلى الله عليه وسلم بالعاطفة تجاه مكة فتوجه صلى الله عليه وسلم تِلقاء المدينة لإقامة الوطن المقصود فطرة وعقلا وشرعا، قال صلى الله عليه وسلم في حق الوطن الجديد: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة).
فالمدينة صارت الوطن التمكيني الذي تتعلق به تكاليف وأحكام الولاية العامة أو بمعنى آخر صارت المدينة النبوية تشكل الوطن بصيغتيه الفطرية والشرعية أي الحاجة لمكان للعيش فيه على أساس شرعي فتكون العلاقة هنا بالوطن علاقة مسؤلية وتكليف في المقام الأوّل وتدعمه علاقة الحب ( وحبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد) فقوله أو أشد دليل على أن الوطن التكليفي الذي تربطك به علاقة تكليف ومسؤلية أهمّ من الوطن العاطفي الذي تربطك به ذكريات وتاريخ شخصي.
إذًا.. فالوطن المقصود تجاهه الوطنية هو الوطن الذي تكون العلاقة معه في المقام الأوّل علاقة التزام ومسؤولية وتكليف لا ذكريات فقط؛ ولتوضيح هذه النقطة أكثر فإنّ الأنصار مثلا تطابق عندهم الوطن على صفته الأدبية العاطفية على شكل ذكريات و… إلخ، مع الوطن التكليفي بصيغتيه الفطرية والشرعية ولكنه لم يتطابق في حق النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين، وكذلك ينطبق الأمر على الأسرة فلكل شخص مِنّا أُسرة تربى فيها في طفولته وله فيها ذكريات ثم إذا كَبُر تزوج و كون أسرة هو مسؤول عنها بالدرجة الأولى وهي المقصودة هنا وهي أسرته التكليفية ذات المسؤلية أي التي حمل كلفتها و مسؤليتها وإن كان لا شك يتجه نحوها أيضًا بعاطفة وحب مثلها مثل أسرته الأولى التي يتجه نحوها بعاطفة في المقام الأوّل لا بمسؤلية لأنّها ربما تكون قد اضمحلت وصارت ذكريات لكن ينطبق عليها أنّها أُسرة له.
إن قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة والأمر بذلك لدليل على فساد الدولة الديمقراطية وعدم صلاحها لأن تقوم بوطن سَوِيّ لأنها تحاول عبثًا الجمع بين الإثنيات وتقوية كل واحدة ليكون لكل منها حكم في وطن واحد وهذا تناقض وإلا فقد عرض كفار قريش على النبي صلى الله عليه وسلم عدة تسويات بينهم وبينه تمكنه ظاهرًا من استمرار الدعوة لكنه صلى الله عليه وسلم رفض وأمر بالهجرة الى المدينة مما يدل على ان الوطن يحب ان يقوم على دين واحدة واتجاه واحد لا اتجاهات متعددة فإن لم يكن وإلّا فهو الدمار للوطن ولا يعني ذلك عدم وجود إثنية وفرق أخرى، المهم أن تكون الشوكة لواحدة لكي يستقر الأمر وفي الدولة المسلمة يجب أن تكون الشوكة للمسلمين.
**إنّ مكون الوطن له اعتبار شرعي في الإسلام وله مكانة واحترام في ديننا ويعبر عنه في الغالب وعن مكوناته بالجماعة ويتكون من عدة أمور من أهمها الراعي والرعية وأحكام العلاقة بينهما وأهمها الولاية العامة والبيعة وأخذ الميثاق والذمة والسمع والطاعة… إلخ.
**والسبب في وقوع كثير من الناس في الفِصام بين الإسلام والوطنية أنّهم وقعوا ضحايا للزخم الهائل من الثقافة الحزبية الإخوانية المنادية بالأممية أو الثقافة الحزبية الليبرالية المنادية بالحرية الشخصية والتي كلها وبلا استثناء أغفلت اللُّحمة الوطنية (الجماعة) وأغفلت مفهوم وأصل وعقيدة الولاية العامة والسمع والطاعة؛ إما بحجة الأُممية الحزبية أو القومية أو الفردية والحرية المزعومة، فهذا الزخم الذي تعرضت له الأمة فترة ليست بالقصيرة أخلف المفهوم العميق الصحيح للوطن ونادت خلاله هذه التيارات بشكل مباشر أو غير مباشر بإلغاء مفهوم الوطن والوطنية الصحيح بحجة القومية العربية أو الأُممية الحزبية أو الحرية الشخصية وربطت الوطن في نفوس الناس بروابط مادية ضعيفة فصار الوطن في نظرهم مجرد مقدم خدمات استهلاكية فقط ليس إلاّ، كما هو الحال في كثير من الدول الغربية الليبرالية وليس كيان له هدف و رسالة قام عليها و ملتزم بها و بالحفاظ عليها و بالحفاظ على من يقوم بهذه الرسالة ممن ارتبط بالوطن أو الجماعة عن طريق البيعة أو الميثاق والذمة إنّ من أوائل الأمور التي كان يفعلها الشخص في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هي البيعة من المسلم وهي الالتزام بالسمع والطاعة لولي الأمر وأن لا ينازع الأمر أهله أو الالتزام عن طريق الميثاق والذمّة من غير المسلم وتعني لزوم الجماعة وعدم الغدر بها والسمع والطاعة والدفاع عنها فإذا أدى الذي عليه فله ذمة لا تخفر.
**إنّ السلفي لا يوجد عنده فصام بين الإسلام والوطنية كما أنه لا يوجد فصام عنده بين الإسلام والأسرة فالنبي صلى الله عليه وسلم جمع المكونين في حديث واحد بمناط واحد وهذه من أقوى الروابط في الشريعة الإسلامية مما يدل على أنّ الإسلام معترف بهما ومقر بهما معًا ومهتم بهما أيّما اهتمام فمن أنكر أحكام أحدهما فهو منكر لمعلوم من الدين بالضرورة فقد قال صلى الله عليه وسلم (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا و تشكل بمجموعها معلوما من الدين بالضرورة لا ينكره إلّا مُغرض مُكابر.
فالوطن والأُسرة من أهم وأقوى الصيغ المجتمعية الفطرية وبما أنّ الإسلام اعترف بها، فإذًا لابُد أن يعطيعها صيغة شرعية تضبط صيغتها الفطرية وتحميها من الضياع وصيغتها الفطرية تتكون من شيئين:
أولاً: أساسها الذي تقوم عليه، وثانيًا: تحركها لتلبية حاجة البشر فردًا وجماعة فلا يمكن أن يعترف الإسلام بوجود شيئ ويحيطه بأحكام تنظمه ويكون هذا الشيئ مجرد وجود شكلي فضلا عن أن يكون مخالفًا للفطرة فعلى هذا يستحيل أن يوجد وطن بلا دين أو مذهب أو اتجاه فكري يكون ركيزة وركن من أركانه، ولكن الحزبيّين من ليبرال وإخوان ولمعرفتهم بمدى وقوة تغذية الإسلام لجانب الوطنية في النفوس وأن حدوث هذا الأمر يضعفهم في حال قيامه ولو قيامًا ضعيفًا؛ فكيف لو قام قيامًا صحيحًا وذلك على الصيغتين الفطرية والشرعية معًا فإنه لا شك ينهيهم للتوّ لذلك يحاول الحزبيون الفصل بين المفهوم الوطني والإسلام ليخف ويختفي من وجدان الشعوب (الرعية) ومعتقدهم وارتباطهم بشيئ يوحّدهم وذلك ليتم الاستحواذ عليهم لاستخدام ثقلهم الشعبوي وولائهم لمصلحة أحزابهم بعد أن حرفوه عن الوطن.
ولكل اتجاه حزبي تعامل خاص به مع كينونة الوطن والوطنية وعلاقتها بالدين الاسلامي، فنجد الليبرالي يجعل ارتباط الوطن والوطنية بالدِّين إقصاءً للآخرين وهذا باطل وراجع إلى تقديمه الفردية على الجماعة ولأن مذهبه الفردي يعادي الوطن فيحاول جاهدًا تعطيله وتحويله إلى حاضنة ومقدم خدمات فقط، وإلا فلابد للوطن من أساس متماسك يقوم عليه لكي يقوم صحيحًا قويًا، إذ لابد لأي وطن في صيغته الفطرية من أساس معنوي ثقافي قيمي موحد متماسك ولو في نفوس المنتمين له من دين وثقافة متماسكة؛ فكلما كان الأساس المعنوي متماسكًا في ذاته كان الوطن أقوى ولا أفضل من الصيغة الشرعية للوطن التي أتى بها الإسلام لكي تحمي وتهذّب صيغته الفطرية وخصوصًا في جانبها المعنوي الثقافي القيمي.
فالدولة التي تقوى وتتعاظم فيها الإثنية وتتنازع على السلطة وهذا ما تريده الحزبية عمومًا والليبرالية خصوصًا يكون المفهوم الوطني لدى هذه الدولة مهترئ مهتز في نفوس الناس كما يحدث في لبنان على يد الإثنية المجوسية الخمينية بقيادة حسن زميرة وحزبه، و كما يحدث في بعض الدول الإفريقية التي توجد فيها إثنية قبلية فكل القبائل متقاربة في القوة بجميع أنواعها ولا شك أنّ المستعمر السابق يغذي هذه الإثنية معنويًا وماديًا.
بينما الدولة التي يكون فيها الأساس الوطني ذا اتجاه واحد متماسك حتى مع وجود غيره من الإتجاهات لكنك تَجِدُ لإتجاه واحد الشوكة والقوه فإنّه يكون وطن مستقر لا مُهتزّ ومتماسك لا مُهتَرئ.
فالإسلام يُثبِت للذمّي حق الإنتماء و البقاء في الوطن وعليه واجبات وله حقوق وكذلك غير الذمي ممن عندهم شبهة كتاب كما قال عمر -رضي الله عنه- في حق المجوس: (سُنّوا فِيهِم سُنّةَ أَهْلِ الكِتَابْ).
**وعلى نفس الصعيد الحزبي نجد الفكر الإخواني يجعل ارتباط الوطنية بالإسلام إخلال بالولاء والبراء ليخدم تنظيمهُ وعالميته الموهومة بل إنّه في بعض أُطروحاته يسمي الوطن وثن وهذه عين المغالطة والغلو وتحريف من الاتجاه القطبي للدين وقد خلفه الاتجاه السروري في ذلك.
فلقد طار القطبيون والسروريون من بعدهم بمفهوم الدولة المسلمة إلى درجة فجة تخالف ما رسمه صلى الله عليه وسلم لهذا المفهوم فصوروها بصورة يصعب معها تحقيقها وتكوين وطن فأضعفوا بهذا التوجيه الصحيح لمفهوم الوطن في الشريعة؛ بل حوّلوه إلى مفهوم جاهلي معادي للإسلام مُعرقل لقيام دولة مسلمة وهذا فيه تكفير للدول المسلمة الموجود.
ففي نظرهم إما أن تكون الأرض كلها وطن للمسلمين أو لا وطن للمسلمين عندها سيلجاء من يتَّبِعُهم إلى الالتصاق بتنظيمهم وبمنظمتهم العالمية للاستغناء عن الوطن مستغلين بذلك فطرة التابع الملحة بضرورة وجود انتماء لوطن فيحرفون قناعاته لكي ينتمي إلى منظمتهم وفكرهم الموهوم وذلك بحجج وآهية ونصوص فهموا مدلولها خطاء على غير فهم السلف كفهمهم لآيات التمكين واقامة الدولة وخلافة بني آدم في الارض. وهنا نقول أهم هل تعترفون بتعدد الدول والأقاليم المسلمة واستقلال بعضها عن بعض فإن أقرّوا خصموا وإن نفوا فقد عابوا الإسلام من جهتين:
الأولى: أنّهم جعلوه يكلف الناس مالا يطيقون، والثانية: أنّ الإسلام قاصر عن ترتيب العلاقات بين الدول مسلمة أو غير مسلمة؛ وكلا الأمرين فيه انحراف خطير في العقيدة.
لقد أقرّ الإسلام بتعدد الدول والأوطان التي تدين بالإسلام وتجعله أساسًا لها أي التي يكون فيها أهل الشوكة مسلمين، واعترف باستقلالية كل واحدة عن الأخرى وعليه استقر الأمر في عهد الخلفاء وملوك الدول المسلمة عبر التاريخ الإسلامي والشواهد كثيرة سواء في زمن الخلفاء الراشدين أو من بعدهم .
** لقد جعل الإسلام للوطن صيغة شرعية توافق الصيغة الفطرية وتهذبها كما جعل للأسرة صيغة شرعية توافق الصيغة الفطرية لها قال الله تعالى: (ألا له الخلق والأمر)، فالصيغة الفطرية للوطن وللأسرة من خلقه والصيغة الشرعية للوطن وللأسرة من أمره، وهذه الصيغة الشرعية المنصبة على الوطن هي المُشَكِّلَة له حكمًا وهي التي تحدد هدفه ورسالته وأساسه الذي يقوم عليه وتحركه.. ثم كيف يرفض الشرع الوطن والوطنية ولا يحيطها بأحكامه وهي تتعلق بحماية الضروريات الخمس وتدور معها والتي أتت الشريعة الإسلامية بحمايتها.
**ومن الذين خدعوا بزخم الحزبيين في محاربتهم لمفهوم الوطن أُناس مع تصديقهم لهذا الخِداع من الحزبيين إلا أنّ فِطَرَهم أحسّت بأهمية وجود الوطن وفي نفس الوقت لُبّس عليهم أنّ الإسلام لم يُشَرّع هذا الجانب بل أُفهِموا أنّ الإسلام يعادي الوطنية كما هو مفهوم الإخونج أو أنّه ضدها ويظلم باقي فئات المجتمع كماهو مفهوم الليبراليين ولأنّ أصحاب هذه التيارات الُمعادية لا يريدون لوجود الوطنية أن يقوى به الجانب عند الناس ويرجعوا إلى شيئ من فِطرتهم فيضعف بذلك تيّارهم سواء كان ليبراليًا أو إخوانيًا فقد قاموا جاهدين في وضع صيغة ضعيفة وتافهة متهافتة لمفهوم الوطن والوطنية يسهُلُ على أيّ شخص تاريخه أسود وملئ بالخيانات للوطن والوطنية أن يتقمّصها.
ومن ذلك محاولة ترسيخهم ثقافيًا في نفوس الناس أنّ إعلان بعض المظاهر الشكلية المتعلّقة بالوطن هي من القواعد الحقيقية للوطنية كالاكتفاء بتعليقهم لبعض شعارات الوطن وغيره وقد اتخذها هؤلاء المخدوعين على أنّها هي المفهوم الحقيقي للوطن والوطنية وظنوا أنّها هي ما يحدد الوطنية وتحافظ عليها وتخدم الوطن وإنّما هي في الحقيقة مجرد ظواهر وشكليات مادية لا تنم عن ارتباط بحقيقة الوطنية والتي هي دفع للوطن إلى الأمام لينمو ويقوى ويؤدي رسالته من واقع الأساس الذي قام عليه.
أضف إلى أنّه تمخض عن هذه النوعية من الناس وهذه الحالة أُمور متناقضة كقولهم عن شخصين مسلمين اعتقادهما صحيح بأن هذا سلفي وهذا وطني وهما من نفس البلد وفي عنقهما بيعة لولي أمر البلاد وهذا تجسيد للفصام الذي أحدثه الحزبيون في أبشع صوره وتفتيت للأمة.
**إنّ رؤية السلفي للوطنية هي التي تقوم على الصيغة الفطرية والصيغة الشرعية لمفهوم الوطن معًا وذلك لتتحقق سير التنمية ولتحقيق الصالح العام على أُسس صحيحة وعلى أكمل وجهل وفي أسرع وقت لأنّ هذه الرؤية هي أسرع و أنجح طريقة لقيام الوطن قويّا صحيحا و ما تاريخ النبوة والخلفاء الراشدين و الدولة الأموية عنا ببعيد، أمّا باقي الفِرَق فإن جميعها وعلى رأسهم الأشاعرة والصوفية والإخوانيين فضلا عن باقي الفِرَق قد أضرّوا بالصيغة الفطرية و أخلّوا بالصيغة الشرعية لقيام الوطن بسبب عدة أمور من أهمها تجويزهم بل إيجاب بعضهم الخروج على ولي الأمر الظالم وهذا نقض صريح للوطن ولأكبر عُراه، وهي قيادته هذا غير ما يفعله الصوفية من البيعة لرئيس الطريقة فتتعدد الولاءات عنده وكذلك هو فعل الإخونج والروافض الخمينية من البيعة للمرشد الأعلى فنجد مثلاً اللبناني (حسن زميره) ولائه وبيعته للمرشد الإيراني في طهران فكيف تقوم عند هذا الشخص والكم الهائل من البشر الذين يتبعونه وطنية صحيحة، وعلى هذا فَقِس من بيعات الإخوانيين لمرشدهم الذي في مصر أو من ينوب عنه فكيف سيبقى عند هؤلاء وطنية حقة بل كيف تريد منهم أن يعترفوا بها وحتى لو تظاهروا بها وأتوا بلباسها الذي الذي إخترعوه و فصّلوه لهم !؟
إنّ إقامة الوطن على صيغة شرعية معلولة يسبب تَشَكُّلَ مفهوم خاطئ عن الوطن والوطنية يؤدي إلى إحلاله مكان المفهوم الصحيح و من ثَمّ اضمحلال المفهوم الصحيح شيئًا فشيئًا.
نخلص مما سبق إلى عدة أمور:
أولاً: أنّ أقوى الصيغ الاجتماعية الفطرية هي الأسرة والوطن.
ثانيًا: أن للأسرة والوطن صيغة فطرية وصيغة شرعية يقومان عليها.
ثالثًا: أنّ الوطن في الشريعة الإسلامية تتعلق به أمور تكليفية فليس الوطن عاطفة وذكرى فقط.
رابعًا: أنّ الوطنية هي من أكبر المعاول لهدم الحزبيات لذلك يحرص الحزبيون على القضاء عليها.
خامسًا: الوطن ليس محطّة خدمات تاخذ منها ماتريد ثم تذهب، فالوطن مشروع من أجل رسالة وليس مقدم خدمات فيجب الحفاظ عليه.
سادسًا: الحزبيون اخترعوا صيغة شكلية للوطنية يسهل عليهم تقمّصها في حالة حاجتهم إلى ذلك وليصرفوا أنظار الناس إلى هذه الصيغة على أنّها هي الوطنية.
سابعًا: أنّ رؤية السلفي للوطن والوطنية هي الرؤية المطابقة للصيغة الشرعية والصيغة الفطرية.
ثامنًا: أن جميع الفِرق قد أخلّت أو نقضت الوطنية بلا استثناء.اقرأ المزيد
فإنَّهُ لَا يخفَى علَى كلِّ مُسلمٍ ومسلمةٍ مكانةَ السنَّةِ النبويةِ وحجّيتَهَا وشرفَهَا، فإنَّ شرفَهَا منْ شرفِ صاحبِهَا -صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليْهِ-، ومَنْ تأمَّلَ طريقةَ القرآنِ
إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ
دحض الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن ريس الريس، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الشبهات العصرية المثارة لتشويه الدعوة السلفية
فهذه كتابة يسيرة حول شخصية غريبة تكلم عليها جمع من أهل العلم على اختلاف مذاهبهم العقدية والفقهية
رد الشيخ يوسف بن عيد، الباحث في الأمن الفكري، على فتوى الدكتورعبدالله بن محمد المطلق بإجازة إمامة المرأة لزوجها في صلاة التطوع في المنزل.
رد مركز تفسير الإسلام على التصريحات المغلوطة التي أدلى بها "علي الهويريني" خلال برنامج الليوان حول تفسير حقيقة العبادة.