حِمَارٌ فِيْ الميْدَانِ..!
إعداد وتأليف - محمد آل كيكي وعمر الشريف
جلسَ الحمارُ حزيناً منكساً بالذلِّ ويكأنَّـه يعاتبُ نفسه عَلَى أمرٍ ما، وكانَ قريباً من أحد الأنهارِ، فاقْـتربَ من شاطئ النَّهْـرِ وكان يَـومئذٍ صافياً نقياً، فاتعكستْ صُورته فيه فرآها بوضوحٍ، عرفَ أنَّ تلك صورته وأخذَ يُحدِّثُ نفسه،: يا حمارُ قد أظهر الماءُ الصَّـافِي صُورتَك ..!
حِمَـارٌ له أذُنانِ لم ينفعاهُ حين نصحهُ النَّـاصِحُونَ .. تذكر مُــذْ سنواتٍ ولمّـا جاءهُ الثعلبُ وأخذ ينفُخُ فِي أذنِه ويُوسوسُ له !.
أتعْـرف لِمَ يقولونَ عليك حمار؟، لأنَّـك تتحمّـل المشقة والذلَّ والهوان مُقابلَ بِـضْعَ لُقيماتٍ، وأنت لديْـكَ من الإمكاناتِ ما يجعلُكَ فِي وضعٍ أفضل دُون بذلِ أدني مجهودٍ .
ظـلَّ الثعلبُ يَـمْكُـرُ بِـه ويُـزينُ له الثَّـورةَ على وضعهِ ويقولُ له: أنتَ لَكَ صوتٌ جهوريّ تستطيعُ بِـه أن تُسْمِـعَ الجميع مـا تُـريد وكُلما ازددت نهيقاً اقتربتْ منكَ الحُـريَّـة، تمرّد على صاحبك لا تحمل له الأثقالَ والأحمالَ وستعيشَ حُــرًّ طليقاً بين الخَـلْقِ ..!
قال لَـهُ الحمارُ: وَلَـكِنَّ صاحِبِي وإنْ كان يشتدُّ عليَّ أحياناً ولَـكِنَّـه من أعرف النَّـاسِ بِـي وَبِحَـالِي يُطْعِمُنِي مَتَـى جُعْــتُ وَيُطببني إذا أصبْـتُ بِـمَرَضٍ فَلِـمَ أثورُ عليه..؟!
قَـال له الثعلبُ: اذْهَـبْ إلى النَّهْـرِ وانْظُـر، وكان فِي أيامِ فيضانٍ شديد.. فذهب الحمارُ فوجدَ الماءَ هائجاً وَلَـمْ يَــرَ صُورته ، رجع إلى الثعلبِ وقال: وجدتُّ الماءَ يفورُفوراناً شديداً وَهُنَـا تمكَّـنَ الثعلبُ منه فقال: لولا أنَّ الله جعل هذا الماءَ متحركاً هائجاً لأنْـتَـنْ وما تجدد له نقاؤهُ.. وذلك حقٌّ فِي المــاء ولكنَّ الماء غيرُ الحِــمَار!
وبطريقةٍ إبليسيةٍ استوحاها الشيطانُ الثعلب من إبليسَ عندما رفض السُّجُودَ لآدم -- عليه السلامُ -- وقالَ أنا خيرٌ منه..، استمر الثعلبُ وظل يبخُّ سُمَّـهُ فِي أذُنِ الحِمَـار، أنْ لابُــدَّ أنْ تثورَ على صَـاحِبِـكَ فيُعطيكَ أكثر مما تـأخذ بل وَربما أعطاك دُون أن يُـرهقَكَ في عملٍ .
قال الحمـارُ للثعلب: ومـا الفائدةُ لَـكَ من وراءِ ذلِـك ؟، قال: أنا ثعلبٌ حكيمٌ ويشتدُّ عليَّ أنْ أرى حالكَ وما بِـكَ دُون أنْ أكونَ لَـكَ ناصحاً !.
باتَ الحمارُ يُفَـكر في كلامِ الثعلب ومن هُنا تذكر الأشياءَ السيئةَ لِصَـاحِبِه ونسي له كُــلَّ جميلٍ ويكأن صاحبه هذا الشيطان الأكبر الذي إذا تخلص منه حَصلَ كُـل خير .
وفِي صباحِ اليوم الثانِي.. وضَعَ صاحبُ الحمارِ الحمولةَ التي اعتادَ أن ينقلها عليه، فهاجَ الحمارُ وماج حتى أوقعَ ما على ظهرهِ من خشبٍ وَزُجَـاج!، وأخذ ينهقُ نهيقاً لم يراهُ صاحبه هكذا من قبل، قال صاحبُ الحمارِ في نفسه مـاذا أحل به أجنونٌ هذا أم مرضٌ؟!.
أخذ الحمارُ يجري بخطواتٍ سريعةٍ غير منضبطة يميناً تارة ويساراً تارة وصاحبه يجري وراءهُ والحمارُ في جريه يتخبط في جُـدْرانِ المنازل حتي وصلا إلى السُّوقِ وها هي السِّلَعُ التي يعرضها الناسُ وقد حطمَّها الحمارُ وهشَّمها وهو ينهقٌ نهقاتِ الحرية المزعومة..!
كان بإمكانِ صاحبِهِ وهو يجري وراءه أن يقْضِي عليه، أو يقذفه بحجرٍ يُلقيه أرضاً مفارقاً الحياة ، لكنَّهُ لم يفعل.. بل كان في دهشةٍ عجيبة، ما الذي أحلَّ بالحمارِ ؟!، وبينما يجريان بعد السوق الحمارُ وصاحبه وراءه إذ وصلا إلى ضفةِ النهرِ والحمارُ في نفسه أنا حُــرٌّ يا نهرٌ مثلك، وكان قد أتعب هو وصاحبه فهدأ.. ظن صاحبُ الحمارِ أن ثورة حماره الأهوجِ قد انتهتْ عند ذلك الحَـدِّ.
اقتربَ منه ليُهدِّاَ من رَوْعِــهِ ويكأنه يقول لهُ اهدأ وسوفَ أحْسِـنُ معامَلَتك لنفتحَ صفحةً جديدةً تمحو ما فِي القديمِ من أشياءٍ أوغرتْ صدرك عليَّ.. كُـل ذلك وصاحبُ الحمارِ يفكرُ في مُعالجة الأشياء التي أفسدتها ثورةُ حمارهِ .
أشارَ للحمارِ أنْ هيا عُــدْ مَعِي، عُـدْ إلى بيتِكَ وظنَّ أن الحمارَ قدْ هدأ وإذْ بالكأسِ المسمومةِ التي تعاطاها الحِمارُ من يَـدِ الثعلبِ ما زالَ أثرُهَـا يَجْـري في دَمِ الحمار، فيرفُصَ صاحِبه ليقعَ غريقاً فِي النَّهْــرِ!، وكان رجلاً كبيراً قد أنهكه الجري وراءَ الحمار فاختنق وماتَ في النَّهْـرِ ولم يستطعْ الحمارُ إنقـاذَهُ .
ولأنَّ الحمارَ لم يُـرِد فِي الأصلِ قتْـلَ صاحبِه وإنما أرادَ تحسينَ أوضاعه، حَــزِنَ لموتِ صاحبِـهِ ولكنَّ هذا الحُـزنَ غرق فِي بحرٍ مزعوم اسمه الحُـرية !.
فيرجعَ الحمارُ إلى دارهِ مَـزهوَّا بنفسه مُتناسياً موتَ صاحبه وإذ بذلك الدار قدْ تلوَّنَ باللونِ الأحمر ولكنَّها ليست بِحُمرةِ الابْتِهَــاجِ بحريتِه ولكنه لونُ دماءِ رِفاقِه فِي الحظيرة،ِ فها هِي الدجاجةُ التي طالما أزعجته بصوتِهَـا حينما تضعُ بيضها سوفَ تُحزنُهُ بصمتها.. وهَـا هٌو الأرنبُ الذي كان يُعجبهُ منظره وهو يقفـزُ ساءَهُ ما سال من دماءٍ على رِجليْـهِ !.
وهكذا صارَ شكلُ الدارِ أشلاءً ممزعةً ودماءً متناثرةً مما عكَّــر على الحمارِ صفو فرحِـهِ بثورتِـه، ولكنَّ الذي عصفَ بفرحِـهِ كُـلِّـهِ رؤيةَ الثعلبِ وهو يفتكُ بِمَـا فِي الدارِ .
ذُهِــلَ الحِـمَارُ أهو الثعلبُ النَّـاصحُ؟! فما تلك بأفعالِ الناصحين!، أهو الثعلبُ الحكيم؟! فما تلك بِشيمِ الحُكماء !، وقال يا ثعلبُ: أأنتَ حكيمُ الأمسِ؟.. قال يا حمارُ: أنا حكيمُ أمْسِـكَ وَيومِكَ ، قال له الحمارُ: بالأمسِ نعم كُنت حكيماً، ولكنْ أينَ حكمتُكَ فيما تفعلُ الآن؟.. قال له الثعلبُ الماكرُ: حكمتيِ فِي استغلالِ الحميرِ أمثالكِ !
أسقيتُكَ بالأمسِ كأساً لونُهُ لونُ حريتِكَ وطعمُه طعمُ ذّلِّكَ، هنا أيقنَ الحمارُ أن الثعلبَ اتخذهُ مطية ليفسدَ وطنه الصغير، ويبدأ الحمارُ في رحلةِ لومٍ مع النفسِ، يلومُ أذنه لاستماعها للثعلبِ وإعراضها عن نصائحِ صاحبه ! .
ثُم أخذ يلومُ كل شىءٍ في نفسه لما أفسد من أشياءِ الناسِ ولما فعله بصاحبه ثم كاد أن يموتَ وهو يرى دماء رفقةِ الدار تسيلُ من فَــمِ الثعلب .
هامَ الحمارُ حزيناً يجوبُ البلادَ بعد أنْ لَفَظَـهُ الناسُ ورفضوا استعمالَه فهو لم يَعُـد محلَّ ثقةٍ عندهم، وبينما هو يسيرُ في البلادِ وجدَ جموعاً كبيرةً من الناسِ تتحركُ كقطعانٍ بلا راعٍ يُطالبون بحريتهم، تبعهم الحمارُ حتى وصلوا إلى ميدانٍ كبيرٍ يُـدعى (ميدانَ التّحوير!).
لم يكنْ يظنُّ الحمارُ في بادئ الأمر أنهم يريدون تَــكْرارَ مع حدث معه ولكنْ لما رأى أنـاساً يصعدون على مِنصاتٍ، يزعقون ويصيحون ويُشجعون الناسَ على الصياحِ لم يدعْ ذلك مجالاً للشكِّ في نفسه أنَّ الثعلب البشريّ سيلعب لعبته مع الحمير البشرية ليوقعهم فيما وقع فيه هو بالأمس فيعبثُ بأوطانهم كما عبث الثعلبُ بحظيرتِه .
انطلق الحمارُ إلى وسطِ الميدان ينهق نهقاتٍ حزينةٍ تختصرُ ما مــرَّ بِــهِ وبدارهِ وبصاحبهِ ولكنهم لم يفهموا الحمارَ، فلقد تخطوا الحموريةَ بِمَراحلَ، مع أنّ صمتَه وحده كان كافياً لتوضيحِ مأساتِـهِ التي نطقتْ بها أعضاؤهُ المهزولة وشعرُ جلدهِ المنحول ! .
ولكنهم قالوا في أنفسهم هذا حمارٌ ومصيرهُ الفشل عندما يُنادي بحريته، أما نحنُ فلسنا حميراً.. فكان جهلهم بأنفسهم أشدُّ من جهلِ الحمارِ بنفسه، تتزايدُ نهقاتُ الحمارِ ولكنَّ آذانهم لم تسمع لأنّ صُـراخهم قد فاقَ أصواتَ الحمير!
انصرفَ الحمارُ من الميدانِ عائداً إلى قريته القديمة ليجلسَ بقربِ النهر ينظرُ فيه إلى أذنيْــهِ وقد خـفَّ حُــزنُه قليلاً، بعدَ أنْ رأى حميراً بآذانٍ أقصرَ من أذنيه ولكنَّ نــدمهُم سيكونَ أطولَ من نَــدمِـهِ !
نـــدمَ الحمارُ.. فَهــل سيندم الــ..!
حـــــــــــــــــــــــمــــــــــــــــــــــــارٌ
اقرأ المزيد
وسبب وسمي له بـ "أخزم الحزبي" ذلك لمشابهة فعله في شنشنته بـ "شنشنة أخزم
كشفت دراسة حديثة عن أسباب حرص الجماعات الإرهابية المتطرفة على استخدام العملات الافتراضية، أهمها إخفاء هوية مستخدمي هذه العملات.
استعرض الدكتور عبدالسلام بن سالم السحيمي، رئيس الهيئة الاستشارية بالجامعة الإسلامية، أسباب الانحراف في الفكر وسبل الوقاية من ذلك
سرد الشيخ محمد بن حسن الشهري، مدير إدارة الدعوة والإرشاد بفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة عسير، عن واقعة حقيقية تكشف أساليب التنظيم السروري
حذر عمرو فاروق، الباحث في شؤون التطرف، من خطورة تنظيم الإخوان الإرهابي في اليمن، مؤكدًا أنهم يلعبون على كل الأطراف من أجل تحقيق مصالحهم.