صحيح البخاري نهاية الأسطورة!
بقلم – حسين مطاوع
لا تتعجب فهذا عنوان لكتاب صدر في المغرب لكاتب علماني يدعى رشيد إيلال يزعم فيه أن صحيح البخاري الذي هو أصح كتاب عند المسلمين بعد القرآن الكريم مليء بالخرافات والتناقضات والمغالطات ذلك لأنه حسب زعمه يناقض القرآن الكريم والعقل البشري مستشهدًا بحديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)؛ زاعمًا أن هذا الحديث يحض على القتل والكراهية فى الوقت الذى يقول الله تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)؛ فهذا تناقض (بحسب زعمه) بين الحديث وبين الآية الكريمة!
وللرد على هذه الشبهة القديمة الحديثة والتي يروجها بين الحين والآخر أعداء الإسلام ومن نحا نحوهم ممن ينتسبون له نقول: المسلمون بلا شك غير داخلين في الحديث لأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله عز وجل (إذًا خرج المسلمون من لفظ الناس)، أيضًا المعاهد والذمي خارجان من الحديث (إذًا خرجا من لفظ الناس) طبقاً للأخبار الصحيحة التابثة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يدل عليه حديث :عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل مُعَاهِدا لم يَرَحْ رائحة الجنة، وإنَّ ريحها يوجدُ من مسيرةِ أربعين عامًا".. وكذلك حديث :الأَشْعَثِ بْنِ ثُرْمُلَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهِدَةً بِغَيْرِ حِلِّهَا، حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَنْ يَشُمَّ رِيحَهَا).
ومن الأدلة أيضًا ما قاله الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله :أَنْ يَكُون هذا اللفظَ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ فِي قَوْلِهِ ”أُقَاتِلَ النَّاسَ”.. أَيِ: الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ ".
إذًا كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه للحديث أنه خاص بالمشركين غير أهل الكتاب، وذلَّ على ذلك رواية النسائي رحمه الله :أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَهُوَ ابْنُ سُمَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَإِذَا شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا وَأَكَلُوا ذَبَائِحَنَا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا)
إذًا هنا تبين لنا أن لفظ الناس في الحديث خاص بالمشركين وليس عامًّا، وبقي السؤال الأهم، مَنْ مِنَ المشركين أُمِرَ رسول الله عليه الصلاة والسلام بقتالهم؟، للجواب على هذا السؤال حتى نفنذ شبهة هذا الحديث (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ) يكفي سرد بعض الآيات وأقوال أهل العلم رحمة الله عليهم.
قال رسول الله (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ)، إذا فهو مأمور، ولا يأمره إلا الله عز وجل، قال سبحانه و تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة:190]، إذا هم من قاتلوا رسول الله والمؤمنين فأمره الله عز وجل بقتالهم وأمرنا بأن لا نعتدي، لو لم يبدؤوا بالقتال لما قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عز وجل: (أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ) [التوبة:13]، إذاً فهم من بدؤوا، وقال الله عز وجل: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) [التوبة:36]، أيضًا هم بدؤوا.
إذًا هؤلاء المقاتلين منهم، فماذا قال عز و جل في غير المقاتلين من المشركين؟
قال سبحانه وتعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) [التوبة:6]، أي إذا استأمنك أحد المشركين فأعذه و آمنه. وقال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.) [الممتحنة:8]، إذاً الذين لا يقاتلوننا يجوز أن نبرهم نقسط إليهم. وإليك أخى الكريم أقوال بعض أهل العلم في الحديث :
قال ابن العربي المالكي ـ رحمه الله ـ :
قوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) عامٌّ في كل مشرك، لكنَّ السنَّة خصَّت منه من تقدم ذكره قبل هذا من امرأة، وصبي، وراهب، وحُشوة [وهم رذال الناس، وتبعهم، ومن لا شأن له فيهم]، حسبما تقدم بيانه، وبقي تحت اللفظ: مَن كان محاربًا أو مستعدًّا للحرابة والإذاية، وتبيَّن أن المراد بالآية: اقتلوا المشركين الذين يحاربونكم).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وُيُؤتُوا الزَّكَاة) مراده: قتال المحاربين الذين أذن الله في قتالهم، لم يُرد قتال المعاهَدين الذين أمر الله بوفاء عهدهم ).
وقال – رحمه الله – أيضًا ـ :
القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله، كما قال الله تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"، [البقرة: 190].
وختامًا :
لازال أعداء الإسلام لا يكلون ولا يملون من محاربته لكن الله حافظ دينه ومهما أجلبوا علينا بخيلهم ورجلهم فهم خاسرون خائبون مخذولون لا محالة، فقد سخر الله لهذا الدين من يدافع عنه ويبين حقيقته للناس، فاللهم اجعلنا من هؤلاء الموفقين المسخرين لذلك .
اقرأ المزيد
يشد بنا الحديث عن أهم يوم من ايام التعليم عند جميع الطلاب والطالبات ..
فإن صدور القرارات المتتالية والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية في تصدي مرض كورونا
لم تعد الحرب في الوقت الراهن حرب تقليدية واضحة المعالم والأدوات كما كانت من قبل
الكلمة التي ألقاها سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك الصالح والإمام العادل سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله
تبذل وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة في المملكة العربية السعودية بقيادة معالي الوزير الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، جهودًا كبيرة لنشر العقيدة الصحيحة والمنهج السلفي الأصيل