فتنة النظر إلى النساء
بقلم – أبي عاصم السمان
إنَّ من أوائل الفتن والشهوات التي زُيِّنَت للإنسان هي فتنة الشهوة للنساء، قال الله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ)، (آل عمران: 14).
إن أعراض المسلمين محرمة مسمومة، حرم الله النظر إليها، وكما حرم الله عليك النظر إلى عورات المسلمين، فكذلك حرم عليك النظر إلى نساء الكافرين، فلا يلعبن بك الشيطان ويحل لك ماحرم الله عليك.
ولذلك أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم صيحة تحذير فقال: "إن الدنيا حلوةٌ خضرةٌ، وإن اللهَ مستخلفُكم فيها، فينظرُ كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساءَ، فإن أولَ فتنةِ بني إسرائيلَ كانت في النساءِ".. (رواه مسلم).
فمن وقع في فتنة النساء فليعلم أن فيه شبه من اليهود، وقد نهانا الله ورسوله عن التشبه بهم، وسلوك طريقهم، حتى لا نكون مثلهم من المغضوب عليهم، وأمرنا وفرض علينا أن نسأله ألا يجعلنا منهم كل يوم في صلوات الفرائض فقط غير النوافل، سبع عشرة مرة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) "سورة الفاتحة".
إنها الفتنة التي لا يكاد يسلم منها أحد في هذا العصر، من الصالحين قبل الطالحين، إنها الفتنة التي تشوش على قلوب الطيبين من عباد الله، وتعيق سيرهم إلى الله، إنها السلاح الذي يستخدمه الشيطان ليفتك بدين العبد، حين يسيطر عليه بهذه الشهوة الخفية، التي يستخفي بها العبد من الناس ولا يستخفي من الله، مع علمه أن نظر الله إليه أسبق من نظره إلى ما حرَّمَ الله عليه، والله سبحانه وتعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر: 19.
قال ابن جرير الطبري في تفسيره، وقوله: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها؛ ليحذر الناس علمه فيهم، فيستحيوا من الله حق الحياء، ويتقوه حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر .
قال ابن عباس في قوله: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)، وهو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، وفيهم المرأة الحسناء، أو تمر به وبهم المرأة الحسناء، فإذا غفلوا لحظ إليها، فإذا فطنوا غض، فإذا غفلوا لحظ، فإذا فطنوا غض [بصره عنها] وقد اطلع الله من قلبه أنه ود أن لو اطلع على فرجها.. رواه ابن أبي حاتم.. انتهى من تفسير الطبري.
وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم النظر الحرام زنا، فعن أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ).. رواه البخاري (6243)، ومسلم (2657)
أفلا يكفي في قبح هذه المعصية يا مسلم يا عبدالله، أن تكون خائن العين كما وصفك الله في كتابه (يعلم خائنة الأعين)، أفلا يكفي أن يصفك الرسول صلى الله عليه وسلم، زاني العين، فالعين تزني غير أن لا حَدَّ على صاحبها في الدنيا، لكن ماذا ياترى ينتظره من عذاب الله في الآخرة؟، لكن ماذا يا ترى ينتظره من فساد قلبه وإعراضه عن طاعة الله ، وحرمانه من لذة العبادة وحلاوة الإيمان بعد إطلاقه البصر فيما حرَّم الله؟
يقول ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين"، (1/117): "ومن النظر الحرام النظر إلى العورات، وهي قسمان: عورة وراء الثياب، وعورة وراء الأبواب" انتهى .
غض البصر فرض واجب
قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، (النور: 30)، قال الإمام ابن كثير :هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم فإن اتفق أن وقع بصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعًا، تفسير ابن كثير ( 3 / 282 ).
ويقول تعالى: {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن}، (الأحزاب: 53) ، وعن جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة (فأمرني أن أصرف بصري )، رواه مسلم ( 2159 ).
قال النووي :ومعنى "نظر الفجأة": أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أَثِمَ لهذا الحديث فإنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصرف بصره مع قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}.
ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي وهو حالة الشهادة والمداواة وإرادة خطبتها أو شراء الجارية أو المعاملة بالبيع والشراء وغيرهما ونحو ذلك وإنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة دون ما زاد والله أعلم، "شرح مسلم" ( 14 / 139 ).
لقد أصبح من أكثر الأسباب المؤدية إلى خراب البيوت اليوم، عدم غض البصر عن النساء سواء في الشوارع التي أصبحت تشبه إلى حد كبير شوارع بلاد الكفر من تعري النساء وفجورهن أو عدم غض البصر في وسائل الاتصال الحديثة، وتأتينا فتاوى مخجلة من نساء أزواجهن ظاهرهم الاستقامة، امرأة ارسلت تقول ماذا أفعل مع زوجي الذي قصر لحيته وأصبح لا يحافظ على الصلاة، ويفعل العادة السرية بجانبي وانا نائمة لأني لا أفعل له مثلما يرى في الأفلام الخليعة على جهاز الكمبيوتر؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله.
فوائد غض البصر
وفي غض البصر عدة منافع، منها ما قاله ابن القيم رحمه الله في "الجواب الكافي" (125):
أحدها: أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى، وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره .
الثانية: أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذى لعل فيه هلاكه إلى قلبه .
الثالثة: أنه يورث القلب أنسا بالله، وجمعية على الله، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله، وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر، فانه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه .
الرابعة: أنه يقوي القلب ويفرحه، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه .
الخامسة: أنه يكسب القلب نورا، كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة، ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر، فقال: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)، (النور:30).
ثم قال إثر ذلك: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) (النور:35) أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة، فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب، فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام ...
السادسة: أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل والصادق والكاذب، ... والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فإذا غض بصره عن محارم الله عوضه الله بأن يطلق نور بصيرته، عوضة عن حبسه بصره لله، ويفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة ، التي إنما تنال ببصيرة القلب، وضد هذا ما وصف الله به اللوطية من العمه الذي هو ضد البصيرة فقال تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر:72).
السابعة: أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة، كما في الأثر: (الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله) ومثل هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها، ما جعله الله سبحانه فيمن عصاه، كما قال الحسن: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، فإن المعصية لا تفارق رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه"، وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته، والذل قرين معصيته، فقال تعالى: (ولِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، (المنافقون:8)، وقال تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، (آل عمران:139).
الثامنة: أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب، فإنه يدخل مع النظرة، وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي، فيمثل له صورة المنظور إليه، ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب، ثم يَعِدُهُ ويُمَنِّيه، ويوقد على القلب نار الشهوة، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة، فيصير القلب في اللهب، فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي يجد فيها وهج النار، وتلك الزفرات والحرقات، فإن القلب قد أحاطت به النيران بكل جانب، فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور ، لهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أن جُعل لهم في البرزخ تنورٌ من نار .
التاسعة: أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول عليه بينه وبينها ، فتنفرط عليه أموره، ويقع في اتباع هواه، وفي الغفلة عن ذكر ربه، قال تعالى: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف:28).
العاشرة: أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما عن الآخر، وأن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده، فإذا فسد القلب فسد النظر، وإذا فسد النظر فسد القلب، وكذلك في جانب الصلاح" انتهى .
خوف الصالحين من فتنة النساء
فعن أبي المليح سمعت ميمونًا - أي بن مهران – يقول: "لأن أؤتَمَن على بيت مال أحب إلي من أن أؤتمن على إمرأة ".. سير أعلام النبلاء، (5/77).
وعن ميمون بن مهران قال: "وائتُمِنت على بيت مال لكنت أمينا ولا آمن نفسي على أمة شوهاء''، قلت - أي الإمام الذهبي: ''صدق رحمه الله"، سير أعلام النبلاء (5/87-88).
وعن سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسِّيب، قال: ما أيِسَ الشيطان مِنْ شيء إلا أتاه مِن قِبَل النساء ..ثم قال لنا سعيد ـ وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى: ما شيء أخوف عندي من النساء"، سير أعلام النبلاء (4/237).
وعن قيس بن الحارث قال: قال سلمان –رضي الله عنه –:لأن أموت ثم أنشر ثم أموت ثم أنشر ثم أموت ثم أنشر أحب إلي من أن أرى عورة مسلم أو أن يراها مني، (الزهد لأحمد /192)
وعن وكيع قال: "خرجنا مع سفيان الثوري في يوم عيد فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا "، الورع لابن أبي الدنيا) (66).
وعن أبي حكيم قال: "خرج حسان بن أبي سنان يوم العيد فلما رجع قالت له امرأته: كم من امرأة حسنة قد نظرت اليوم إليها؟، فلما أكثرت عليه قال: ويحك ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت حتى رجعت إليك".. (الورع لابن أبي الدنيا /68).
عن العلاء بن زياد قال: (لا تتبع بصرك رداء المرأة فإن النظر يجعل شهوة في القلب)، (الزهد لأحمد/311).
اقرأ المزيد
تبذل وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة في المملكة العربية السعودية بقيادة معالي الوزير الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، جهودًا كبيرة لنشر العقيدة الصحيحة والمنهج السلفي الأصيل
تسعى كل دول العالم إلى الحفاظ على أمنها الوطني والإقليمي والدولي، وقد أصبح العالم، لا سيما في وقتنا الحاضر
الحمد لله الذي خلق الخلق أجمعين ورفع منهم من استقام على صراطه المستقيم، وأشهد أن لا إله إلا الله القوي المتين
إن الجهود التي قام بها علماء الإسلام ودعاة السنة لنصرة دين الله عزوجل كثيرة لا يكاد يحصيها بشر
العنصرية داء خبيث عانت منه الكثير من المجتمعات ففتك ببعضها و أدخل بعضها في دوامات من الصراع والنزاعات، والعنصرية أمر بغيض أساسه الكبر والتعالي والنظر