ما هي الجامية.. ومن هم الجاميون؟
إعداد - عبدالله بن محمد الشبانات
باحث شرعي مهتم بالشأن الوطني والقضايا المعاصرة
التفرّق والاختلاف سُنّة كونية اجتماعية ماضية بين البشر في أُمَمِهِم وفيما بينهم وهو من الابتلاء في الحياة الدنيا قال الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، والتَفَرُّق والمُفَارقة والتَفّريق تدل على التباين والاختلاف على أساس من شيئ يُراد به غالبا إما الابتداء أو البقاءعليه باعتباره أصلا فكان فيه أو من عنده الافتراق.
ولا شك أنّ كل اختلاف وافتراق حقيقي يكون على أساس من شيئ موجود وجودا حقيقيا ذهنيًا كان أو ماديًا، والافتراق في هذه الأمة أمر مقضي من الله كونًا كما ورد في الحديث الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي. وفي بعض الروايات: هي الجماعة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
ومن هذا الحديث وغيره يتقرر لدينا أمران:
أوّلاً: أنّ أهل الحق فرقة واحدة لا تتعدد أبدًا وهم أهل السنة والجماعة وهم الفرقة الناجية المنصورة السلفية.
ثانيًا: أنّ الافتراق في هذه الأمة لا يكون إلا على أساس من مخالفة لهذه الفرقة في العقيدة وأصول الدين وجليله وليس في فروعه و دقيقه أي مسائل الاجتهاد المعتبر .
فمسائل الاجتهاد لا يُتَفَرّقُ عليها الافتراق الذي يقضي بالمفارقة والتضليل ويدخل في الولاء والبراء، وعلى هذا التبيين فالمعتزلة والخوارج والقدرية والصوفية والشيعة رافضة كانوا أو زيدية…إلخ، أساس تقسيمهم وتسميتهم بهذه الأسماء كان اعتماده على أمرين: الأول: مخالفتهم للعقيدة السلفية الصحيحة، والثاني: تأكيد أهل السنة في عصر ظهور كل فرقة من هذه الفرق على الأصل الذي خالفت فيه هذه الفرقة عقيدة أهل السنة كون هذا التأكيد علامة من أبرز علامات أهل السنة.
وبالمقابل تجد هذه الفِرَقَ تَصِفُ أهل السنة وتُعَيّرُهم بدفاعهم وبتأكيدهم على هذا الأصل الذي حرفه هؤلاء المبتدعة فسمّوا أهل السنة حشوية لأنّهم أكّدوا على أصل إثبات أسماء الله من غير تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل، وسموهم نواصب لأنّهم يرون أنّ أبا بكر وعمر وعثمان أفضل من علي، وسموهم عبيد السلطان لأنهم يرون السمع والطاعة لولي الأمر حتى لو ظلم الرعية.
وهنا نأتي لموضوعنا ألا وهو مسمى الجاميّة، هل هي فرقة موجودة على الحقيقة وذلك لمخالفتها أصلا من أصول الدين والسنة أم أنّ هذا الاسم جاء على أساس التعيير والبهتان كالوهابية والحشوية، فنقول أنّه إذا تقرر أنّ الافتراق الذي يقصد به حديث الافتراق ويضلل عليه لا يكون إلّا على أساس من مخالفة العقيدة وأصول الدين وأنّ كل فرقة تتحدد عن اهل السنة وتفترق عنهم بتمحورها حول تفسير أصل من أصول الدين تفسيرًا خاصّ بها تخالف به عموم فهم السلف وعقيدتهم فإننا بصدد أن نبحث عِلميًّا في الطرح الذي أُنتُقِدَ فيه على من يُسَمّون بالجامية ووُصِمَتْ بعد ذلك بأنّها فرقة خالفت فيه أصول أهل السنة والجماعة، فيجب أن نثبت عليهم أقصد من يسمون بالجامية طرحًا علميًا خالفوا فيه أهل السنة والجماعة.
ولكننا بعد البحث لم نجد لهم طرحًا في العقيدة يخالفون به أهل السنة لدرجة أننا نجد عضو هيئة كبار العلماء عبدالله المطلق في معرض التحدث عن من يسميهم بالجامية وفي سياق ذمهم وانتقادهم يثني عليهم في عقيدتهم بأنها سلفية وأنهم أقوياء في عقيدتهم ويصفهم بذلك، وبما أنه قد تقرر أنّ التفرّق في الأمة يكون على أساس من مخالفة العقيدة وأصول الدين، وعبدالله المطلق يثني على من يسميهم جاميّة في عقيدتهم السلفية فيكون التفريق والتصنيف هنا باطل ولا وجود له وجودًا معتبرًا و إنما هو تعيير وتنفير وبهتان؛ إذ كيف يثني عليهم عبدالله المطلق في عقيدتهم بأنّها سلفيّة وقوية ثم يصنفهم ويجعلهم فرقة وبالتالي يكونون خارج أهل السنة.
إلّا إذا كان يرى عبدالله المطلق أنّ أهل السنة والجماعة يتكونون من عدة فرق وهذا عين قول الأشاعرة والإخوانيين وفيه من الزلل والخطاء والضلال ما الله به عليم بل إنّ أقصى ما قاله واتهمهم به هي مُجرّد أمور سلوكية أخلاقية ربما تصدق على أي أحد كونه فردًا لا فرقة؛ فمن ضمن ما قال عبدالله المطلق أنّهم مزعجون وكذلك قال به ابن جبرين و قال ابن جبرين كذلك أنّهم حسدة فعلى فرض صحة ذلك وبما أنّ ذمم المسلمين تتكافأ والحرام من حيث وقوعه واحد سواء وقع من عالم أو فرد أو على عالم أو فرد فإن أي أحد يزعج أي فرد من المسلمين فإنه جامي و أيّ أحد يحسد أيّ فرد من المسلمين فإنّه جامي وإذا كان الإعتماد على هذا الأساس في التفريق والتقسيم فإنه يعد معضلة، وسيتشكل منه أمرين:
الأوّل: ضياع أساس التفريق والتصنيف في الأمة والذي هو على أساس من المخالفة العقدية.
والثاني: أنّ التقسيم على أساس أخلاقي وسلوكي تضليل لكثير من أفراد الأمّة واتهام لهم.
فإذا كان الدين ينقسم في عمومه إلى أمور عقدية وأمور اجتهادية وأمور أخلاقية سلوكية ثم لا يجوز التصنيف تصنيفًا يضلل على أساسه إلّا ما كان في مجال مخالفة العقيدة، وفي نفس الوقت لا يجوز البتة في المجال الاجتهادي أن يُصَنّف على أساسه تصنيفًا يضلل عليه المخالف.
فإن الخلاف والتنوع في الأخلاق والسلوك من باب أولى أن لا يصنف ويقسم على أساسه تصنيفًا وتقسيمًا يضلل عليه المخالف ويكون من باب الفرق في الأمّة والدليل على بطلان التفريق على أساس من الأخلاق والسلوك أنّك تجد بعض الكفار في أبعاض الأخلاق خير من بعض المسلمين لذلك لا تصلح الأخلاق لأن تكون أساسًا للتقسيم فإن وضعها أساسًا للتقسيم والتصنيف من فعل الفرق الباطنية الخبيثة التي تُمَيّع العقيدة والأصول وتعظّم الأخلاق والسلوك وذلك للتحقير من شأن الدين والعقيدة، إذًا فالجامية على ما سبق ليسوا فرقة ضالة فإذا سقط خروجهم من أهل السنة والجماعة سقط تصنيفهم وتسميتهم بالجامية فهم أهل السنة والجماعة وهم السلفيون، فإننا لا نجد أنفسنا أمام من يسمون بالجامية إلّا مدافعين ومؤكدين على أصل من أصول اهل السنة إلا وهو أصل الولاية العامة وأحكامها كالسمع والطاعة لولي الأمر فهل الدفاع والتأكيد هو سبب تسميتهم بالجامية.
لقد دأب أهل السنة السلفيون على التأكيد على الأصل الذي يتعرّض في زمانهم لتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين قال صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".
إن التصنيف غير المعيب الذي لا تضليل فيه لجميع المُصَنّفِين و مستساغ كذلك هو ما كان في المجال الاجتهادي المُعتبر كقولك هذا حنبلي أو شافعي أو مالكي وذلك لتسهيل التعلم ودراسة الأقوال الفقهية فإذا تعدى الأمر إلى التحزب دخلنا في محظور جد خطير.
أمّا المجال العقدي الذي يتعلق بالأصول فالتصنيف فيه يكون أساسًا للتفريق وتضليل من خالف ومُفاصلته التي تختلف حسب نوع البدعة وشدتها وهو ثلب فيمن صُنِّفَ على أساسه لأنّها مخالفة متعلقة بالأصل وهذا عيب وانحراف في معتقد من صُنِّفَ.
وأمّا باب التعيير والبهتان كوصف أهل السنة بأنهم حشوية لمن نظر إليهم من جهة الأشاعرة أو نواصب أو مرجئة لمن نظر إليهم من جهة الخوارج أو خوارج لمن نظر إليهم من جهة المُرجئة أو نسبتهم إلى شخص كالوهابية فهذه شنشنة نعرفها من أخزم وليست بالجديدة، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: "وكذلك التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به و لا رسوله: مثل أن يُقال للرجل: أنت شكيلي أو قرفندي"، فإن هذه أسماء باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، وليس في كتاب الله ولا سنة رسول صلى الله عليه وسلم، ولا في الآثار المعروفة عن سلف الأمة لا شكيلي ولا قرفندي، والواجب على المسلم إذا سئل عن ذلك أن يقول: لا أنا شكيلي ولا قرفندي بل أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله.
والملاحظ أنّ الذين يقولون بوجود الجامية، لا يأتون بطرح للجامية يُثبِتون فيه على هؤلاء المُسَمّون بالجامية أنّهم يخالفون أصلا من أصول أهل السنة والجماعة في هذا الطرح وغاية الذي ينتقدونه وينقمونه أمران:
الأوّل: هو تأكيد من يُسمونهم بالجامية على أصل الولاية العامة وأحكامها كالسمع والطاعة وعدم الخروج على ولي الامر حتى لو كان ظالمًا وتشويه هؤلاء لعملية تأكيد من يسمونهم بالجامية على هذا الأصل وإظهار هذا التأكيد على أنّه نفاق وكذب مع أنّ التأكيد على هذا الأصل يضرب الحزبية في معقلها ويجمع كلمة المسلمين ويحافظ على الجماعة بكل وجوهها خصوصا وجهها المتعلق بالولاية العامة و الوطن.
الثاني: هي الردود على الأعيان والأشخاص سواء كانوا أشخاصًا حقيقين أو أشخاصًا حُكميين أي اعتباريين إذا انحرفوا عن نهج السلف في توجههم علميّا أو عمليّا فيظهرون هذا الأمر على أنّه غيبة وبهتان وحسد وقالوا بمقولة (لحوم العلماء مسمومة… إلخ وغيرها من المقولات التي أنزلوها في غير منزلها وهذه من أهمّ صفات المبتدعة وهي إنزال النصوص والقواعد العقلية على غير موضعها، إنّ تفعيل هذا الأصل وهو الرد على المخالف يكسر أصنامهم الحزبية ويشتت شملهم ويعيد من فتنوه إلى نَظم الجماعة عقيدة و رعاية أي ولاية.
إذًا.. هذان الأمران وهما التأكيد على الأصل الذي تمت مهاجمته وحمايته والرد على من خالف هذا الأصل هما نفس الأمرين الّذين يمتعِض منهما أهل البدع في كل عصر ومِصر منذ القدم وبسببه عُيّرت السلفية بالحشوية وبالناصبية وبالوهابية وبالجامية وغيرها والقصد من ذلك التنفير منهم ومن طرحهم والتنفير من الأصل الذي يدافعون عنه أيّاً كان وهو في زماننا أصل الحكم وما يتعلق به من أحكام كالسمع والطاعة لولي الأمر وترك ما يضرّ بجماعة المسلمين كالأحزاب والتحزبات والمظاهرات وغيرها .
وقد أكّد على أنّ الجامية خُرافة و مجرد تعيير من المبتدعة كقولهم الوهابية سماحة والدنا الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله ورعاه و اخوانه من مشايخنا العلماء حفظهم الله ورعاهم؛ بل إنّ ابن باز وابن عثيمين وجملة كبيرة من العلماء السلفيين أثنوا على الشيخ محمد أمان الجامي فما سر غيظ الإخوانيين من الشيخ محمد أمان واختلاق هذا التصنيف!!؟؟
في نظري والله أعلم أن هذا العِداء يكمن في إحياء الشيخ محمد أمان الجامي الرد على الأشاعرة بشكل دقيق وتَبيينُه وتأكيده على أنّ عقيدة تنظيم الإخوان عقيدة أشعرية خصوصا في الولاية العامة والقول بتعدد الفرق في أهل السنة؛ فمثلا تجد أنّ سفر الحوالي أخرج كتاب يزعم فيه أنّه بيّن جميع الفُروق بين الأشاعرة وأهل السنة؛ لكنه دلّس وكذب فقد بقيت عدة أصول لم يتعرض لها ليحصر عقيدة السلف في الأسماء والصفات الإلهية والقضاء والقدر فقط وهذه من كُبرى مهام السرورية فإنّ من ضمن الأصول الأشعرية التي لم يتعرض لها سفر الحوالي مخالفة الأشاعرة لأصل الحكم والولاية العامة وأحكام الخروج لأنّ هذا الأصل يوافق عقيدة التنظيم الإخواني الأشعرية وهذا أمر خطير للغاية فضحهم فيه الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله رحمة واسعة.
نخلُص مما سبق إلى عدة أمور:
أولاً: أنّ تقسيم الفِرق في الأُمّة أساسه الاختلاف في العقيدة فقط.
ثانيًا: أنّ أعداء الجامية من الإخونج يثنون على من يسمونهم جامية في عقيدتهم وسلفيتهم.
ثالثًا: أنّ التقسيم والتفريق على أساس من الأخلاق باطل وغير منطقي أبدًا، وهو من صفات الفرق الباطنية ومن ضمنهم الإخونج.
رابعًا: أنّ سبب عِداء تنظيم الإخوان للشيخ محمد أمان الجامي هو فضحه لهم بأن عقيدتهم أشعرية.
اقرأ المزيد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ
أوضح الشيخ وجب بن علي العتيبي، المستشار بوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية، مفهوم السلفية الحقة المتمثلة في التمسك بالكتاب والسنة.
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين الطاعنين والمشككين في سنة سيد المرسلين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شكَّ أنّ لكلِ مصطلح مدلوله وتجد هذا واضحاً وحقيقياً في الاتجاهات المتناقضة والمتعاكسة كالفرق بين التوحيد والشرك.
لا يفتأ دعاة التغريب يحاولون النَّيل من ثوابت الدِّّين وقيم المجتمعات والدُّول المسلمة؛ ويمَنُّون أنفسهم بأن يروها وقد استبدلت الأدنى بالذي هو خير
للديمقراطية طرح ثقافي في السياسة ينطلق من المذهب الفردي المعادي لرابطة الجماعة، وهذا الطرح يؤسس للخروج على ولي الأمر ويسوغه