هل ظلم السلفيون سيد قطب في حكمهم عليه بأنه تكفيري؟


كتبه - أبو عيسى حمد أبودويرة

 شهادات الإخوان على سيد قطب وأتباعه بتكفير المسلمين

1 -  شهادة القرضاوي على سيد قطب وكتبه بالتكفير:

قال القرضاوي: "في هذه المرحلة ظهرت كتب الشهيد سيد قطب، التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره، والتي تنضح بتكفير المجتمع، وتأجيل الدعوة إلى النظام الإسلامي بفكرة تجديد الفقه وتطويره، وإحياء الاجتهاد، وتدعو إلى العزلة الشعورية عن المجتمع، وقطع العلاقة مع الآخرين، وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة، والإزراء بدعاة التسامح والمرونة، ورميهم بالسذاجة والهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية، ويتجلى ذلك أوضح ما يكون في تفسير "في ظلال القرآن" في طبعته الثانية، وفي "معالم في الطريق"، ومعظمه مقتبس من الظلال، وفي "الإسلام ومشكلات الحضارة"، وغيرها، وهذه الكتب كان لها فضلها وتأثيرها الإيجابي الكبير؛ كما كان لها تأثيرها السلبي". (أولويات الحركة الإسلامية ص: 110).

2- وقد قاوم هذا الفكر وأنكره عليه حسن الهضيبي خليفة حسن البنّا وآخرون في أبحاث أشرف عليها الهضيبي في كتاب "دعاة لا قضاة" فانظرها غير مأمور.

3- وقاومه أيضًا وأنكره عليه أبوالحسن الندوي في كتابه "التفسير السياسي".

4- شهادة فريد عبد الخالق (أحد كبار الإخوان المسلمين) على سيد قطب وأتباعه بأنهم يكفرون المسلمين:

قال فريد عبد الخالق: "ألمعنا فيما سبق إلى أن نشأة فكر التكفير بدأت بين شباب بعض الإخوان في سجن القناطر في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، وأنهم تأثروا بفكر الشهيد سيد قطب وكتاباته، وأخذوا منها أن المجتمع في جاهلية، وأنه قد كفر حكامه الذين تنكروا لحاكمية الله بعدم الحكم بما أنزل الله، ومحكوميه إذا رضوا بذلك". (الإخوان المسلمون في ميزان الحق ص: 115).

ويقول فريد عبد الخالق: "إن أصحاب هذا الفكر وإن تعددت جماعاتهم، يعتقدون بكفر المجتمعات الإسلامية القائمة، وجاهليتها جاهلية الكفار، قبل أن يدخلوا في الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ورتبوا الأحكام الشرعية بالنسبة لهم على هذا الأساس، وحددوا علاقاتهم مع أفراد هذه المجتمعات طبقاً لذلك، وقد حكموا بكفر المجتمع لأنه لا يطبق شرع الله، ولا يلتزم بأوامره ونواهيه، ومنهم من قال بعدم كفر مخالفيهم ظاهرياً، وقالوا بنظرية (المفاصلة الشعورية)، فأجاز هذا الفريق الصلاة خلف الإمام الذي يؤم المصلين المسلمين في سجونهم ومتابعته في الحركات دون النية، وقالوا بعدم تكفير زوجاتهم، وأجلوا كفرهم على أساس نظرية (مرحلية الأحكام)، وأنهم في عصر الاستضعاف - أي: العهد المكي - بأحكامه التي نزلت إبانه، فلا تحرم المشركات ولا الذبائح ولا تجب صلاة الجمعة ولا العيدين ولا يجوز الجهاد، ويكفرون من لم يؤمن بفكرهم، وأخذوا ببعض أساليب الباطنية في (التقيّة)، ألا يذكروا أسرار معتقداتهم لغيرهم، ويظهرونها لخواصهم وأتباع فكرهم، وذلك عندهم ضرورة حركية.

وطائفة تمسكت بالمفاصلة الصريحة، وكفرت مخالفيهم ومن كان معهم، ومنهم جماعة الإخوان المسلمين، ومرشدهم، وآباؤهم، وأمهاتهم، وزوجاتهم، وهم جماعة (التكفير والهجرة)، الذين يسمون أنفسهم (جماعة المؤمنين)". (الإخوان المسلمون في ميزان الحق ص: 118).

5- شهادة علي جريشة (وهو من كبار الإخوان المسلمين):

قال بعد أن تحدث عن غلو الخوارج وتكفيرهم لعلي وأصحابه:

"وفي الحديث انشقت مجموعة على جماعة إسلامية كبيرة إبان وجودهم في السجون... ومع ذلك لجأت تلك المجموعة إلى تكفير الجماعة الكبيرة؛ لأنها لا تزال على رأيها في تكفير الحاكم وأعوان الحاكم ثم المجتمع كله، ثم انشقت المجموعة المذكورة إلى مجموعات كثيرة، كل منها يكفر الآخر". (الاتجاهات الفكرية المعاصرة. ص: 279).

وكعادتهم - أعني الإخوان - لا بُدَّ أن ينبري المُدافع:

محمد عاكف المرشد الإخواني لم يرتضي كلام القرضاوي فردَّ قائلاً:

"الشهيد سيّد قطب..كان أديباً وعالماً فذّاً، وأفكاره لم تُكفّر مسلماً، وقال: إنّ سيّد قطب كان مُفسراً رائعاً وصاحب أدبيات مبدعة، إذا قرأها من يمتلك فقهاً إسلامياً يزداد إيماناً وقوّة، وإذا قرأها من لا فقه له ولا علم يمكن أن يأولها تأويلاً خطأ؛ حيث قد يخيّل إليه أنّ كتابات الشهيد تُكفّر الناس". (إخوان أون لاين نت 17/8/2004).

وإنّي لأعجب من أمرين في هذا الدفاع:

الأول: قوله عن سيّد قطب: "كان مُفسراً رائعاً"؛ إذ المؤسس حسن البنّا ينصح بعدم قراءة كتب التفسير، وقد سَأَله مرّة محمود عبدالحليم :"أيُّ التفاسير تنصحني أن أقرأ؟ فقال: إن كنت تريد نصيحتي فلا داعي لقرأة تفاسير، إنّ القرآن واضحٌ، حسبك أن تعرف معاني الكلمات الغريبة عليك، وقليلة هي، ثمّ اقرأ وتدبّر معانيه، وافتح له قلبك، وأنت تعرف سيرة النبي صلى الله عليه وسلّم إذا فعلت فإنك سيتضح لك من معانيه ما لا تظفر به من كتب التفسير". (أحداث صنعت التاريخ 1/208).

والثاني: قوله: " إذا قرأها من يمتلك فقهاً إسلامياً يزداد إيماناً وقوّة، وإذا قرأها من لا فقه له ولا علم يمكن أن يأولها تأويلاً خطأ "؛ إذ سيّد قطب كما نعلم يرى أنّ قراءة كتب الفقه الإسلامي مضيعة للوقت والأجر!! كيف لا! وهو القائل: "أما الاشتغال بالفقه الآن على ذلك النحو بوصفه عملاً للإسلام في هذه الفترة فأحسب - والله أعلم - أنّه مضيعة للعمر، وللأجر أيضًا". (الظلال :4/2012(.

ولا شكّ أنّ في كلام محمد عاكف طعنٌ في القرضاوي بأنه لا يمتلك فقهاً إسلامياً، فأنتم مخيّرون أيها الإخوان، في أيّ الرجلين (سيّد قطب أم القرضاوي) ترضون الطعن؟

وليس العجب أن يستنكر محمد عاكف وإنما العجب أن يردَّ المحامي علي جريشة!! الذي كان قبل قليل يُنكر على سيّد قطب فكره التكفيري، أليس هذا من المتناقضات؟!

قال علي جريشة الإخواني مُدافعاً هذه المرّة:".. إنّه جهل بأسلوب الشهيد .. إنّه أسلوب أدبي رفيع، لعلّه عزّ على أولئك ... وإنّه خلْطٌ بين (الأحكام الفقهية!!) و (الخواطر الأدبية) التي يسطّرها أديب له قدره الكبير ". (إخوان أون لاين نت 7/11/2006).

ولا شكّ أنّ الإخوان مُخيّرون مرّة أخرى؛ ففي كلام المحامي الإخواني علي جريشة تجهيل للقرضاوي وفقر لأن يرقى لأسلوب سيّد الأدبي الرفيع، وفيه أيضاً لمزٌ للقرضاوي بعدم التمييز بين (الأحكام الفقهية) و (الخواطر الأدبية).

فهو كما قيل: "كلا الأمرين أحلاهما مرٌّ".

ومن خلال ما عرفناه من كُتب الإخوان وكتاباتهم وأفرادهم أنّ هناك خطوطاً حمراء لا يتجاوزونها لا بحقٍ ولا بباطل قلَّ من يفعل ذلك منهم

ولا أريد أن أضعكم في حيرة وحيص بيص فإنّ حسن البنّا و سيّد قطب خطان أحمران، فسلامٌ على ا لقرضاوي

ولست أقول هذا من كيسي أو كيس السلفيين، بل من كيسهم، ولك أن تقرأ ما كتبه المحامي ممدوح إسماعيل إذ يقول: "إنّ منهج الطرد الجحيمي يندفع بوضوح إلى السطح عند التعرّض لصنم الجماعة، فيندفع المغفلون والجهلة والحمقى والمتعصبون بوعي أو بدون وعيّ إلى التعصّب الأعمى بطرد الذي مسَّ الذاتَ العليّا للجماعة ونفيّه وصبّ اللعنات عليه..". (المصريون. 18/12/2006).

هل سكت القرضاوي؟

أخبر القرضاوي المتعصبين لسيّد قطب أنه لا مفرّ من هذه الحقيقة فقال:

"ومما قاله بعضهم: إنّ النّاس قرأوا (الظلال) ولم يفهموا ما فهمته من فكرة (التكفير). وهذا الكلام غير صحيح، فقد أثار جدلاً طويلاً داخل الإخوان في السجون، ومن آثاره بحث قضية: "هل نحن جماعة المسلمين؟ أم نحن جماعة من المسلمين؟" حتى إنّ مكتب الإرشاد أرسل إلى سيّد قطب الأخ عبدالرؤوف أبو الوفا يسأله عن هذه المسألة، ومن ذلك سؤال الأستاذ عمر التلمساني له، وسؤال الحاجة زينب الغزالي له، وقد رأينا تجمعات من أقطار مختلفة يُسمّون (القطبيين)، يتبنون فكرة التكفير، وقد رأيت من آثار ذلك: مَن سألوني عن الصلاة في البيوت، وترك المساجد باعتبارها معابد جاهلية، وهو ما فهموه من (الظلال) في تفسير قوله تعالى: (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)، وقد رددت عليهم في الجزء الأول من كتابي (فتاوى معاصرة). "

وقال القرضاوي: "والقضية التي نتحدث عنها - قضية تكفير المسلمين - ليست قضية فقهية بعيدة عن اختصاص سيّد كما يتصوّر أو يصوره بعض الإخوة المتحمّسين،.. إلى أن قال: ولأنّها قضية فكرية محورية مركزية عند سيّد، رأيناه يلحّ عليها، ويكررها ويؤكدها..".

وهذا تأكيدٌ من القرضاوي على أنّ سيّد قطب لا اهتمام لديه بالعلم الشرعي ولا الفقه الإسلامي، وكتاباته إن هي إلاّ مجرّد أفكار وآراء.

وقال القرضاوي: "ومما آلمني كثيراً دخول بعض الإخوة في هذا الميدان وبضاعتهم مزجاة من العلم الشرعي ، وحتى من المنطق العقلي، وظنّوا أنّ الحماس ورصّ الكلام يغني شيئاً في القضايا العلمية الكبيرة".

ليس بغريب على الإخوان خلوّهم من العلم وأن تكون بضاعتهم منه مُزجاة؛ فهكذا تربيتهم، ليس العلم الشرعي من أولوياتهم، وإنما علمهم الجرائد والمجلات والمؤتمرات والديموقراطيات والمتفجرات.

ثمّ بيّن القرضاوي بعض القواعد، كالمُثبِت مُقدّم على النافي، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وبيّن أنّه لا حجة لمن قالوا: "تعارض فعل سيّد مع قوله"!!، وقال: العبرة بالأقوال، ولا غرابة أن يناقض فعله قوله لأنه غير معصوم!! وأكد القرضاوي أن كلام سيّد قطب في تكفير المسلمين بيّن جليّ المفهوم وأنّه لم يتراجع عن شيء منه وإلاّ فلينقله شقيقه محمد قطب فيريح و يستريح، ثمّ عاب القرضاوي على المُعقبين عليه إلاّ واحداً بأنهم أغفلوا ما نقله لهم من كُتب سيّد قطب وذهبوا يركضون بحثاً عمّن لقيَ سيّداً ليسأله فيجيب حتى قال:

"كنت أودّ من الإخوة المعقبين - ما داموا يحترمون المنطق العلمي، والبحث الموضوعي - أن يقفوا عند النصوص التي نقلتها - وهي ليست كل ما قاله الشهيد سيّد قطب - ويبينوا لنا المراد منها نصّاً نصّاً... إلى أن قال: ولكن ما في الكتب من نصوص، ناصعة البيان، ظاهرة الدلالة، يبقى كما هو، لا نملك أن نغيّره، أو نسقط منه حرفاً، أو نزيّف دلالته، فالحقيقة لا تقبل هذا، والشهيد سيّد قطب نفسه لا يرضى هذا". انتهى (إسلام أون لاين. سبتمبر 2004).

وعلى تقرير القرضاوي هذا فإنّ سيّد قطب عنده كتابات وأقوال أخرى لم يعرضها القرضاوي هي أيضًا تنضح بالتكفير، وأنّ سيّد قطب نفسه لا يرضى أن يدافع عنه الإخوان المسلمون أو غيرهم بجهلٍ فيُقال عن شيء هو من صلب عقيدته التي سطّر بها كتبه: "إنّ سيّد قطب لا يُكفّر المسلمين".

هذه شهادة شهود من أهلها، فهل ظلم السلفيون سيدًا في حكمهم عليه بأنه تكفيري؟

 

 

اقرأ المزيد

الدراما الغربية وإعادة صياغة الأسرة!

الغزو الثقافي والفكري يُعيد صياغة الأسرة المسلمة العربية بوسائله الحديثة، فتقفز على الشاشات المسلسلات الدرامية التركية وغيرها

ننشر أجوبة الإمام "ابن باز" على أسئلة حكم الصلح مع اليهود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فهذه أجوبة على أسئلة تتعلق بما أفتينا به من جواز الصلح مع اليهود وغيرهم من الكفرة صلحا مؤقتا أو مطلقا

الحلاج والفكر الثوري

فالمتأمل في بعض الشخصيات القلقة وبرزوها في التاريخ الإسلامي قد تظهر له جوانب أخرى في حياتها

أهل الشوكة وخرم الانتخابات

من فطرة الله أنّ المجتمع البشري يتكون من عدة أجزاء وأعضاء وذلك لتحقيق سنة التكامل

القول الفصل في بدعة الاحتفال بالمولد النبوي

إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ

بيان حكم الخلافة العامة

فإن بعض الجهلة ردّا على الإخوان المسلمين قد ينكر مشروعية الخلافة العامة، وهذا من مقابلة البدعة بالبدعة، والخطأ بالخطأ

تعليقات


آخر الأخبار