أثر الدفاع عن سيّد قطب على حساب ثوابت الأمّة


كتب - عبدالله بن محمد الشبانات


من العجائب عند الحزبيين وأخص منهم السروريين الاستماتة في الدفاع عن سيد قطب مع وجود الانحراف الواضح البيّن عنده واعتذارهم له باعتذارات لا تمت إلى العقيدة بصلة أبدًا؛ كأنهم يعتذرون له بأنه أديب مما يدل على اقتناعهم بأنّه منحرف عقديًا؛ لكن حزبيتهم تجعلهم يكابرون في ذلك، وهذه الحاله من الدفاع بهذه الطريقة عن سيد تعد في حد ذاتها انحراف عقدي عندهم؛ بل إنّ انحرافه العقدي عندهم لا يشكل أهميّة عندهم في ما يسمونه بالعمل الإسلامي ما دامت كتاباته تسبح في مصلحتهم وتغرد في سربهم.

 

وكون سيد قطب -يعده من يعده- أديبًا من أدباء اللغة؛ فإنّ هذا لا يضيف شيئ إلى حال سيد قطب والحكم عليه عند أهل السنة إذا كان النظر يدور حول كلامه وتعبيراته بشأن العقيدة وأصول الدين، فأنّ أمور العقيدة وأصول الإيمان لا تدخل تأسيساتها وتوضيحاتها وتقريراتها في مجال الأدب وأساليبه وإدخالها في هذا المجال من المحال ولا ينمّ إلّا عن جهل أو استجهال إلى المتلقي.

 

فما يحصل من الاعتذار لسيد قطب في ضلالته في العقيدة وأصول الإيمان بأن أسلوبه أدبي إنما هو من المغالطة الفادحة التي لا يمكن أن يغض عنها الطرف؛ فلا يمكن أن تكون ضلالات الشخص في منبعها وأساسها بسبب نزعته الأدبية في الكتابة؛ لأن هذا تأسيس غير صحيح أبدًا للاعتذار له والسبب واضح وضوح الشمس في رابعة النهار؛ وهو أنّ الفهم والوعي بالمعتقد لا ينبع من الأسلوب الأدبي بل ينبع في الأصل من ذات معنى الكلمة والجملة بوجودها ودلالتها الحقيقية في النص الشرعي وليس بالأسلوب اللغوي وجمالياته.

 

ولتبيين الأمر في شأن سيد قطب نضرب لكم مثال واقعي تاريخي؛ فمن منا لا يعرف أبا العلاء المعري، فلا أحد يناكف في مدى قوة أبي العلاء المعرّي في الأدب فلا يَصُفُّ سيد قطب ولا غيره بجانب قوة أدب المعري، ومع ذلك قال عنه ابن القيم: "المعري كلب معرّة"، بسبب انحرافاته في العقيدة والتي كان سببها تعبيراته  في أمر المعتقد، فلم يعتذر لأبي العلاء بأن أسلوبه أدبي وأن العيب في من رد عليه وضلله لعدم معرفتهم بالأساليب الأدبية.

 

 ومع أنّ ضلالات سيد قطب لا تقل خطورة عن ضلالات أبي العلاء المعري، ونعرف ونعلم علم اليقين أن علماء المسلمين من أهل السنة قد ردوا عليه وضللوه، فما هو الشيئ الذي يجعلنا نستثني سيد قطب ونترك أبا العلاء المعري أو الجاحظ المعتزلي وغيرهم كثير.

 

نقطة استفهام يجب على كل عاقل ليس مصاب بفصام علمي وليس بمؤدلج أن يتوقف عندها ليكون لها جواب؛ ولكن ليس جوابًا أدبيًا كجوابات سيد قطب بل جواب تقريري وهي أن بدعة العصر وهي الحزبية قد تمكنت من أُناس يدّعون أنّهم سلفيون ومن أهل السنة وليسوا كذلك فهم يعتقدون أنّهم على السنة كما يعتقد الأشاعرة توهماً أنّهم أهل السنة والجماعة، وإنما هم حزبيون قدموا حزبيتهم على عقيدتهم وذلك لأنّ حزبيتهم صارت عقيدة من عقائدهم.

 

الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ: كلام سيد قطب لا يصدر إلا من رافضي

 

وأما ردود علماء أهل السنة على سيد قطب والذين لا تحزّب عندهم فيضيق المقام هنا عن بسطها ولكن أشير إلى بعض الردود كردّ الإمام ابن باز على سيد قطب في كلامه عن عقيدة الحلول والاتحاد في تفسيره لسورتي الحديد والإخلاص وبأنه (ضايع) في التفسير وكذلك نبي الله موسى عليه السلام، وقول الشيخ ابن باز وكذلك الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ في آخر تسجيل له أنّ كلام سيد هذا لا يصدر إلا من رافضي خبيث؛ ولا ننسى رد العلامة الشيخ عبدالله الدويش رحمه الله هو من الردود التفصيلة ومن أفضل الردود التفصيلية على سيد قطب ردود الشيخ العلامة ربيع حفظه الله حيث إشادة الشيخ ابن عثيمين بردوده، وكذلك الشيخ ناصر الدين الالباني رحمهما الله.

 

ومُراد القول أنّ الاعتذار لسيد قطب في انحرافاته بأنّه أديب وأنّ هذا أسلوب أدبي يجب أن يطبق على جميع الأدباء الذين هم عند علماء أهل السنة منحرفين وضالين سواء من السالفين أو الحاضرين خصوصًا أصحاب الروايات كصاحب الرواية التي عبر فيها كاتبها عن مكانة الله جل جلاله وعن مكانة الشيطان بأنّهما (وجهان لعملة واحدة)، فهذا أيضًا أسلوب أدبي كما ثَلَبَ سيد قطب بأسلوبه الأدبي في الذات الإلهية؛ وكما ثَلَبَ موسى عليه السلام وكاتهامه لعقمان رضي الله عنه بأنّ حكمه فجوة بين حكم عمر وعلي رضي الله عنهم، وكاتهامه لعمرو بن العاص ومعاوية رضي الله عنهما بالنفاق والكفر، وهلمّ جر نسأل الله العافية فهل هذا يُعقل ويؤخذُ به في ميزان أهل السنة السلفيين؟.

 

إن الحزبية في دفاعها عن رموزها ولو وقعوا في الضلال والكفر يجرّ الويلات على أصول الدين ويعرضها للخطر من أجل مصلحة حزب باطني ضال، فإذا تفكرت في هذا الدفاع المقيت ومدى خطورته على الدين والأمة وبالأخصّ النشئ عرفت من أين يأتي الإنحراف العَقَدي والإرهاب على أيدي أُناس هم أنفسهم يحاربون الإرهاب بعضهم كتاب و البعض الآخر محاضرين ولكنهم يحاربون الإرهاب الذي لا يأتي من طرفهم وطرف حزبهم، ولكن كيف ذلك!؟

 

إنّهم بدفاعهم ذا الصفة الحزبية يربون المتلقي عنهم على أنّ دفاعهم عن الإجراء العملي من طرف مَن كان منهم،  ولو كان إجرائه العملي هذا موافقًا لوصف الإرهاب فإنما هي موافقة ظاهرية وأنّ هذا الإجراء العملي هو الصواب وهو الحق ولا أدلّ على ذلك من إنكارهم لإرهاب جماعات غرّدت خارج سِربهم و في المقابل تأييدهم لإرهاب جماعات تفعل ذات الفعل لكنها لازالت في سربهم.

 

وكذلك أيضًا في حالة التقرير العلمي فإنّه إذا أتى من طرفهم ولو كان موافقا لأهل الانحراف فإنّهم يصورون تأييدهم لهذا الانحراف أو السكوت عنه بأنّه يصب في أصول أخرى فيها عز الإسلام والمسلمين، ولا أدري كيف يَثْبُتُ الشيئ (الإسلام) ويقوم بنقض أصله فهذا لا يقوله إلا ضال أو مراوغ لا يرى عِزّة أبدًا في قيام الشيئ (الإسلام) الذي سعى في ذهاب أصله.

 

والصحيح أنّه يرى العِزّة في قيام جماعته وحزبه وأنّ تقريرهم أو سكوتهم عن انحراف متفق عليه يخدم جماعتهم وإذا أتى الإنحراف واضحًا فيؤكدون على المتلقي والمريد أن لا يتوقف عند هذا الانحراف بسبب جهود هذا المنحرف الدعوية زعموا وهي في الحقيقة بسبب جهوده لمصلحة التوجه الحزبي وجماعته المتمثل في واقعنا في السرورية أو القطبية أو أنّ أسلوب هذا المنحرف (المفكر) أو (الداعية) أسلوب أدبي فلا تقف أيّها المتلقي عنده.

 

وهنا مربط الفرس وهي تربية للمتلقي والمريد على الاستهانة بثوابت الدين والأمة وأصولها وبالتالي قيمها وثقافتها في سبيل الانتصار لمصلحة الحزب و لرموزه كسيد قطب وأمثاله من المعاصرين الذين يترجمون للمتلقين في الجامعات والقنوات الإعلامية بشكل عام فكر سيد ونظرته الحزبية وانحرافاته وانحرافات غيره من كُتّابهم ومفكريهم التي بدورها تخدم الاتجاه البناوي بشكل مباشر أو غير مباشر فيصبح لا ثابت عند المتلقي أو المريد إلا مصلحة الحزب وما يراه المُقرِر لذلك وهذه هي الأدلجة وهي مثلب عظيم له ما بعده من جرّ الويلات على المجتمع.

 

يتضح مما سبق أنّ المواقف الحزبية سواء كانت صلبة أو متميعة الأمر سيّان فإنها تضر الأمة في ثوابتها ودينها وثقافتها وتجعلها تابعة للجماعة والاتجاه الحزبي ومتحركة على أساس مصلحته وهذا لا يقف عند الإخوانيين بل إنّ الليبراليين يدعمون وبقوة الاتجاه الحزبي أو الفلسفة الحزبية ويحاولون ترسيخها ثقافيًا في الأمة وخصوصا عند النشئ بحجة الحرية الشخصية، بل إن كثير من الليبراليين يُبجّل كثيرا من المفكرين الإخوانيين الذين يظهر عندهم بجلاء تبنّي الطرح الليبرالي خصوصًا بوجهه السياسي أعني الطرح الديمقراطي.

اقرأ المزيد

قطر والهاربون من حضارتهم

إنّ احتضان قطر لمجموعة الإتجاه الإخواني وخصوصًا الاتجاه القطبي السروري الثوري يدل على أنّها تعيش في حالة ضياع وطني ودولي ناتج عن ضياع الهوية

الشيخ "الشهري" يوضح استراتيجيات الجماعات الضالة في التغرير بالشباب

استعرض الشيخ محمد بن حسن الشهري، مدير إدارة الدعوة بفرع الوزارة بمنطقة عسير، استراتيجيات الجماعات الضالة في التغرير بالشباب

خلل عقدي عند الإخوان المفلسين قليل من تنبه له

فإنّ مَعرفةُ المرضِ العقديِّ وسبَبُه يُعينُ عَلى علاجِهِ؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عند كلامه على وقوع الخلط بين معنى الاستغاثة والتوسل

"داعش" و"البيتكوين".. كيف استغلت الجماعات المتطرفة العملات الافتراضية لنقل أموالها؟

كشفت دراسة حديثة عن أسباب حرص الجماعات الإرهابية المتطرفة على استخدام العملات الافتراضية، أهمها إخفاء هوية مستخدمي هذه العملات.

باحث محذرًا من خطورة "إخوان اليمن": يلعبون على كل الأطراف

حذر عمرو فاروق، الباحث في شؤون التطرف، من خطورة تنظيم الإخوان الإرهابي في اليمن، مؤكدًا أنهم يلعبون على كل الأطراف من أجل تحقيق مصالحهم.

الإعلام الأسود.. حان الوقت لمُحاسبة الجزيرة وأبواقها (1)

أول خبر فتحت عيني عليه اليوم كان تعريفًا بضابط مصري قُتل أمس في مواجهات مع مسلحين

تعليقات


آخر الأخبار